الوقت- بعد أن كان رحيله الشرط الوحيد للتسوية، أصبح الرئيس السوري بشار الأسد محور أي إتفاق أو حلّ للأزمة السورية. المسألة باتت واضحة وأيّ كلام آخر لا قيمة له حتى بالنسبة للغرب ولم يعد الرئيس الأسد أساس المشكلة بل أصبحت الحلول بيده. فالأمور تغيّرت، وصمود الميدان انتج تسليم وإقرار القوى الصانعة والداعمة للجماعات التكفيرية بأنّ لا خروج من الأزمة السورية إلا ببقاء الرئيس الأسد. والأنظار تتجه إلى اللقاء الذي سيجمع الإثنين المقبل في نيويورك الرئيسين باراك أوباما وفلاديمير بوتين على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، في قمة يُتوقّع أن تحسم إلى حدٍ كبير مسار تطورات الأزمة السورية، وإمكانات إيجاد حلول سياسية لها ودور الرئيس بشار الأسد في المرحلة الانتقالية.
نعم الحلّ السياسي آتٍ لكن المسألة متعلقة بالوقت وبقدرة أمريكا وحلفائها على الإستدارة بعد ذهابها بعيداً في رفع سقف مطالبها وشروطها التي ما لبثت أن بدأت تنحدر إلى أن وصل بها الأمر لإستعجال الحلول والإتفاق على التسوية. فالأزمة السورية دقت باب أوروبا التي أصبحت مجبرة على التعاون مع كل الفرقاء حتى النظام من أجل ضرب داعش والوصول إلى خروج من الأزمة المتعددة النتائج من الإرهاب إلى الهجرة واللجوء، وكلها أثّرت على أوروبا التي توالى رؤساؤها بألحان متفاوتة وتبادل أدوار على التأكيد بإنتهاء صلاحية إشتراط رحيل الرئيس الأسد قبل التسوية والحل السياسي.
الجميع أيقن أنّ نظام الرئيس الأسد لا يمكن تجاهله أو إقصاؤه، فكيف يُقيّم التحرك الغربي الحثيث للوصول إلى إتفاق للحل السياسي في سوريا في الآونة الأخيرة؟ وأين يقع التدخل العسكري الروسي من هذه المتغيرات بعد الحديث عن إتفاق روسي أمريكي لحل الأزمة؟
فقد أكد الرئيس السوري بشار الأسد، في مقابلة مع وسائل إعلام روسية الثلاثاء، أنه لن يترك السلطة إلا إذا أراد الشعب السوري ذلك وليس تحت ضغوط من الغرب، وأضاف إنه إذا ترك الرئاسة فسيتركها إذا طالب الشعب بذلك، وليس بسبب قرار من الولايات المتحدة أو مجلس الأمن الدولي أو مؤتمر جنيف أو بيان جنيف.
ومن جهة أخرى توالت تصريحات التراجع عن شرط رحيل الرئيس بشار الأسد حيث أعلنت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أن الرئيس السوري بشار الأسد يجب أن يشارك في أي مفاوضات ترمي إلى إنهاء النزاع المستمر في سوريا. وخلال قمة أوروبية طارئة في بروكسل الأربعاء أشارت ميركل "أنه يجب على الاتحاد الأوروبي محاورة العديد من أطراف الصراع في سوريا وأنّ العملية ينبغي أن تشمل كذلك الولايات المتحدة وروسيا، بالإضافة إلى اللاعبين الرئيسيين في الشرق الأوسط بما في ذلك إيران والسعودية". يأتي هذا التصريح متزامناً مع إسقاط الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند شرط التنحي الفوري للرئيس السوري بشار الأسد في أي عملية سياسية انتقالية. وقال هولاند رداً على سؤال لموفد الميادين إلى بروكسل "إنه يمكن إطلاق عملية انتقال سياسية فوراً مع التأكيد أن الأسد لن يبقى في نهاية هذه العملية". من جهته دعا هولاند أيضا دول الاتحاد الأوروبي إلى العمل مع روسيا وإيران لتثبيت الأوضاع في سوريا. وحثّ الاتحاد الأوروبي للعمل مع جميع اللاعبين الإقليميين والدوليين روسيا وإيران ودول الخليج الفارسی وذلك لتثبيت الأوضاع في سوريا ومن أجل عقد مؤتمر سلام جديد على صيغة جنيف خاص بخصوص هذا البلد.
وسبقت تصريحات لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري أعلن فيها أنه من غير الضروري رحيل الرئيس الأسد على الفور، الأمر الذي فُسّر بأنه تراجع في الموقف الأميركي، باتجاه القبول بوجود الأسد ومشاركته في المرحلة الانتقالية، كما يعني الجلوس معه على طاولة المفاوضات. وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أمس إن اشتراط رحيل الأسد لحل الأزمة ليس واقعياً.
وبحسب معلومات تسربت من اللقاء الأخير الذي حصل بين نتنياهو وبوتين في موسكو، وتفرعات القمة التي عقدت على مستوى الخبراء من عسكريين وسياسيين، طال التنسيق مجالات الحفاظ على نظام الأسد مرحلياً. وأما الدول العربية فأكثرها لا يخفي الرغبة ببقاء نظام الرئيس الأسد، فقد رفع إعلاميون مقربون من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي شعار "بقاء الأسد هو الحل"، وهاجموا علناً موقف السعودية المعارض لذلك. فيما اختصر رئيس الوزراء الأردني الأسبق والمقرب من السلطات الأردنية الدكتور معروف البخيت في محاضرة له ألقاها قبل التطورات الأخيرة بأسبوعين الموقف لدى قوله: "الحل في سورية هو ببقاء الأسد".
ويعزز المناخ الإقليمي والدولي السائد حول دعم بقاء الرئيس بشار، إمكانية الوصول إلى عقد مؤتمر دولي على طريق حل الأزمة السورية. وفي هذا السياق أكدت مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان خلال مقابلة مع التلفزيون الرسمي السوري أمس الخميس وجود تفاهم ضمني بين روسيا وأمريكا للتوصل الى حل للنزاع في سوريا واشارت الى وجود إقرارأميركي بأن روسيا على معرفة بالمنطقة وتقيم الموقف بشكل افضل مضيفةً " أن المناخ الدولي الذي نشهد اليوم هو مناخ متجه نحو الانفراج وحل الازمة في سوريا".
وأعلن الكرملين ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيلتقي الاثنين نظيره الاميركي باراك اوباما وسيلقي كل منهما كلمة على هامش الاجتماع السنوي للجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك. وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف لوكالات الانباء الروسية "اتفقنا على عقد لقاء مع اوباما". وقد صرّح مسؤول اميركي ان الرئيس اوباما وافق على لقاء بوتين الاثنين على الرغم من الخلافات بين البلدين، وقال "الامتناع عن تجريب ما اذا كان من الممكن تحقيق تقدم من خلال التزام على مستوى رفيع سيكون امرا غير مسؤول". وقال وزير الدفاع الاميركي اشتون كارتر أمس الخميس ": أن الولايات المتحدة وروسيا يمكن ان تجدا مجالات للتعاون بشأن سوريا، واذا كانت روسيا تسعى للحل السياسي للنزاع المستمر منذ اربع سنوات في سوريا وليس ان تكتفي بمهاجمة كل خصوم الرئيس بشار الاسد بلا تمييزيمكننا ان نجد مجالات للتعاون".
الإشارات كلّها تدلّ على أنّ التسوية والحل أصبحا قريبين لكن الصراع مع الوقت ومع الذين سيعرقلون أي حلّ ليس في مصلحتهم. فالموقف السوري واضح وثابت والصمود الميداني للجيش السوري وحلفائه هو الذي يدفع نحو إنهاء الأزمة والعودة إلى الحلول السياسية. وبعد أن أصبح مسلّماً بقاء ومحورية الرئيس السوري بشار الأسد في أي عملية سياسية إنتقالية وإتفاق مقبل، سوف نشهد في الأسابيع القادمة تغيرات وتحولات استراتيجية وميدانية تعكس تراجع النفوذ الأمريكي وأدواته في المنطقة ولم تكن آخر شواهده الحضور الروسي البارز سياسياً وعسكرياً في الملف السوري.