الوقت- حط رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الإثنين في العاصمة الروسية موسكو، في أول زيارة علنية له، بعد الزيارة السرية السابقة إلى موسكو، في سبتمبر الماضي. تأتي الزيارة في إطار القلق المتنامي الذي يعيشه الكيان الإسرائيلي إزاء تغير قواعد اللعبة في سوريا والمنطقة بعد التدخل الروسي المباشر.
لا بد من التوقف ملياً عند لقاء نتنياهو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بصحبة رئيس الأركان غادي ايزنكوت ورئيس شعبة الإستخبارات العسكرية هرتسي هيلفي وبعض المستشارين الأمنيين ووزير الاستيعاب الإسرائيلي،"زئيف ألكين" الذى يتولى مهمة الترجمة الروسية والعبرية للزعيمين، باعتباره روسي الأصل، فما هي أهداف رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي من زيارة موسكو؟
زيارة نتنياهو التي تمثل لدغة إلى واشنطن، كما أوضحت صحيفة هآرتس، تأتي بعد سنوات من المقاطعة العلنية بين الكيان الإسرائيلي وروسيا، بسبب توتر العلاقات بين موسكو وواشنطن بشأن التدخل الروسي في الأزمة الأوكرانية والأزمة السورية، "نتنياهو" حاول النأي بنفسه عن زيارة روسيا خشية الإمتعاض الامريكي، وتفسيرها كرسالة دعم لبوتين في مواجهة أوباما، إلا أن المتغيرات الأخيرة سواء في سوريا أو العراق أو حتى إيران من ناحية وتراجع مكانة الكيان الإسرائيلي على الساحة الدولية من ناحية آخرى، أجبرت نتنياهو على إتمام الزيارة ضارباً عرض الحائط الإمتعاض الامريكي والطريقة التي سيستقبل فيها رئيس الوزراء في واشنطن خلال أي زيارة مقبلة.
الرئيس الروسي أوضح خلال اجتماعه مع نتنياهو أن تحركات روسيا في الشرق الأوسط ستتسم دائما "بالمسؤولية " ، وهي المسؤولية التي تعيد إلى الأذهان دعم الإتحاد السوفياتي للرئيس المصري جمال عبد الناصر بعد هزيمة عام 1967، عبر تعزيز قدراته العسكرية وتحديث اسلحة جيشه، مما ادى الى عدم تفكك الجيش المصري وسقوط الرئيس عبد الناصر، لا بل يمكننا القول أن الدعم الروسي مهّد لانتصار حرب اكتوبر عام 1973.
اليوم نحن أمام مشهد متجدد مع فارق صمود الجيش السوري لأكثر من أربع سنوات، ويأتي التدخل الروسي المباشر للحيلولة دون سقوط الرئيس بشار الاسد ونظامه مهما كلفها الامر، والعودة إلى المنطقة تحت ذريعة مواجهة "تنظيم داعش الإرهابي"، الذريعة الأمريكية نفسها، حيث تعتبر موسكو أن هذه الجماعات تشكل خطراً داهما على العمق الروسي، بإعتبارها تضم الألاف من المقاتلين التي تربت على العداء للدب الروسي في الدول المجاورة.
لا ريب في أن رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي حمل ما يصح تسميتها بـ"تمنيات" للرئيس الروسي خلال الزيارة لتحقيق الأهداف التالية:
أولاً: يتطلع الكيان الإسرائيلي إلى محاولة التنسيق مع الجانب الروسي لمنع أي مواجهة بين القوات الإسرائيلية، والقوات الروسية . هنا لا بد من الإشارة إلى أن لهجة نتنياهو قد تغيّرت أثناء الزيارة، ووصلت إلى حد التمنيات بعد ان طالبت تل أبيب في وقت سابق بتحديد قواعد الإشتباك بين روسيا والكيان الإسرائيلي في الأجواء السورية، وتقسيمها زمانياً ومكانياً خشية التصادم .
ثانياً: لا يريد نتنياهو لهذا التدخل أن يفرض قيودا على حركة الطيران الاسرائيلي في الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، وفوق الأراضي السورية، بإعتبار أن نصب أي أنظمة صواريخ متطورة تفرض قيوداً جمّة على طائرات الجيش الإسرائيلي. يدرك رئيس الوزراء الإسرائيلي أن القاعدة الروسية الجوية في محافظة اللاذقية ستمنع أي تأثير إسرائيلي على مجريات الأزمة السورية، كما حصل سابقاً.
ثالثاً: وضع نتنياهو زيارته في سياق الحؤول دون الحصول أي سوء تفاهم بين الجانبين، إلا انه وبحسب مراقبين فإن نتنياهو سيحاول إقناع روسيا بدعم التحرك الدولي الساعي لفرض عقوبات شديدة على إيران، وكذلك تعطيل تنفيذ صفقة صواريخ "س-300" لإيران . نتنياهو يخشى من تعاظم الدور الإيراني في ظل تنسيق الاخيرة مع موسكو في العديد من الملفات الإقليمية والدولية لمواجهة المحور الغربي الذي يضم تل أبيب.
رابعاً: نتنياهو الذي يعيش "ازمة مزمنة" عنوانها الرئيسي تراجع مكانة اسرائيل واهميتها السياسية والعسكرية في المنطقة، يدرك أن قواعد الإشتباك قد تغيّرت بعد ارسال موسكو ألاف الخبراء العسكريين وجنود الوحدات الخاصة الروسية، وأكثر الطائرات العسكرية تطورا في الترسانة الروسية من طراز “سوخوي 27″، و”سوخوي 30″، ولذلك لا بد من الزيارة.
خامساً: يخشى رئيس الوزراء الإسرائيلي تطور العلاقات العسكرية للجيش الروسي مع نظيره السوري من ناحية، ومع حليف الجيش السوري في المعارك أي حزب الله من ناحية آخرى، حيث لا يستبعد مراقبون ان تستمر عملية ارسال الصواريخ والمعدات الحديثة من سورية الى "حزب الله" بوتيرة أكبر من الاشهر المقبلة.
سادسا: هذه الزيارة الخاطفة تأتي بعد خيبة أمل إسرائيلية من رد الفعل الأمريكي على الخطوة الدراماتيكية لروسيا في سوريا، حيث لم يكن في جعبة واشنطن من أدوات ضغط لمنع تدفق الأسلحة الروسية سوى الطلب من بعض أعضاء حلف الناتو إغلاق مجالها الجوي امام الطائرات الروسية المتجهة إلى سوريا، كما تأتي بعد فقد الكيان الاسرائیلی للأمل في عرقلة الاتفاق النووي الإيراني، لتجد إسرائيل أن الأخطار أصبحت تحدق بها من كل زاوية، لكن هذا لا يمنع أن ديوان نتنياهوأبلغ الإدارة الامريكية بشأن زيارته إلى موسكو، وتحدث نتانياهو الأسبوع الماضى مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيرى حول انتشار القوات الروسية فى سوريا.
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم، هو مدى إستجابة روسيا لمطالب نتنياهو، إلا أن الوقائع والدلائل تشير إلى رفض روسي لأغلب مطالب نتنياهو، نعم قد تغض روسيا الطرف عن دعم نتنياهو "المقوّض" للجماعات المسلحة على الحدود في الجولان المحتل، ولكن بالتأكيد لن تسمح بتهديد دمشق، او حتى بتكرار الغارات الجوية على اهداف داخل سوريا في ظل تواجدها العسكري، لأن ذلك سيمثل خرقاً لكل الخطوط الروسية الحمراء، التي تريد إستعادة هيبتها وحضورها الإقليمي عبر البوابة السورية.