الوقت- مؤشر الديمقراطية في بريطانيا يحومه الخطر، هذه هي خلاصة المتتبع للشأن البريطاني. ليس الحديث عن السياسة الخارجية البريطانية وطريقة تعاطيها مع الملفات. فصحيح أن بريطانيا كانت صاحبة المشروع والصانع الأول للكيان الاسرائيلي والداعم الرئيسي له ووقوفها وراء كل الإنتهاكات الإسرائيلية في المنطقة، وصحيح أنها كانت الحليف القوي لأمريكا في دخوله العراق ونشر الفوضى فيه، غير دعمها للحركة التكفيرية وصناعة مشايخها ودعم فضائيات في هذا المجال، إلا أنّ الحديث يطال أيضاً مؤشر الديمقراطية داخلها، هذه المؤشرات هي التي يمكن ملاحظتها من خلال الفاصلة والهوة بين المطالب الشعبية من جهة والسياسة الحكومية من جهة أخرى، إلى الصراعات التي تشهدها الأحزاب البريطانية بسبب مطالب تغيرية من قبل بعضها ليأتي النظام الملكي والصلاحيات التي تتمتع بها كحد فاصل ورئيسي.
كوربن خطوة نحو الأمام تواجهها العوائق
جيريمي كوربن زعيماً جديداً لحزب العمال البريطاني يُعتَبَر بمفهوم السياسة البريطانية المسيطرة على أنه تهديد للأمن القومي، فكثير من رجالات السياسة البريطانية اعتبروا فوزه دقاً لناقوس الخطر، وبغض النظر عن موقع الرجل إلا أن ما يهم هو الأسباب التي تقف خلف موجة التصريحات هذه، فما هي خلفية الضجة حول الزعيم الجديد لحزب العمال؟ وما هي دلالات ذلك؟
في واقع الأمر إن الإتهامات الموجّهة إلى كوربن هي اتهامات علنية غير مستبطنة لأمر يخالف الواقع، فكوربن يُتّهم بأنه مناهض للسياسة الاسرائيلية التي تنتهك حقوق الشعب الفلسطيني وترتكب المجازر وأعمال القتل فضلاً عن احتلال أرضه، وهو في سبيل مواجهة هذه السياسات تتجه تصريحاته إلى ضرورة احداث تغيير في علاقات بلاده مع الكيان تكون مبنية على وضع حد لجرائم الكيان وانتهاكاته خاصة في عدوان غزة الأخير، وإعادة هيكلة علاقات بيع وشراء الأسلحة مع الكيان، وهو يُصنّف على أنه صديق لحركات التحرر والنضال بوجه آلة المستعمر الغربي، ودعمه لمنهجية المقاومة اللبنانية والفلسطينية وتعاطفه معهم، وهو من حملة الشعارات الداعية إلى ضرورة الحوار والسلام في اي صراع يشهده العالم، کما مواقفه الرافضة لدعم جماعات التكفير ورؤيته لما يسمى بالتحالف الدولي في وجه جماعات التخريب والتدمير على أنها في نفس سياق دعم هذه الجماعات ليس إلا، وسياسته المعتمدة على ضرورة دعم اللاجئين وحمايتهم باعتبارهم بشراً شردتهم سياسات الفكر الإستعماري، إلى موقفه الرافض لسياسة كاميرون والتي بُنيت على سياسة تقشفية أضرت بالتركيبة الإجتماعية للشعب البريطاني خاصة الطبقة الشبابية الباحثة عن وظيفة، كل هذا هو ما يفسر موجة التهجّم على كوربن من جهة ويوضح السبب الذي جعل كوربن يأخذ صدارة اهتمام البريطانيين ودعمهم له في الإنتخابات من جهة أخرى.
الفاصل بين المطالب الشعبية والتوجهات السياسية
بناءً على القانون البريطاني فإنه في حال مطالبة اكثر من مئة ألف شخص من المواطنين البريطانيين لمطلب أو اقتراح أو اعتراض وما شابهه على الصفحة الرسمية للبرلمان، فإن على أعضاء البرلمان طرح وتداول القضية والمطلب في جلسة البرلمان، ففي خصوص زيارة نتنياهو لبريطانيا منذ شهرين تقريباً، ظهرت اعتراضات غالبية الشعب البريطاني لهذه الزيارة عبّروا عنها من خلال الإحتجاجات إن كان على الصفحة الرسمية أو من خلال الشارع، في مقابل هذه الإحتجاجات وبدلاً من طرح ذلك وفق القانون البريطاني والإستجابة للمطالب الشعبية فإن المتظاهرين وجهوا بخراطيم المياه الساخنة وصد عناصر الشرطة لهم، فهل أن المطالب الشعبية أقل أهمية من منافع الكيان والمصالح معه؟ وأين موقع الديمقراطية والمطالب الشعبية ومكانتهما في القانون البريطاني؟ وأين الديمقراطية في بريطانيا في ظل وجود صلاحيات ليست بالقليلة للملكة البريطانية التي لا تأتي ضمن الإنتخاب الشعبي الديمقراطي بل تنتقل هذه السلطة وراثياً؟ هذا إلى الفاصل الكبير بين الحالة الشعبية في اسكتلندا والطبقة السياسية والتي وصلت إلى حد المطالب الشعبية بالإنفصال، وصحيح أن الإستفتاء الشعبي جاء بنتيجة ترجيح كفّة عدم الإنفصال إلاّ أن نسبة 45% ممن أيدوا الإنفصال تكشف عن المشاكل التي تعاني منها الطبقة الشعبية هناك نتيجة السياسات الخاطئة للطبقة السياسية، هذا وتشير نتائج الإستطلاع إلى أنه وبعد ستة أسابيع من نتائج الإستفتاء الشعبي فإن نسبة المؤيدين للإنفصال قد ارتفعت. كل هذه المؤشرات تشير إلى الفاصل بين الطبقة الشعبية والطبقة السياسية آخرها ما أظهرته نتائج الإنتخابات والتي جاءت بـ"كوربن" كمرشح شعبي مرغوب به في مقابل مخاوف الطبقة السياسية وهي بالتالي دلالة على إنخفاض مؤشرات الديمقراطية فيها.