الوقت- كذباً تدعي دويلة الإمارات العربية المُتحدة أنّ صفقة التطبيع الاستسلامية التي وقعتها مع الكيان الإسرائيلي كانت محاولة لدرء ضم الكيان المزمع للضفة الغربية المحتلة، غير أنّ تطورات الأحداث المُتسارعة أكّدت بما لا يدع مجالاً للشك أنّ عمليات التطبيع كانت تسير على قدمٍ وساق منذ سنوات، وأنّ ما حدث منذ أيام لم يكن إلّا كشف للمستور، حيث شهد العالم أجمع زيارة مسؤولو الكيان الإسرائيلي إلى الإمارات وحضروهم مؤتمرات في دولة يُفترض أنّها لم تكن تمتلك علاقات دبلوماسية مع دولة الاحتلال.
أكثر من ذلك؛ تتحدث بعض الأخبار كتلك التي نقلتها صحيفة يديعوت أحرونوت الصهيونية أنّ صفقة التطبيع لم تتطرق إلى إلغاء مشاريع الضّم، إنّما تشمل الصفقة طائرات F 35 وطائرات بدون طيار من النوع الأكثر تطورا، وعدّة أسلحة أخرى ستقدمها الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن كان الكيان يُعارض تسليم هكذا أنواع من الأسلحة لدولةٍ عربية، الأمر الذي يؤكد عدم وجود أي عداوة بين الكيان الإماراتي والكيان الإسرائيلي، لكن هل من المُمكن أن يقبل ساسة الكيان بإزالة اعتراضاتهم على تسليم الإمارات هذا النوع من الأسلحة المُتطورة؟.
رُبّما أكثر ما يخشاه ساسة الكيان اليوم هو سقوط نظام الحكم في الإمارات ووصل آخر سيكون بالضرورة معادٍ للكيان، وهو الأمر الذي سيُسبب مشاكل كبيرة للكيان، حيث أن وصول نظام كهذا وامتلاكه أسلحة مُتطورة سيُهدد وجود الكيان برُمّته، وبعد هذه التقارير التي تحدثت عن غض النظر من قِبل ساسة الكيان عن تسليح الإمارات، خرج مكتب رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو ببيانٍ ينفي نفياً قاطعاً هذه الأنباء، ليؤكد أيضاً على أنّ اتفاق التطبيع مع الإمارات لا يتضمن أي بند في هذا الشأن، بل أكثر من ذلك؛ فقد أكدت واشنطن للكيان أنّها ستحرص دائما على حماية "التفوق النوعي" للكيان الإسرائيل وأنّ سياسة واشنطن في المنطقة هي الحفاظ على تفوق الكيان العسكري في المنطقة، وتعود قوّة الإصرار بأنّ لا تزود أمريكا الإمارات بأيِّ نوعٍ من الأسلحة المُتطورة إلى أنّ الكيان لا يقوم ببيع أيّ نوعٍ من الأسلحة للدول التي تُعادي أمريكا، وعلى أمريكا أن تمتثل أيضاً لهذا الاتفاق غير المكتوب.
البحر الأحمر.. هل يحمرُّ دماً؟
رُبّما تكون الطّامة الكُبرى في التطبيع الإماراتي هو ما خرجت به الاتفاقيات التي عقبت التطبيع، والتي كشف هناك رئيس الموساد الإسرائيلي عقب زيارته أبو ظبي، حيث تقول الوثيقة التطبيعيّة إن اتفاقية التطبيع تجعل من الممكن تعزيز تحالف عسكري بين الدول الخليیة والكيان الإسرائيلي، بما في ذلك التعاون في تأمين البحر الأحمر، لكن يبدو أنّ هذا التحالف مُهدد من عدّة نقاط، ولن يكون من السهل تأمين هذه النّقاط، فعلى مضيق باب المندب على سبيل المثال يُسيطر أنصار الله على المكان، وهم اللذين هددوا الكيان الإسرائيلي غير مرّة.
أكثر من ذلك، فإنّ الإمارات التي خرجت مطرودة من الصّومال، لن يكون بقدورها برفقة الكيان السيطرة على الأقسام التي تُشرف عليها الصومال من البحر الأحمر، خصوصاً وأنّ الحكومة الصومالية هناك تتلقى دعماً كبيراً من أنقرة الخصم العنيد لأبو ظبي، والتي أبدت استياءً كبيراً من خطوة أبو ظبي التطبيعيّة.
أكثر من ذلك؛ وعلى عكس الوثيقة التي وقعها الكيان بخصوص البحر الأحمر، تبدو تحركات الكيان في هذا الحوض مُريبة، حيث أنّه يُحاول مع دول عدّة تُجاور الدول العربية أو الإسلامية المُطلّة على البحر الأحمر خصوصاً في منطقة القرن الإفريقي لمنع تحول البحر الأحمر إلى "بحيرة عربية أو إسلامية"، وهو ما يُنافي ما ذهب إليه الوثيقة من تعاون أمني، غير أنّ العارفين بالأمر يؤكدون أنّ الرّغبة الصهيونيّة هذه تتلاقى مع رغبة أبو ظبي بعد طردها من المنطقة، واستقرار أنقرة هناك، وسيشمل نشاط الجانبين بالإضافة لمملكة آل سعود لإثارة النعرات بين الدول الإفريقية المُطلّة على البحر الأحمر والدول المُجاورة لها، وهذا ما نشهده عيناً من خلال دعم الإمارات والسعودية والكيان الإسرائيلي لإثيوبيا لمواجهة بعض الدول العربية كالصومال وجيبوتي وأريتريا، لنزع الصّفة العربية أو حتى الإسلامية عن هذا البحر.
وفي النهاية؛ وبعد كلّ ما تقدم يبدو أنّه على منظمة التعاون الإسلامي أن كونها المعني الأول بعد انحسار دور الجامعة العربيّة وتطبيلها الدائم لقرارات السعودية والإمارات ومصر، أن تتحمل مسؤولياتها وتبدأ بمُلاحقة الكيان والدّول المُطبعة معه قانونياً عبر محكمة العدل الدوليّة لإيقاف تجاوزات تلك الدّول وعبثها في استقرار المنطقة، ومن ثُمّ من داخل المُنظّمة ذاتها من خلال إصدار قرارات صارمة تُجرّم التعامل مع الكيان الإسرائيلي وقطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية وحتى العسكرية مع الدّول التي تُواصل عمليات التطبيع غير آبهة بمصير شعوب المنطقة.