الوقت- يوم أمس لم يكن يوماً إيجابياً على الدبلوماسية اللبنانية بعد استقالة وزير الخارجية اللبناني ناصيف حتّي بشكلٍ مفاجىء ودون أي سابق انذار سوى اعتراض هنا وهناك فسره البعض بأنه ضغط خارجي على حتّي لتقديم استقالته، وفي الحقيقة هناك شكوك كثيرة حول الاستقالة وموعدها واسبابها ولصالح من، هل هي لصالح لبنان واللبنانيين؟، وفي بيان استقالته يقول حتّي ان سبب استقالته يعود الى غياب الرؤية الوطنية، السؤال لماذا لم يساهم حتّي في تقديم رؤية وطنية لانقاذ بلاده من الانزلاق الى دولة فاشلة كما اعلن؟.
لبنان بأسره يتعرض لضغوط كبيرة من الداخل والخارج، والواضح جداً أن الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبعض الدول الخليجية لا تريد لهذه الحكومة البقاء لأنها تمثل صمام أمان في وجه اتجاه لبنان الى الانهيار المطلق، وهذا ما تريده واشنطن خدمة لتل ابيب، ولكن المقاومة والقوى الوطنية تمنع هذا الانهيار بأي طريقة وهذا ما دفع كل من رئيس الوزراء حسان دياب ورئيس الجمهورية ميشال عون الى سد فراغ الوزير حتي وتعيين شربل وهبي خلفاً له، خوفاً من استغلال القوى الخارجية هذا الفراغ واحداث شرخ داخل الحكومة تمهيدا لاسقاطها.
الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والقوى الغربية تملك اهداف واضحة تجاه لبنان، فهي تريد تحويل لبنان الى دولة فاشلة تابعة مسلوبة الاستقلالية والسيادة، والأهم من هذا كله محاصرة "حزب الله" اللبناني من الداخل وتوريطه في أزماته الداخلية ليسهل استهدافه من الخارج تمهيداً للمطالبة بتفكيك منظومته الصاروخية والتخلي عن اسلحته، ولكن التفاف غالبية اللبنانيين حتى اللحظة حول الحزب يحول دون حصول ذلك.
الغضب الفرنسي كان واضحاً بعد الصدمة التي تعرض لها وزير الخارجية الفرنسي من رئيس الحكومة اللبناني حسان دياب، وما زالت الصدمة أكبر من أن تمتصها باريس؛ فالكلام القاسي الموجّه الى وزير خارجيتها غير معهود من ذي قبل. غضب ترجم يوم أول من أمس بضغوط على وزير الخارجية المستقيل ناصيف حتي لتقديم استقالته التي لاقت ترحيباً وتهليلاً من قوى 14 آذار. أما السبب غير المعلن في بيان حتّي الذي لم يحمل أي إيضاحات حول أسباب هذه الاستقالة، فهو الاعتراض على سياسة الحكومة، وتحديداً رئيسها، تجاه "المجتمع الدولي" والولايات المتحدة الأميركية. وفي حين نفى الأمين العام لوزارة الخارجية السفير هاني الشميطلي أن تكون وزارة الخارجية قد تسلمت أي كتاب يعرب فيه وزير خارجية فرنسا جان إيف لو دريان عن استيائه من كلام رئيس الحكومة، أشار في المقابل الى أنه لحظ زيارة فريق ديبلوماسي لدياب و"من الممكن أن يكون قد نقل اليه رسالة ما".
من جهتها، تُعدّ السلطة السياسية هي الأخرى بدلاء محتملين في حالة استقالة بعض الوزراء، بعد أن ورد الى مسمع القوى السياسية الأساسية في الحكومة أن الفرنسيين والأميركيين يمعنون في الضغط على بعض الوزراء لدفعهم الى الاستقالة، وعلى رأسهم وزيرة الإعلام منال عبد الصمد المقرّبة من الحزب الاشتراكي. أما الهدف الرئيسي، فهو الوصول الى ثلث الوزراء لفرط الحكومة وإقالتها. في موازاة ذلك، ثمة شبه اتفاق ما بين دياب ورئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وكل من حزب الله وحركة أمل على ضرورة إعداد لائحة بأسماء بعض الأشخاص المؤهلين لتولّي بعض الوزارات في حالة استقالة أو إقالة البعض. ويبدو باسيل الأكثر حماسة لإجراء تعديل حكومي، ولا سيما مع ورود معلومات عن إمكان تقديم وزير الاقتصاد راوول نعمة استقالته. وما مسارعة كل من عون ودياب الى تعيين شربل وهبي وزيراً للخارجية، أمس، كبديل من حتّي بعد ساعات قليلة على تقديم استقالته رسمياً، سوى في إطار قطع الطريق على أي مسعى لاستغلال ما حصل في الشارع أو استثماره من الخصوم السياسيين.
صحيفة "الأخبار" اللبنانية وتعليقا على استقالة "حتي" قالت أن الوزير حتّي لم يُسجّل له تقديم أي مشروع ذي قيمة إلى مجلس الوزراء، ولا أنه سعى إلى تشغيل "ماكينة" وزارة الخارجية، سواء المديريات في بيروت أم البعثات في الخارج، لتأمين حضور ما للبنان. منذ تعيينه وزيراً، حتى لحظة استقالته، بقي عاجزاً عن تقديم مشروع للتشكيلات الدبلوماسية، فضلاً عن استقالته من أداء أي دور في ملف النازحين السوريين، أو العلاقات مع دول لا تشارك في مقاطعة لبنان. وعلى سبيل المثال، وبدلاً من المشاركة في المنتدى العربي - الصيني، سافر إلى إيطاليا. وفي بيان استقالته، سيكون صعباً على وزير الخارجية أن يذكر اقتراحاً واحداً يُعتدّ به أرسله إلى رئاسة مجلس الوزراء، وجرى تعطيله. جلّ ما سيُذكر من "مسيرته" هو ما ارتكبه بعد قرار القاضي محمد مازح، والبيانات التي يصدرها استنكاراً لكل صاروخ يمني يسقط في الأراضي السعودية، في مقابل تجاهله التام للعدوان الهمجي على اليمن.
وحول اسباب الاستقال أكدت مصادر مطلعة أن حتي أسرّ إلى إحدى زميلاته في مجلس الوزراء أنه غير راض عن أداء الحكومة التي لم تحقق أي إنجاز منذ تأليفها، وعبّر عن انزعاجه من تغريدة رئيس الحكومة حسان دياب بشأن زيارة وزير الخارجية الفرنسي الى لبنان، والتي قال فيها إن لدى الوزير الفرنسي "نقصاً في المعلومات لناحية مسيرة الإصلاحات الحكومية في لبنان". وأكدت المصادر أن حتّي نفى للوزيرة وجود أي خلاف مع الوزير السابق جبران باسيل حول تعيينات دبلوماسية، مشيراً إلى أن موضوع التعيينات لم يُطرح للبحث.
مصادر أخرى أكدت أن السبب وراء استقالة حتّي انزعاج من تنامي الدور المعطى دبلوماسياً للواء عباس إبراهيم في التواصل مع بعض الدول على حساب وزارة الخارجية، وخلاف مع طريقة تعاطي رئيس الحكومة في السياسة الخارجية، "الأمر الذي بات يستنزف رصيدي المهني والدبلوماسي"، بحسب ما قال حتّي أخيراً في مقابلة مع برنامج "صار الوقت". ولمّحت المصادر الى أن وزير الخارجية "ربما تلقّى إشارة غربية تشجعه على الاستقالة والقفز من المركب قبل أن يغرق، مع وعد بجائزة ترضية مستقبلاً".
في الختام؛ الجميع يخشى اليوم أن تبدا سلسلة الاستقالات داخل الحكومة اللبنانية وتعمل بعض الاطراف الداخلية بدعم خارجي على افشال عمل الحكومة وابعادها عم حاضنتها الشعبية، تمهيدا للانزلاق نحو الفوضى المطلقة وذهاب لبنان نحو المجهول، ولكن وفي ظل هذه العتمة التي يرید الغرب اسدالها على لبنان تقف القوى الوطنية والاحزاب المقاومة في وجه هذه الفتنة التي من شأنها ان تنزع السيادة اللبنانية وتجرها نحو المجهول، ومع ذلك يبقى مصير لبنان غير واضح المعالم في ظل كل هذه التدخلات الخارجية وتدخل السفيرة لاامريكية دوروثي شيا ليس آخرها.