الوقت- توصلت دولة الإمارات مؤخرًا إلى اتفاق مع الکيان الإسرائيلي لتطبيع العلاقات تمامًا، وفي الأسابيع القليلة المقبلة ستلتقي وفود من الإمارات والکيان للتوقيع علی اتفاقيات ثنائية، في مجالات الاستثمار والسياحة والرحلات الجوية المباشرة والأمن والاتصالات والتكنولوجيا والطاقة والصحة والثقافة والبيئة وفتح السفارة وقضايا أخرى.
ويبدو أن هذا الأمر سيکون بداية فصل جديد في العلاقات بين الكيان الصهيوني والإمارات. وفي هذا السياق، نعتزم في هذا المقال التطرق إلى العلاقات بين الإمارات والكيان الصهيوني منذ نشأته، وكذلك أبعاد ونتائج تطبيع علاقات الإمارات مع الكيان.
العلاقات بين الإمارات والكيان الصهيوني قبل اتفاقيات أوسلو
بشكل عام، يمكن دراسة العلاقة بين الإمارات والکيان الصهيوني في فترتين، هما قبل اتفاقيات أوسلو وبعدها.
شاركت دولة الإمارات، التي نالت استقلالها عن بريطانيا عام 1971، في الحظر النفطي عام 1973، بعد استقلالها بوقت قصير، مثلها مثل دول أوبك الأخرى ومصر وسوريا. هذا القرار، الذي استمر حتى عام 1974، أصبح أول تحرك فعال لدولة الإمارات في القضايا المتعلقة بالکيان الصهيوني.
قبل اتفاقيات أوسلو (1993)، دعمت الإمارات عمليًا فلسطين إلى جانب الدول العربية الأخرى، وعلى الرغم من الخلافات بين الدول العربية خلال تلك السنوات، دعمت الإمارات أيضًا إلى جانب هذه الدول القتال ضد الکيان الصهيوني، لاستعادة الأراضي المحتلة.
العلاقات بين الإمارات والکيان الصهيوني بعد اتفاقيات أوسلو
منذ اتفاقيات أوسلو(1 و 2) في 1993 و1995، والتي تم تشكيلها بعد اتفاقية "كامب ديفيد" للسلام بين مصر والکيان الصهيوني عام 1978 واتفاقية السلام الأردنية مع الكيان الصهيوني عام 1994، زالت تدريجيًا حرمة إقامة العلاقات مع الكيان الصهيوني بين بعض الدول العربية، ونظراً لاعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بالكيان الصهيوني في اتفاقيات أوسلو، نشأت بين بعض حكام المنطقة فكرة أن القضية الفلسطينية يمكن حلها من خلال المفاوضات وإقامة علاقات سياسية مع الكيان الصهيوني.
ولكن رغم فشل اتفاقيات أوسلو وعدم التزام الکيان الصهيوني ببنود المعاهدة، بقيت فكرة إمکانية احتواء الکيان الصهيوني من خلال المفاوضات لدی بعض الدول العربية والفصائل الفلسطينية، وهذه الدول من خلال وضع هذه القضية على جدول الأعمال، دعمت الفصائل الفلسطينية التي سعت لحل الصراع مع الكيان الصهيوني بالوسائل السياسية. والإمارات أيضاً دعمت هذه الجماعات الفلسطينية، إيماناً منها بإمكانية حل القضية الفلسطينية من خلال الآليات السياسية.
استمر هذا الاتجاه حتى ما يقرب من عقد من الزمان، ومنذ أن أصبح نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني، اتبعت تل أبيب سياسات تهدف إلى إقامة علاقات سرية مع بعض الدول العربية. وهذا الأمر، الذي ترافق مع الدعم الأمريكي، إلى جانب بعض التطورات الإقليمية، دفع دولًا مثل الإمارات إلى الانجراف أكثر فأكثر نحو الکيان الصهيوني.
نقطة التحول في هذه العلاقات، كانت التطورات التي حدثت في عام 2011 في بعض الدول العربية، حيث تصورت أبوظبي خلالها مصالح مشتركة مع الکيان الصهيوني، ومنذ ذلك الحين ازداد مستوى التعاون السري بين أبوظبي وتل أبيب.
واستمر هذا التعاون حتى علمت معظم الأجهزة الأمنية الإقليمية بوجود علاقات أمنية واسعة وتعاون بين الإمارات والکيان الصهيوني، ونشرت أخبار عن الرحلات السرية للمسؤولين الصهاينة إلى الإمارات والعكس صحيح، وازدادت التكهنات حول تطبيع وشيك للعلاقات بين هذه الإمارة والکيان الصهيوني.
وبعبارة أخرى، بعد اتفاقيات أوسلو، نأت الإمارات بنفسها تدريجياً عن القضية الفلسطينية، وبالنظر إلی التطورات الإقليمية والضغط الأمريكي، زادت علاقاتها السرية مع الكيان الصهيوني، وذهب الأمر إلى حد أن معظم الأوساط الإعلامية باتت على علم بوجود علاقات سرية بين أبوظبي وتل أبيب، وفي هذا الصدد كان الجميع يترقب الإعلان النهائي عن تطبيع العلاقات بين الإمارات والکيان الصهيوني.
تطبيع العلاقات بين الإمارات والكيان الصهيوني
فيما يتعلق بتطبيع العلاقات بين الإمارات والکيان الصهيوني، هناك قضيتان لهما أهمية خاصة؛ الأولی هي أرضيات تطبيع العلاقات وبالتالي الأهداف والمصالح التي يسعى الطرفان إلى تحقيقها من خلال تطبيع العلاقات، والثانية هي التداعيات والآثار التي سيحدثها تطبيع العلاقات.
أهداف الإمارات من تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني
الأهداف السياسية والأمنية
الإمارات العربية المتحدة منذ إنشائها؛ كونها في بيئة فيها لاعبان إقليميان قويان ولهما آراء مختلفة في معظم الملفات الإقليمية المهمة، قد حاولت دائمًا لعب دور إقليمي من أجل الحفاظ على التوازن بين هذين الفاعلين، أي جمهورية إيران الإسلامية والسعودية.
في الواقع، نظرًا لنقاط الضعف التي تعاني منها الإمارات العربية المتحدة، ولا سيما في بعض إماراتها مثل دبي، التي يأتي مصدر دخلها الرئيسي من خلال التجارة وصناعة السياحة، سعت أن تتصرف بطريقة تجعل کفة التوازن في المعادلات الإقليمية لا تميل لصالح أحد هذين الفاعلين المهمين.
لقد كان لدولة الإمارات العربية المتحدة تقليديًا ومثل معظم الدول العربية في الخليج الفارسي، خلافات مع السعودية، وقد دفعها ذلك دائمًا إلى محاولة تحييد التهديدات السعودية المحتملة ضدها من خلال الحفاظ على العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية.
وفي الوقت نفسه، وبالنظر إلى هويتها العربية، فقد حافظت الإمارات على علاقاتها الطيبة مع السعودية، وبينما تدعي ملكيتها للجزر الإيرانية الثلاث، أكدت علی هويتها العربية وحاولت بناء الأمة في دولة مستقلة حديثًا. ولذلك، اعتبرت دولة الإمارات العربية المتحدة عملياً أن أمنها يعتمد على ميزان القوى بين السعودية وجمهورية إيران الإسلامية، وبذلت جهوداً كبيرةً في هذا الصدد.
وأثناء وجود الإمارات في التحالف العربي الذي تقوده السعودية لمهاجمة اليمن، تعرض هذا البلد لانتقادات کبيرة من قبل إمارة دبي و"آل مكتوم"، بسبب تموضعه في الجبهة المقابلة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ونظرًا لحاجة دبي التقليدية إلى الحفاظ على التوازن بين إيران والسعودية من أجل بقاء الشرايين الحيوية لاقتصاد هذه المدينة؛ ولکن رغم ذلك، واصلت أبو ظبي بقيادة محمد بن زايد الذي کان يسعى للعب دور جديد في المنطقة، أنشطتها في اليمن (سواء بشكل مباشر أو غير مباشر)، ولکنها أرسلت في الوقت نفسه وفداً أمنياً رفيع المستوى إلى طهران لمحاولة تهدئة مخاوف جمهورية إيران الإسلامية.
ومع ذلك، من خلال مشاركتها في الحرب علی اليمن، نقلت الإمارات العربية المتحدة بوضوح رسالةً إلى الدول الأخرى في المنطقة، مفادها أنها تسعى إلى دور جديد في المنطقة؛ الأمر الذي يتضح جلياً من تصرفات أبو ظبي في اليمن وجهودها للسيطرة على النقاط الإستراتيجية في جنوب هذا البلد، وأن يكون لها أهداف مختلفة مع السعودية التي تقود التحالف.
ولذلك، كان استمرار السياسات الأمنية الإماراتية السابقة على المستوى الإقليمي أمرًا مستحيلًا تمامًا، وكانت أبوظبي نظرًا لقدراتها بحاجة بطبيعة الحال إلى دور يزيد أوراق اللعب لديها، لتخرج من الانحصار بين القوتين التقليديتين في المنطقة، أي إيران والسعودية.
من جهة أخرى، تتمثل إحدى نقاط ضعف دولة الإمارات العربية المتحدة، في افتقارها إلى العمق الاستراتيجي وکونها محاطةً من الناحية الجيوسياسية. لذلك، ومن هذا المنطلق وبهدف الهيمنة على النقاط الاستراتيجية في المنطقة، بذلت الإمارات جهودًا كبيرةً للسيطرة على المناطق الجنوبية لليمن وجزر هذا البلد المطلة على "خليج عدن" و"مضيق باب المندب".
ولكن على الرغم من النفوذ السياسي والاستخباراتي العسكري لدولة الإمارات في هذه المناطق، فلا يبدو أن هذه الدولة قادرة على التواجد الفعال في هذه المنطقة لوحدها، لا سيما وأن السعودية وبعض الدول الأخرى في المنطقة لا توافق علی الوجود الاستراتيجي لأبوظبي في هذه المنطقة الاستراتيجية.
وعليه، تعتزم الإمارات إيجاد شريك من شأنه تمكين الهيمنة العسكرية والأمنية لأبوظبي في هذه المناطق، ويعتبر الکيان الصهيوني من أفضل الخيارات المتاحة لدولة الإمارات، لأن هذا الکيان أيضًا يسعى إلى الهيمنة على النقاط الإستراتيجية للمنطقة، بسبب کونه مطوَّقاً في منطقة عربية وإسلامية وعمق استراتيجي هزيل، کما لا يوجد من ناحية أخرى تضارب في المصالح بين الطرفين في هذا المجال.
لا تقتصر جهود أبو ظبي لإقامة شراكة أمنية وحتى عسكرية مع تل أبيب على هذه الأسباب، بحيث بعد إسقاط الطائرة الأمريكية المسيرة في سماء الخليج الفارسي من قبل جمهورية إيران الإسلامية، ومن ثم الرد الأمريكي السلبي؛ أيقنت هذه الدول أنه إذا لزم الأمر لن تحاول الولايات المتحدة تأمين الإمارات من خلال التدخل العسكري، وبالتالي سيتعين على الإمارات أن تسعى إلى تحالف مع جهة فاعلة أخرى لضمان أمنها.
وقد أدى ذلك بأبو ظبي إلى تطبيع العلاقات وزيادة التفاعلات العسكرية والأمنية مع الکيان الصهيوني أكثر من أي وقت مضى، بعد أن قدَّرت أبو ظبي أنه بسبب تركيز واشنطن على شرق آسيا وعزم الولايات المتحدة على الانسحاب من المنطقة، عليها أن تسعى إلى زيادة مستوى تفاعلاتها الأمنية مع تل أبيب في أسرع وقت ممكن.
وبالإضافة إلى ذلك، تدرك أبو ظبي أن واشنطن تسعى إلى إقامة ترتيبات أمنية جديدة في المنطقة قبل الانسحاب الكامل منها، ومن أهم أجزاء هذا الترتيب الأمني الجديد مسألة العلاقات الصهيونية العربية، وهذا ما دفع أبو ظبي إلى لعب دور قيادي بين الدول العربية من خلال التحرك نحو تطبيع علاقاتها مع الاحتلال الإسرائيلي، لتصبح الشريك السياسي والأمني العربي الأول للکيان الصهيوني.
وتنبع هذه القضية من حقيقة أنه على الرغم من وجود سلام بين مصر والأردن مع الكيان الصهيوني، فإن هذا السلام بين هاتين الدولتين العربيتين والكيان هو سلام بارد عملياً، وقد ترك هذا الأمر المجال مفتوحاً للإمارات للتحرك نحو تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني في ظل تحليلها للتطورات الإقليمية المستقبلية، لتحرز قصب السبق بين الدول العربية في تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وبذلك تضع موقعها في مكانة خاصة في مستقبل النظام الأمني الإقليمي الذي تريده الولايات المتحدة.
في الواقع، إن افتراض الاتجاه المتنامي لتطبيع علاقات الکيان الصهيوني مع الدول العربية في المستقبل، دفع حكام الإمارات إلى أخذ زمام المبادرة في هذه العملية لحجز موقع جديد للإمارات في الترتيبات الأمنية الإقليمية المستقبلية، وتقريب هذا البلد إلی مستوى قيادة الدول العربية، ويمكن استنتاج ذلك من تصريحات "عبد الخالق عبد الله" المقرب من ولي عهد أبوظبي، الذي قال إن "الدول العربية ستطبع علاقاتها مع الکيان الصهيوني على الفور أو في المستقبل".
وفي الوقت نفسه، يرتبط جزء آخر من الأهداف السياسية والأمنية لدولة الإمارات، بإمكانية التعاون المشترك مع الکيان الصهيوني في مواجهة ما يعتبره الطرفان تهديدًا مشتركًا.
الإمارات العربية المتحدة، التي أظهرت منذ 2011 أنها لا تتحمل الإسلام السياسي، ولا سيما الأنشطة السياسية للجماعات القريبة من الإخوان المسلمين في المنطقة، ولديها رؤی وسياسات مختلفة عن محور المقاومة أيضًا، لها مصالح وتهديدات مشتركة مع الکيان الصهيوني في هذا المجال، وبالتالي تسعى الإمارات إلى أن تكون قادرةً على الوقوف بشكل فعال ضد ما تعتبره تهديدًا لنفسها، وذلك من خلال الاقتراب من الکيان الصهيوني.
من ناحية أخرى، تراهن الإمارات علی اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة بشکل خاص، وتنوي استخدام قوة هذا اللوبي مقابل تنازلات للکيان الصهيوني، لإشراك الولايات المتحدة في بعض الملفات الإقليمية التي تنخرط فيها وتسعى إلى تحقيق أهداف محددة، وبهذه الطريقة ستحسّن مكانتها الإقليمية، وخاصةً بين الدول العربية، وتصبح لاعباً أكثر فاعليةً في المنطقة.
الأهداف الاقتصادية
بالإضافة إلى الأهداف السياسية-الأمنية التي دفعت أبو ظبي إلى تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني، هناك أيضًا أهداف اقتصادية جعلت الإمارات أكثر استعدادًا للاقتراب من تل أبيب.
بشكل عام، يمكن النظر إلى الأهداف الاقتصادية لدولة الإمارات من تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني في ثلاثة محاور:
1. حاجة الإمارات إلى تكنولوجيا الصهاينة في بعض المجالات؛ في هذا المحور، تعتزم الإمارات استخدام تكنولوجيا الکيان الصهيوني في مختلف المجالات، بما في ذلك القضايا المتعلقة بالمياه والعلوم الحديثة، وحتى بعض المجالات التي يمكن أن يكون لها استخدام اقتصادي عسكري مزدوج.
2. جهود الإمارات لجذب رؤوس الأموال الطائلة التي يملکها أغنياء الصهاينة؛ بالنظر إلى أن الصهاينة يقومون بنشاطات اقتصادية واسعة في مختلف المجالات ولديهم رؤوس أموال ضخمة أيضًا، تعتزم الإمارات فتح الباب أمام الأفراد والشركات الصهيونية الكبيرة للاستثمار في هذا البلد، ومن ناحية أخرى تحاول الإمارات العربية المتحدة أن تصبح بوابةً للکيان الصهيوني للوصول إلى أسواق الدول الخليجية، وفي غضون ذلك بالإضافة إلى جني الأرباح الناتجة من حق عبور بضائع الکيان الصهيوني إلى الأسواق المستهدفة، ستحقق أرباحاً في مجال المنتجات المشتركة مع هذا الکيان أيضاً.
3. تدرك الإمارات جيداً التهديدات التي يشكلها ميناء "تشابهار" و"جوادار" على مستقبل ميناء دبي، وبالتالي تسعى للحفاظ على مكانتها في التجارة البحرية من خلال الوصول إلى الموانئ المحيطية، حتى تتمكن من التعامل مع التهديد الذي سيحدث لميناء دبي. تبعاً لذلك، فإن أبو ظبي في حاجة ماسة إلى الوصول إلى موانئ وجزر جنوب اليمن والتي تتمتع بوضع ملائم، وراهنت بشکل خاص على شراكة الکيان الصهيوني من أجل الحفاظ على وجودها وتثبيته في هذه المناطق.
توقعات الکيان الصهيوني من تطبيع العلاقات مع الإمارات
على الرغم من اتفاق السلام بين الکيان الصهيوني والأردن ومصر، فإن الکيان يعيش في العزلة بسبب تطويقه في منطقة عربية إسلامية، والسلام مع هذه الدول سلام بارد بطبيعته. ووفقاً لذلك، وضع الکيان الصهيوني الخروج من هذه العزلة في قائمة أهدافه، وفي هذا السياق تعتبر تل أبيب تطبيع العلاقات مع الإمارات خطوةً كبيرةً أمامها للخروج من هذه العزلة.
في الواقع، إن تطبيع العلاقات بين الكيان الصهيوني والإمارات يأتي في حين لم يكن هذا الكيان والإمارات في حالة حرب، أي خلافًا لمعاهدات السلام بين الأردن ومصر مع الكيان الصهيوني. ولذلك، بالإضافة إلى إخراج الكيان الصهيوني من العزلة الإقليمية إلى حد ما، يمكن لهذا الأمر إضفاء الشرعية على هذا الكيان وسياساته، وبناءً علی ذلك ترحب تل أبيب بشدة بتطبيع العلاقات مع أبو ظبي.
من ناحية أخرى، حاول الکيان الصهيوني دائمًا سوق الدول العربية نحو التمييز في علاقاتها مع هذا الکيان والقضية الفلسطينية. واليوم أيضاً صرحت أبو ظبي أن علاقاتها مع الكيان الصهيوني لا تعني تجاهل القضية الفلسطينية، وهو ما يمكن تفسيره في هذا السياق.
بالإضافة إلى ذلك، حاول الکيان الصهيوني دائمًا الحفاظ على أمنه من خلال خلق الشرخ بين الدول العربية والإسلامية، والمضي قدماً بأهدافه في القضية الفلسطينية.
ولهذه الغاية يرحب الکيان بشدة بإقامة العلاقات مع الدول العربية، حتی يؤدي ذلك إلى نشوب خلافات بين هذه الدول، وبالتالي تتراجع قدرة هذه الدول على التأثير في القضية الفلسطينية بشدة، ومن ناحية أخرى لا يکون هناك تهديد من الدول العربية لهذا الکيان.
وإلى جانب ذلك، لدى الکيان الصهيوني رغبة قوية في التواجد في منطقة الخليج الفارسي، وتطبيع العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة سيسمح له بالقيام بذلك.
في الواقع، لدى الکيان الصهيوني رغبة كبيرة في التواجد في منطقة الخليج الفارسي، لأنه بالإضافة إلى السماح له بالتواجد في إحدى النقاط الاستراتيجية في المنطقة، توفر هذه الفرصة لتل أبيب أيضًا الوصول إلى الحدود الجنوبية للجمهورية الإسلامية الإيرانية باعتبارها النواة المركزية لمحور لمقاومة، وإقامة موازنة التهديد بالنظر إلى الأهمية الحيوية للخليج الفارسي لإيران.
وفي الحقيقة، على الرغم من أن الکيان الصهيوني له وجود أمني وحتى عسكري في بعض الجيران الشماليين لجمهورية إيران الإسلامية، إلا أن أهمية الخليج الفارسي ودوره الحيوي في المجالات الاقتصادية والأمنية لجمهورية إيران الإسلامية، قد خلقا جاذبيةً كبيرةً للکيان الصهيوني فيما يتعلق بوجوده في هذه المنطقة.
دور الولايات المتحدة في إعلان تطبيع العلاقات
العامل الآخر في سياق اتفاقية تطبيع العلاقات بين الکيان الصهيوني والإمارات العربية المتحدة، هو دور الولايات المتحدة وضغطها على الجانبين. حيث تسعى الولايات المتحدة، رغم شعورها بالإحباط الشديد من تنفيذ صفقة القرن بالشكل الذي تريده، إلى إيجاد حلول لتمكين تنفيذ صفقة القرن بطرق أخرى.
وفي هذا الصدد، الولايات المتحدة التي كانت تعتزم حل قضية فلسطين والعلاقات العربية الإسرائيلية من خلال اتفاق شامل وفوري، عندما واجهت عقبات كبيرة في تنفيذ هذه الخطة، قررت الضغط على الدول العربية والکيان الصهيوني لجعل علاقاتهم السرية علنيةً، وهكذا يبدأ دومينو من هذه الإجراءات، لجعل تنفيذ ما يسمى بخطة صفقة القرن ممكنًا بطريقة أخرى.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية وافتقار ترامب إلی أي إنجاز كبير في السياسة الخارجية، دفعا الرئيس الأمريكي إلى الضغط على الطرفين للإعلان عن تطبيع العلاقات بينهما في أقرب وقت ممكن. وقد أدى ذلك، إلى جانب الضغوط التي يشعر بها نتنياهو في الأراضي المحتلة، إلى اتخاذ أبوظبي وتل أبيب قراراً بتطبيع العلاقات.
تداعيات وآثار تطبيع العلاقات بين الکيان الصهيوني والإمارات
التأثير علی القضية الفلسطينية والعلاقات العربية الصهيونية
رغم إصرار الإمارات على أن تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني لا يعني نسيان القضية الفلسطينية، وزعمها أنها تمكنت من وقف خطة الضم، ولكن لاشك أنه يمكن اعتبار هذا الموقف الإماراتي موقفاً دعائياً، والحقيقة هي أن هذا القرار عملياً ليس سوى خيانة للقضية الفلسطينية.
وبعبارة أخری، علی الرغم من أن الإمارات تؤكد أنه من الممكن التمييز بين العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، ولكن يمكن اعتبار ذلك مجرد موقف دعائي ومخالف للنوايا الحقيقية لدولة الإمارات، ويمكن القول إن تطبيع العلاقات بين الإمارات والکيان الصهيوني ينطوي علی نسيان قضية فلسطين وخيانتها.
وفي الواقع، في وقت تمر فيه قضية فلسطين بمراحلها الصعبة والحاسمة، وهنالك مؤامرات مثل صفقة القرن والخطط التوسعية مثل خطة الضم تهدد القضية الفلسطينية، وتجعل الوحدة بين الدول الإسلامية والفصائل الفلسطينية لصد هذه المؤامرات ضروريةً أكثر من أي وقت مضى، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة، وبتطبيع علاقاتها مع الکيان الصهيوني، لا تتخذ فقط أي خطوات لاستيفاء حقوق الشعب الفلسطيني، بل إنها ترتكب خيانةً كبرى بحق القدس والقضية الفلسطينية.
ومن ناحية أخرى، سيؤدي هذا التطبيع إلى خلافات بين الدول العربية، وسيخلق مرحلةً جديدةً في العلاقات بين العرب والکيان الصهيوني. کما أن تحرك الإمارات لتطبيع علاقاتها مع الکيان الصهيوني، سيؤدي بلا شك إلى انقسامات بين الدول العربية.
وبالتالي، يبدو أن بعض الدول التي لديها بالفعل علاقات رسمية مع الكيان الصهيوني، أو تنوي الكشف عن علاقاتها السرية في المستقبل والتوجه نحو تطبيع العلاقات، ستدعم هذا الإجراء الإماراتي؛ وفي الوقت نفسه، ستتخذ بعض الدول الأخرى في الجامعة العربية موقفًا سلبيًا وصامتًا من هذه القضية بسبب بعض الاعتبارات، وهذا الأمر إلى جانب المواقف المنتقدة التي اتخذتها مجموعة أخرى من أعضاء الجامعة العربية تجاه الإمارات، سيخلق شرخاً ونوعاً من الانقسام بين الدول العربية.
وهذا الأمر يقلل من قدرة الدول العربية على التأثير الفعال في القضية الفلسطينية ودعم تطلعات الشعب الفلسطيني، وبعد ذلك سنشهد زيادةً في الخلافات بين الدول العربية حول هذه القضية، ويبدو أن تطبيع العلاقات الإماراتية مع الكيان الصهيوني سيحول القضية الفلسطينية إلى أداة بيد بعض الدول الإسلامية للضغط على الدول العربية والإسلامية الأخرى، علی الرغم من أن دعم القضية الفلسطينية يقع فقط في هامش المواقف المعلنة للدول التي تستخدم أداة الضغط هذه.
وأخيرًا، يبدو أننا من الآن فصاعدًا سنشهد فتح جبهة جديدة في المنطقة، والدول التي لديها علاقات مکشوفة وسرية مع الكيان الصهيوني، تحاول ممارسة أقصى قدر من الضغط على البلدان المعارضة لهذه العلاقات، من خلال الاستفادة القصوى من العصابة التجارية-الأمنية التي أنشأتها، حتى تستسلم هذه الدول أخيرًا لمطالب هذه العصابة وتلحق برکبها مقابل حل مشاكلها.
وبعبارة أدقّ، إن مثل هذه الظروف کانت موجودةً بالفعل في المنطقة، ولكن التطورات في المنطقة ستجعل هذه الظروف أكثر وضوحًا.
التأثير على مصالح إيران وبيئتها الأمنية
من المحتمل أن يكون لتطبيع العلاقات الإماراتية الصهيونية تأثير على المصالح والأمن القومي لجمهورية إيران الإسلامية.
في غضون ذلك، المهم هو فصل الأهداف التي يسعى الكيان الصهيوني إلى تحقيقها، ونوع العمل والاستراتيجية التي ستتبناها الإمارات في استمرار تطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني. وهذا هو السياق الذي سيتم فيه تحقيق أو عدم تحقيق الأهداف التي يسعى إليها الکيان الصهيوني عبر التواجد في منطقة الخليج الفارسي.
بالنظر إلى الأهمية الحيوية للخليج الفارسي وبالتالي أمنه لجمهورية إيران الإسلامية، يعتزم الکيان الصهيوني وضع نفسه في الترتيبات الأمنية لهذه المنطقة على المدى الطويل، ومع الأخذ في الاعتبار الانسحاب التدريجي للولايات المتحدة من هذه المنطقة، اقتراح نفسه بديلاً للولايات المتحدة لضمان أمن الدول الخليجية.
وهذا الأمر الذي يهدف إلى التأثير علی الأمن القومي لجمهورية إيران الإسلامية وزيادة العلاقات الأمنية العسكرية مع الدول الخليجية، لجعل هذه الدول تابعةً، يعتبر هدفًا نهائيًا يخطَّط لتحقيقه على المدى الطويل، وتحقيق هذا الهدف يتطلب تکوين مجالات أخرى.
وفي هذا السياق، سيحاول الکيان الصهيوني زيادة وجوده العسكري والاستخباراتي في الإمارات بشكل تدريجي، وهذا يتطلب زيادةً في مستوى العلاقات الأمنية بين أبو ظبي وتل أبيب، والتي استمرت منذ سنوات، وإلى جانب ذلك ربما يسعى الکيان الصهيوني إلى إقامة قواعد عسكرية في الإمارات.
وفي الواقع، سيحاول الکيان الصهيوني زيادة تواجده العسكري والأمني تدريجياً في الإمارات على أمل تطبيع علاقاته مع الدول العربية الأخرى في منطقة الخليج الفارسي، وسيستخدم ذلك كخطوة أولى في تحقيق هدفه النهائي، وهو التواجد الرسمي في الترتيبات الأمنية للخليج الفارسي.
ومع ذلك، سيكون تحقيق أهداف الكيان الصهيوني تابعاً لاستراتيجية الإمارات تجاه نوع علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الصهيوني، بعد إعلان تطبيع علاقاتها مع هذا الكيان.
بمعنى آخر، ستكون الإمارات هي التي تقرر ما إذا كانت مستعدةً لتجاهل الخطوط الحمراء لطهران والسماح للکيان الصهيوني بإنشاء قاعدة عسكرية على أراضيها، على حساب خلق توترات في علاقاتها مع جمهورية إيران الإسلامية.
تدرك الإمارات جيدًا الخطوط الحمراء لجمهورية إيران الإسلامية ونقاط ضعفها هي، ويبدو أنها ستتخذ قرارات مهمة بعد محاسبة التكاليف والفوائد. کما تعرف أبو ظبي بحق أن إصدار تصريح للوجود العسكري الإسرائيلي في الإمارات، يمكن أن يشكل تهديدًا خطيرًا لأمن هذه الدولة، وبدلاً من أن يحسِّن الوجود العسكري لتل أبيب أمن الإمارات، فإنه سيشكل تهديدات حيوية لها.
لذلك، فإن نوع الاستراتيجية التي تتبناها الإمارات في تعاملها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية والکيان الصهيوني عامل مهم في هذا الصدد، ويبدو أن أبو ظبي ستراعي الخطوط الحمراء التي رسمتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في المدى القصير على الأقل، وتعطي ضمانات لطهران من وراء الكواليس. علی الرغم من أن هذا الضمان لن ينفي حقيقة أن الإمارات، بالإضافة إلى زيادة علاقاتها الاقتصادية والاستخبارية مع تل أبيب، ستتابع سرًا خططها للتواجد العسكري للکيان الصهيوني في الخليج الفارسي، وتتخذ خطوات نحو تحقيق أهدافها طويلة المدى.
ومع ذلك، في حسابات الحكام الإماراتيين، فإن الحفاظ على الأمن الهش لهذا البلد والاهتمام بنقاط ضعفها سيعتبر بلا شك عاملاً هامًا وأساسيًا، ويبدو أن الإمارات ورغم أهدافها الطموحة، لا تنوي التضحية بعلاقاتها مع طهران وأمنها القومي لصالح أهداف الصهاينة، وتعلم هذه المشيخة جيدًا أن الخاسر الأكبر في أي نوع من الصراع والتوتر العسكري في هذه المنطقة سيكون أبو ظبي.
ولذلك، يظهر أن الإمارات في مجال العلاقات العسكرية مع الكيان الصهيوني، ستقوم بمشتريات عسكرية من هذا الکيان وتوسيع التعاون الأمني والاستخباراتي على المدى المتوسط على الأقل، وستأخذ في الاعتبار الخطوط الحمراء للجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي تم إخطارها علنًا إلى المسؤولين الإماراتيين.
ومع ذلك، فإن نوع التعاون الأمني بين الإمارات العربية المتحدة والکيان الصهيوني، سيشكل أيضًا تهديدات للأمن القومي لجمهورية إيران الإسلامية، وبالنظر إلى الطبيعة السرية لهذا النوع من النشاط، يبدو أن تل أبيب وأبو ظبي تميلان أكثر إلى توسيع علاقتهما في هذا المجال مع فهم الظروف السائدة في هذه المنطقة، وبالتالي فإن التعاون الاستخباراتي القائم مسبقًا بين أبو ظبي وتل أبيب سيتوسع، ويعتبر هذا أخطر تهديد للجمهورية الإسلامية الإيرانية على المدى القصير، مما سيؤدي إلى توسيع المعركة الاستخباراتية للکيان الصهيوني مع جمهورية إيران الإسلامية.
وفي هذه الظروف، وبالنظر إلی أن الكيان الصهيوني قد خسر أمام إيران في جميع المعارك الأمنية، قد يعني ذلك بالنسبة للإمارات أنه إذا أصبحت هذه الدولة قاعدةً دائمةً لضباط الموساد، فإن العواقب الأمنية المترتبة علی ذلك ستتحملها الإمارات أيضاً، وفي حال ردت جمهورية إيران الإسلامية على منشأ بعض الأنشطة المناهضة للأمن(على سبيل المثال في المجال السيبراني كجزء من المعارك الأمنية الحالية بين جمهورية إيران الإسلامية والکيان الصهيوني)، فستكون الإمارات العربية المتحدة هي التي ستتضرر في نهاية المطاف.