الوقت- إن المساعدة الأمريكية للجيش اللبناني هي من أخطر الحالات التي تسعى واشنطن من خلالها للسيطرة الكاملة على لبنان ، وتعد هذه المساعدة كأداة لتحقيق هيمنتها في هذا البلد وللنفوذ الى داخل المؤسسات العسكرية اللبنانية لتحقيق أهداف مختلفة ، بما في ذلك الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني وتنفيذ مشاريعه الداخلية لخلق حالة من المواجهة بين الجيش والمقاومة.
كما أنّ الأهداف وراء الكواليس للسياسة الأمريكية في لبنان جليّة وواضحة للجميع، خاصة عندما نتوصل الى استنتاج مفاده أن تجهيز أمريكا للجيش اللبناني لا يجعله جيشًا قويًا ضد العدوان والتجاوزات الإسرائيلية.
لقد تجاهلت أمريكا وغضت النظر عن دعم أجزاء مختلفة من لبنان ، مثل القطاعات الاقتصادية والتجارية والخدمية التي لا تزال بحاجة إلى الدعم ، وركزت مساعدتها فقط على الدعم العسكري للجيش اللبناني ، حيث تسعى أمريكا لتحقيق مصالح معينة من خلال هذا العمل.
يفترض الفريق السياسي اللبناني المدعوم من أمريكا أن المساعدة الأمريكية للجيش اللبناني وقوات الأمن ستخلق بنية كاملة ومسلحة تسليحا جيدا للجيش ، مما يعده للمواجهة مع جيوش قوية ، على الأقل في الشرق الأوسط ، وتبديله لرادع محكم في وجه العدوان والتجاوزات الإسرائيلية ، لكن نظرة فاحصة على المساعدة العسكرية الأمريكية للجيش اللبناني تُظهر أن القضية مختلفة تمامًا ، وان دعم واشنطن للجيش اللبناني لن يتعلق بدبابات ابراهامز أو طائرات F-16 و F-18 أو مروحيات الأباتشي وكوبرا أو بصواريخ كروز الذكية توماهوك ، لأنه في هذه الحالة ، سيتم تهديد أمن إسرائيل ، فعندما يتعلق الأمر بمساعدة الحكومة الأمريكية للجيش اللبناني ، فسيكون الحديث دائمًا أسلحة لن تساعد الجيش اللبناني على مواجهة إسرائيل.
المساعدات الأمريكية للبنان من الابتزاز الدعائي إلى الواقع
كتب الدكتور علي مطر، المحلل الاستراتيجي الإقليمي ، في مقال له أن قيمة المساعدات الأمريكية للجيش اللبناني من عام 2006 إلى 2016 قدرت بنحو 2.2 مليار دولار ، والتي شملت المعدات والأسلحة وأدوات الصيانة والمناورات والتدريب العسكري ، وبحسب تقرير مركز دراسات الاتحاد ، فإن المساعدات الأمريكية للجيش اللبناني تضمنت نوعين من المساعدات المقدمة من خلال البرنامج السنوي والمساعدات المقدمة في ظل ظروف زمنية مختلفة.
وتضيف هذه الدراسة بأن الجيش لا يتلقى تقريباً أي مساعدة مالية أمريكية مباشرة ، بخلاف مبلغ سنوي يتراوح بين 70 مليون دولار و 150 مليون دولار تخصصه أمريكا سنويا لتجهيز الجيش اللبناني ، كما يتضمن برنامج المساعدة الأمريكية للجيش اللبناني برنامجًا آخر يسمى 2282 ، والذي يدرس نوع وعدد المعدات اللازمة بناءً على الدراسات التي أجريت داخل الجيش اللبناني ، وبموافقة أمريكا وإجراء عمليات تفتيش ميدانية في وحدات مختلفة من الجيش، يتم تسليم المتطلبات للجيش.
وهناك أيضًا برنامج تدريب سنوي آخر للقوات، يُعرف باسم برنامج 1226، ويقتصر على الوحدات المتمركزة على الحدود الشمالية والشرقية للحدود السورية، وبالإضافة إلى التدريب فهو يشمل التغذية والملابس ومعدات سياراتهم.
يقيم التقرير المذكور الفجوة الهائلة بين المساعدات الأمريكية المزعومة وواقع المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة الامريكية على النحو التالي:
1. خلافا لمزاعم واشنطن ، التي تفضي بان مساعدات واشنطن للجيش اللبناني بلغت 2.2 مليار دولار ، لم تتجاوز المساعدة الأمريكية للبنان على مدى السنوات العشر الماضية 10 ملايين دولار.
2 - المساعدة المرسلة للجيش اللبناني هي عبارة مجموعة من الأسلحة الخفيفة والمعدات الابتدائية للغاية وقطع غيار لا قيمة لها.
3. المساعدة التي تقدمها القوات الأمريكية للجيش اللبناني لا تشمل التدريب المهني والخاص ، بل تشمل التدريب العادي فقط والذي ليس له أي دور في تطوير قدرات الجيش اللبناني.
أهداف أمريكا من الادعاء بتقديم مساعدات مالية للجيش اللبناني
تسعى أمريكا من خلال الادعاء بتقديم المساعدة المادية والعسكرية للجيش اللبناني إلى تحقيق الأهداف التالية:
1- التأثير على المؤسسات السياسية والأمنية اللبنانية.
2- خلق ذريعة لوجود عسكري دائم داخل لبنان.
3- توريط لبنان من خلال المساعدات المقدمة في تنفيذ المعاملات المختلفة في مجال الطاقة والموارد الاقتصادية الأخرى.
4- الحلول دون تقديم المساعدات المادية والعسكرية للبنان من قبل روسيا وإيران والصين.
5- توفير المعدات والظروف اللازمة والعمل على جعل لبنان مرتبطاً بالولايات المتحدة.
6- اتخاذ الإجراءات اللازمة لإساءة استخدام عناصر الساحة الداخلية اللبنانية لفرض الإرادة الأمريكية على الشعب اللبناني.
7- اشعال فتيل حرب أهلية من خلال خلق مواجهة بين الجيش والمقاومة.
8- قصر دور الجيش اللبناني على حماية حدود اسرائيل.
9- تجهيز الجيش اللبناني لتأديته دور قوات اليونيفيل في جنوب البلاد والانسحاب الكامل لقوات الجيش من الحدود اللبنانية.
ثالثاً: الفتنة الأمريكية بين حزب الله والجيش اللبناني
استخدمت أمريكا تعليق مساعدتها للجيش اللبناني كأداة للضغط على الجيش لمواجهة حزب الله ، خاصة خلال الاحتجاجات الشعبية الأخيرة ، حيث سعت أمريكا لتجاهل تحركات الجيش لسد طرق النقل وإجراءات التمرد والاضطرابات من أجل تنفيذ هدف واشنطن بإسقاط حكومة حسان دياب ، وبحسب تقرير مركز الاتحاد للدراسات ، فإن دراسة المساعدات المالية الأمريكية للجيش اللبناني تكشف ما يلي:
1- بعد تعيين حسان دياب رئيساً لوزراء لبنان ، أوقفت حكومة الولايات المتحدة الامريكية مساعدتها العسكرية والمالية للبنان ، حيث زعم ترامب أن الحكومة اللبنانية كانت تحت سيطرة حزب الله وأن تقديم المساعدة المالية لها يمكن أن تعزز نفوذ حزب الله في لبنان ، والذي تعتبره الولايات المتحدة منظمة إرهابية أجنبية.
2- أدرج مجلس النواب الأمريكي قضية مساعدة الجيش اللبناني في سياق اقتراح قانون بشأن محاربة حزب الله في القانون العسكري اللبناني الخاص ، واقترح أن تقدم الحكومة الأمريكية تقريراً للكونغرس حول الجيش اللبناني وعلاقات حزب الله ، وبناء على ذلك ، إذا خلص التقرير إلى أن الحكومة اللبنانية فشلت في الحد من نفوذ حزب الله في الجيش ، فسيتم إلغاء 20 بالمائة من المساعدات الأمريكية للبنان.
مصير المساعدات الأمريكية للجيش اللبناني
كان هناك جدل مستمر حول تعليق المساعدات الأمريكية للجيش اللبناني ، وقد استخدمتها واشنطن دائمًا كأداة ضغط وترهيب ضد لبنان ، وبالإضافة إلى ذلك ، هناك خلاف في وجهات النظر في مختلف الدوائر الحكومية الأمريكية حول هذا الموضوع ، حيث قال ديفيد شانكر مستشار وزير الخارجية الأمريكي في شؤون الشرق الأقصى في أكتوبر 2020 ، خلال زيارة للأراضي المحتلة: إن قطع المساعدات يمكن أن يضع الجيش اللبناني بين أيدي حزب الله وإيران.
ويعتقد كلاً من اليوت انغل رئيس لجنة الشؤون الخارجية ومفوض ولاية نيويورك وتيد دويفتش ممثل ولاية فلوريدا ، والذي يرأس اللجنة الفرعية للشرق الأوسط ، وكلاهما يعدان مؤيدين قويين لإسرائيل ، إن استمرار المساعدة ضروري حتى يستطيع لبنان الحفاظ على أمنه واستقراره ولكي يستخدم هذه المساعدات في مكافحة الإرهاب وأمن الحدود وتنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 1701.
هذا ويعتقد أيضاً نيد برايس ، مسؤول الأمن الداخلي الأمريكي السابق في عهد باراك أوباما ، أن إضعاف الجيش اللبناني سيزيد من تأثير ونفوذ حزب الله الإيراني وروسيا داخل المجتمع اللبناني ، وقال إن إلغاء المساعدة للبنان ، والتي وافق عليه الكونجرس الأمريكي مؤخرا ، أمر غير طبيعي وغير قانوني ويشكل تهديدا للبنان وللمصداقية الأمريكية في هذه البلاد.
حيث تعتقد الحكومة الأمريكية أن عملية مساعدة الجيش اللبناني ، والتي تشمل توفير بعض المعدات والأسلحة الخفيفة له ، يمكن أن تحدد النهج العسكري والمذهبي للجيش على أساس النموذج الذي ترسمه الولايات المتحدة الامريكية ، وخلق حرب أهلية بالنيابة عن إسرائيل والولايات المتحدة ضد المقاومة اللبنانية وضمان أمن المستوطنات الصهيونية على حدود فلسطين المحتلة ، لكن واشنطن بالتأكيد لا تستطيع تحقيق هذا الهدف ، نظرًا لأن النهج الأيديولوجي للجيش اللبناني لا يزال ينظر إلى إسرائيل على أنها عدو كبير ، فإن الجهود الأمريكية لتغيير هذا النهج لن تكون ناجحة وستبوء بالفشل.
إن المساعدة الأمريكية للجيش اللبناني تكاد تكون معدومة مقابل أهدافه في السيطرة على لبنان ، حيث تعمل الولايات المتحدة الامريكية على تعزيز السيطرة على لبنان بتكلفة منخفضة للغاية ، وبالطبع ، فشلت واشنطن حتى الآن في تغيير الاستراتيجية الوطنية للجيش اللبناني ولم تتمكن من تحويله إلى جيش لقمع وإشراك لبنان في حرب أهلية ، لذا فإن النهج الوطني للجيش جعل الجيش يقف إلى جانب الشعب والمقاومة في خندق الدفاع عن البلد.