الوقت-إنّ تطبيع علاقات أبو ظبي مع الكيان الصهيوني، باعتبارها "خيانة كبرى للقضية الفلسطينية وخنجر في ظهر جميع مسلمي العالم وليس وفقط للشعب الفلسطيني" ، هي خطوة كشفت عن العلاقات السرية طويلة المدى بين الامارات وإسرائيل، لكن بالطبع هذه العلاقات لم تكن مخفية الى ذلك الحد، لأن الكيان الصهيوني يمارس نشاطه في الدول الخليجية منذ 20 عامًا تقريبا، ومنذ 2014 كان للكيان مندوب رسمي في الإمارات وساعد 500 شركة على العمل هناك، حتى في نوفمبر 2015 ، سافر المدير العام للشؤون الخارجية للكيان الصهيوني إلى أبو ظبي ، وهي أول زيارة رسمية لمسؤول صهيوني إلى الدول الخليجية.
بالاضافة الى الخيانة التي صارت تجري في شرايين بعض القادة العرب، التي من أمثلتها ما حدث في عامي 1979 و 1994 مع مصر والأردن في علاقاتهم مع الكيان الاسرائيلي، فإن من جملة الأسباب التي جعلت دولة الإمارات تتقرب من اسرائيل وتطبع معها، هو انخداعها بالدعايات الأمريكية والإسرائيلية بشأن ايران فوبيا.
إن سلطات أبو ظبي تزعم أن إقامة علاقات رسمية مع الكيان الصهيوني لا تستهدف إيران ، لكن الزيارة الفورية لـ "يوسي كوهين" رئيس جهاز التجسس الموساد إلى أبو ظبي وتقرير القناة الصهيونية 11 "Can News" حول مساعي إيجاد تحالف بين الكيان لمواجهة الجمهورية الاسلامية الايرانية، يكشف هذه الحقيقة.
إن ابو ظبي ومعظم دول الخليج، تهدد ايران في الوقت الذي أظهرت الأخيرة أكبر قدر من التسامح في علاقاتها معهم. وكان هذا التسامح في الوقت الذي كانت هذه الأنظمة خاصة ما بعد الثورة السلامية الايرانية، تمارس أعمالاً عدوانية تجاه ايران بالتحديد خلال الحرب المفروضة من قبل نظام صدام، وتشجيعهم وتحريضهم لإدارة ترامب للانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني وفرض عقوبات ظالمة على الشعب الايراني.
لم يقتصر اضطهاد هذه الدول على الشعب الإيراني فحسب، بل إنهم من خلال تسهيل تواجد الأجانب في المنطقة، ساهموا في إنشاء ودعم الجماعات الإرهابية والإجرامية مثل تنظيم القاعدة وتنظيم داعش وجبهة النصرة وساهموا في العدوان العسكري المباشر على اليمن، وارتكاب العديد من الجرائم ضد شعوبهم وشعوب العراق وسوريا واليمن وأفغانستان وغيرها، وجعلوا أمن واستقرار المنطقة والعالم في خطر جسيم.
إن جمهورية إيران الإسلامية، إيمانا منها بأنه لا يمكن استتباب الأمن ولا يمكن تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة إلا بالتعاون مع دول المنطقة، فقد قدمت حتى الآن العديد من المبادرات للتعاون الإقليمي، كان آخرها مبادرة هرمز للسلام أو مشروع الأمل. ومع ذلك، فقد سلكت أبو ظبي والرياض المسار الخاطئ ووضعا مصيرهما أمام أمريكا واسرائيل.
إذا كان التقرير المسرب عن ضابط مخابرات إماراتي حول الاتفاق مع الكيان الصهيوني صحيحاً، فذلك يعني أن أبو ظبي أقدمت على الانتحار بلا شك. وجاء في التسريبات: "تراقب إسرائيل جميع حسابات الأفراد والشركات والمؤسسات الخاصة العاملة داخل الدولة وتراقب جميع التحويلات المصرفية. وستكون جميع الموانئ البحرية والقواعد الجوية تحت المراقبة الإسرائيلية المستمرة.
ستراقب إسرائيل أيضًا جميع شبكات الاتصال وشبكات التواصل الاجتماعي وأسماء الأفراد وجنسيات الموظفين في وسائل الإعلام والصحف وشبكات التلفزيون الحكومية. وستكون تل أبيب على علم ومعرفة بمعلومات جميع الدبلوماسيين والعسكريين وموظفي الخدمة المدنية وموظفي السفارات الاماراتية في الخارج. كما سيتم إبلاغهم بحساباتهم المصرفية ومحل سكنهم في البلدان التي يقيمون فيها. وان الامارات ستزوّد اسرائيل بكل الاسلحة ومواردها والصناعات ومحل تخزينها واسماء حراسها الشخصيين".
إن أبو ظبي وبعض الدول الأخرى التي هي نفسها سبب انعدام الأمن والاستقرار في المنطقة، تطلب استتباب السلام والاستقرار من الأنظمة التي أظهرت مرارًا وتكرارًا أن هدفها الرئيس هو زيادة زعزعة استقرار المنطقة من أجل المصالح الاقتصادية وحلب دول المنطقة. في حين أنهم غير قادرين حتى على حماية أنفسهم من الجماعات المسلحة الصغيرة أو الأعمال الانتقامية الإيرانية في المنطقة.
وبقبولها هذا الاتفاق المذل، تتحدث أبو ظبي بكل وقاحة عن التضحية من أجل الشعب الفلسطيني وتأجيل ضم الضفة الغربية للأراضي المحتلة، بينما أظهر الكيان الصهيوني في الماضي والآن أنه في مثل هذه الخيانات، لن يتوقف عن أعماله العدوانية، بل إنه سيزيد من عدوانيته وهمجيته ضد الفلسطينيين. إن ردّ فعل نتنياهو الفوري والإعلان عن تأجيل بسيط في تنفيذ خطة الضم، يكشف هذه الحقيقة.
كما أفادت التقارير أن أبو ظبي ستتلقى طائرات مقاتلة من طراز F-35 من أمريكا مقابل هذا الاتفاق الذليل، وأثبتت معارضة الكيان الصهيوني الشديدة لبيع أمريكا طائرات مقاتلة من طراز F-35 للإمارات، أثناء زيارة بومبيو للأراضي المحتلة، أن أبو ظبي قد اتخذت مسارًا خاطئًا للغاية. وعلى إثر هذه المعارضة ألغت ابو ظبي اللقاء بالمسؤولين الاسرائيليين والأمريكيين.
تثبت معارضة الكيان الصهيوني لبيع طائرات F-35 أن الكيان لا يسعى أبدًا إلى طلب المساعدة من أبو ظبي أو الدول الإسلامية الأخرى، وأن هدفه هو زيادة استغلال هذه الأنظمة لتسهيل الأعمال التوسعية والعدوانية من جهة، وإحداث انقسامات بين الدول الإسلامية ومواجهة الجمهورية الاسلامية الايرانية من جهة أخرى لمنع وحدة الدول الاسلامية.
إذا كان تقرير المسؤولين الأمريكيين والكيان الصهيوني القائم على أن دولاً إسلامية أخرى تتماشى مع تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني صحيحاً، فلا ينبغي التوقع منهم أن يتعظوا من التجربة الإماراتية الفاشلة التي لم تمر عليها أقل من اسابيع عديدة واذا بالتسريبات الذليلة تُنشر. اذا كان الأمر متروكًا لوعي الزعماء العرب ووقوفهم ضد التطبيع مع الكيان، لما رأينا اليوم استمرار احتلال الأراضي الفلسطينية.