الوقت- تدّعي أمريكا أنّ الشهيد قاسم سليماني كان عدوّاً لأمريكا ولهذا قامت باغتياله بتلك الطريقة البشعة؛ فمن على هذا الكوكب لا يكنُّ العداء لأمريكا؟، وإذا أرادت قتل جميع أعدائها فستبقى تعيش على هذا الكوكب بمفردها، وتدّعي أيضاً أنّ الشهيد سليماني كان يُخطط لعمليات ضدّ أمريكا، وأحدٌ في هذا العالم لم يشق على قلب الرّجل ليعرف نواياه، غير أنّ أمريكا ولمجرّد الشّك قامت بهذه الجريمة البشعة، على الرّغم من أنّ القانون الأمريكي يُجرّم الاغتيال السياسي، وعلى هذا الأساس خرجت المقررة الخاصة في الأمم المتحدة "أغنيس كالامارد" لتؤكد أنّ جريمة اغتيال سليماني تعدّ انتهاكا للقانون الدولي، وأنّ جريمة الاغتيال هذه شوّهت مبدأ السيادة وأمريكا لم تستطع إثبات أنّ هذه الجريمة كانت "للدفاع عن النفس"، وأضافت كالامارد "أن الهجوم بالطائرة المسيرة في الثالث من كانون الثاني ، كان أول واقعة معروفة تحدثت فيها دولة عن الدفاع عن النفس لتبرير هجوم على ممثل دولة على أراضي دولة ثالثة"، وهو الأمر الذي يؤكد فداحة الوقاحة التي وصل إليها ساسة البيت الأبيض الأمريكي.
في البداية؛ إنّ الاغتيال محظور بموجب القانون الأمريكي، ويؤكد القانون الأمريكي أنّ القتل يكون مشروعاً إذا كان خلال النزاع المسلح، وإذا كان الضحيّة متورطاً بشكل وثيق في التخطيط لهجمات إرهابيّة، وعلى هذا الأساس فإنّ جريمة اغتيال الجنرال قاسم سليماني عمليّة اغتيالٍ سياسي بامتياز، فلا الرجل خطط ولا نفّذ، وكل ما فعله هو إعلانه العلني للعداء مع أمريكا، وهو ما يفعله يومياً ملايين البشر.
وبالإضافة لما سبق؛ فإنّ عملية الاغتيال تلك تُشكل حالةً فريدة في الاعتداء أثبتت أنّ أمريكا لا تهتمُ بكل الأعراف الدبلوماسية، بل إن أكثر ما يهمها هو إرضاء غرورها كأقوى دولة في العالم كما تعتقد، وعلى هذا الأساس قامت بتنفيذ جريمة الاغتيال تلك وفي دولة ثالثة، وهو الأمر الذي لم تنتهِ تبعاته حتى هذه اللحظة بل إننا نشاهد كلّ يومٍ عمليات استهداف السفارة والقواعد الأمريكية في العراق الذي تمّت عملية الاغتيال على أراضيه.
وبشكل عام، يقول القانون الدولي وبوضوح إنه يرفض أن تستخدم دولة ما القوة العسكرية في أراضي دولة أخرى دون موافقة الدولة المضيفة، غير أنّ واشنطن خرجت بتفسيرٍ جديد لهذا القانون يتناسب مع أهدافها؛ حيث إنّها تعتقد أنّه عندما تكون حكومة ما غير قادرة أو غير راغبة بمواجهة التهديد، يمكن للدولة المتضررة من التهديد (أي أمريكا) اتخاذ إجراءات دون موافقة المضيف!.
أكثر من ذلك؛ لن تكون جريمة اغتيال الشهيد سليماني قانونيّة مهما حاولت أمريكا إلباسها لباس الشرعيّة، فلا يُمكن بشكل أو بآخر اغتيال قائد عسكري بدولةٍ ما لمجرد أنه عمل كجنرال في الجيش ويرتدي البزّة العسكري، لكن الحقيقة الواقعة أنّه وبالنسبة للساسة الأمريكيين فإنّ القانون لا يساوي ثمن الحبر الذي كُتب به طالما أنّه لا يخدم مصالحهم، ولكن إذا ما كان يصبُّ في مصلحتهم فيبدون أكثر المُتمسكين به!.
وبناءً على المُمارسات الأمريكية لن يكون للقوانين الدوليّة أو حتى الأمريكية أيّ تأثير، ولكي يكون لتلك القوانين تأثير، يجب أن تكون قابلة للتنفيذ، ولكي تكون قابلة للتنفيذ يجب أن يكون هناك اختصاص قضائي، فما معنى أن يقرر ترامب وحكومته أنّ شخصاً ما من دولةٍ ما حتى خارج نطاق إقليمها أو قارتها يجب أنّ؟ وهنا نجد أنّ أمريكا ومن خلال تنفيذها لعملية الاغتيال هذه والتي حدثت خارج نطاق القانون تنتهك الحقوق المدنية والسياسية للقانون الدولي.
وفي النهاية.. تعتقد أمريكا أنّ اللعب بالمُصطلحات وإعطاء عمليات القتل خارج القانون وعمليات الاغتيال السياسي اسماً آخر سيُخلصها من تبعات جرائهما، ولأنّها تعلم أنّها فوق القانون؛ وفي عصر الطائرات من دون طيّار أصبحت عمليات الاغتيال السياسي أمراً أكثر سهولة، لكنها ستبقى غير قانونية، وعلى هذا الأساس فإن اغتيال الشهيد قاسم سليماني يُعدُّ جريمة حرب كاملة الأركان، خاصة أنه لا يوجد حالة حرب رسمية بين أمريكا وإيران، كما أنّه إذا سلمنا أنّ عملية الاغتيال تلك تأتي في سياق الدفاع الوقائي عن النفس، فهذا أيضاً ليس مبرراً قانونياً للاغتيال، فأحدٌ وكما ذكرنا لم يشق على قلب الرجل ويعرف نواياه، وفي حالة النزاع بين الدول يبقى القانون الأهم والمعمول به هو ميثاق الأمم المتحدة، الذي يعرّف الدفاع عن النفس بأنه حقّ الرد على هجوم مسلح حقيقي ومهم، وليس مجرد شكوك.