الوقت- لا يخفى على أحد الدعم الذي تقدمه الجمهورية الاسلامية الايرانية لحركات المقاومة في المنطقة، وهي تتبنى هذا النهج منذ نشأتها ولا تزال حتى اللحظة، ولطالما أن هناك شعب مستضعف ومظلوم في العالم ستمد له ايران يد العون حتى يحصل على حقوقه وحريته، والمقاومة الفلسطينية ينطبق عليها ما سبق ولم تتوانى ايران في دعم جميع حركات المقاومة الفلسطينية، وحافظت على خطوط تواصل مع الجميع على حد سواء وفي النتيجة منهم من حافظ على علاقته مع ايران ومنهم من ابتعد.
لن نتحدث اليوم عن الذين ابتعدوا واتخذوا خيارات مختلفة، لكن سنلقي الضوء على العلاقة التي تجمع ايران مع حركة "حماس"، هذه العلاقات التي مرت بحالات مد وجزر ولكنها بقيت متوازنة ولم تنقطع خطوط التواصل بالرغم من جميع الضغوط التي مورست على حماس، وفي السنوات الثلاثة الأخيرة وصل التقارب بين حماس وايران إلى مراحل متقدمة جداً وتكلل الأمر بزيارة أعضاء من المكتب السياسي لـ"حماس" إلى ايران وكذلك زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنيّة بشكل شخصي ولقائه مع قائد الثورة الاسلامية السيد علي خامنئي، ونظرا للضغوط التي تتعرض لها فلسطين في الآونة الأخيرة من قبل اسرائيل والدول الكبرى وبعض الدول الاقليمية بعث هنية برسالة إلى السيد خامنئي ليأتيه الرد قبل يومين ويؤكد ثوابت ايران وثباتها تجاه القضية الفلسطينية.
ردّ السيد خامنئي حمل ثلاثة رسائل:
الأولى: جاءت من خلال تأكيد السيّد علي خامنئي، أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة "بحكم واجبها الديني والإنساني لن تدخر جهداً لدعم الشعب الفلسطيني المظلوم في استعادة حقوقه ودفع شر الكيان الصهيوني".
اذا الرسالة واضحة وشفافة ومفادها أن ايران لن تتخلى عن المقاومة الفلسطينية ولا عن الشعب الفلسطيني وستواصل دعمها لهم كما كانت في السابق، على عكس الكثير من الدول العربية التي ادارت ظهرها للقضية الفلسطينية وساهمت في تتضيق الخناق على الفلسطينيين من خلال تهيئة الظروف للولايات المتحدة الأمريكية لإطلاق مشروع "صفقة القرن" والضغط على الفلسطينيين للقبول بهذا العرض وإلا سيتم حرمانهم من جميع أشكال الدعم، وهذا ما حصل بالفعل، فلم تعد السعودية مهتمة بالمبادرة التي اطلقتها وحملت عنوان مبادرة "السلام العربية" وذهبت نحو مراحل أكثر خطورة بعد أن بدأت بملاحقة الفلسطينيين خاصة الذين لديهم انتماءات لحماس وعملت على اعتقالهم ووضعهم في السجن ووجهت لهم تهم مختلفة ما أثار غضب حركات المقاومة والشعب الفلسطيني الذين خرجوا للتنديد بهذه الخطوة السعودية ولكن دون جدوى.
الثانية: السيد خامنئي وضمن الرسالة التي وجهها إلى رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنيّة، حول آخر التطورات في فلسطين المحتلة، شدد على أنّ "المحافظة على الوعي والوحدة والتلاحم بين الشعب الفلسطيني وفصائله، له دور مؤثر في إفشال خطط العدو".
في الحقيقة هذا أكثر ما يحتاجه الفلسطينيون في المرحلة الحالية، لأن عليهم الاعتماد على أنفسهم بعد أن ابتعدت أغلب دول المنطقة عن دعمهم، فالوحدة هي الحل لهزيمة المشروع الصهيوني، والتفرقة هي أكثر ما تريده اسرائيل من مبدا "فرق تسد"، وعلى الفلسطينيين وضع خلافاتهم جانباً في هذه المرحلة الحساسة، لأن اي انقسام في الوقت الراهن سيدفع اسرائيل لاختراق جسد فلسطين من جديد وتوسيع الاستيطان وربما الاتجاه نحو الضم بخطوات فعلية، لذلك عليهم أخذ الحيطة والحذر في المرحلة المقبلة.
الثالثة: أشار السيد خامنئي إلى أن "تيّار المقاومة والشعب الفلسطيني الشجاع قد تجاوزا التهديد وترغيب العدو، بفضل منطق العقل والخبرة"، مبرزاً أنّ العدو بـ"استراتيجيته التوسعيّة يحاول تضييع الحقوق المشروعة للفلسطينيين عبر خديعة المفاوضات وخطة السلام والضغط الاقتصادي والحصار".
قبل يومين كان يتحدث رئيس السلطة الفلسطينية محود عباس عن قبوله اجراء مفاوضات مباشرة مع "اسرائيل" "على أساس الشرعية الدولية وتحت رعاية اللجنة الرباعية الدولية"، جاء ذلك في اتصال اجراه مع المستشارة الالمانية انجيلا ميركل، وفي وقت سابق أعلن عباس، رفضه خوض أي مفاوضات للسلام مع إسرائيل طالما صفقة القرن الأمريكية مطروحة على الطاولة، لا نعلم عن اي شرعية يتحدث عباس والاحتلال الاسرائيلي لم يلتزم منذ نشأته بأي شرعية دولية والتف على جميع القرارات الدولية ولايزال ويريد سلب القدس من الفلسطينيين بالقوة ويريد ضم اراضي من الضفة بما يخالف جميع القرارات الدولية، والسؤال هل حقا يمكن اجراء مفاوضات مع عدو توسعي مثل اسرائيل وماذا ستكون النتيجة؟، شروط جديدة أكثر اذلالاً.
ما الذي متّن العلاقة بين حماس وإيران؟
حماس التي اعتمدت كثيرا في دعمها على مُحبّيها وأنصارها من الشعوب العربية والإسلامية؛ تُعاني من تضييق غربي وعربي تتزعّمه دول الثورة المضادة (الإمارات، والسعودية، ومصر)، والتي هي تزدادُ تقاربا مع إسرائيل، ممّا جعلها بحاجة أكبر للدّعم الإيراني. تَغيّر طبيعة المواجهة بين إسرائيل وحماس، والذي وصل لشنّ أكثر من حرب على غزة؛ وهذا صعّب انفكاك حماس عن الدعم الإيراني، لأنها تقدّمُ إسنادا عسكريا لا يجرؤ غيرها عليه.
وتتمسَّك إيران بفصائل المقاومة الفلسطينية انطلاقاً من مبادئ إيمانية عقائدية وكعناوين فاعِلة في إطار مشروع المواجهة مع المشروع الأميركي والإسرائيلي في المنطقة، تماماً كما تتمسَّك المقاومة بالدعم الإيراني الوحيد لمنظومتها العسكرية، خاصة مع تقطّع دعم أصدقائها في المنطقة؛ نظراً إلى الضغوط التي يتعرّضون لها من الولايات المتحدة.
تُدرِك الفصائل أن الدعم العسكري والمالي والتقني الإيراني لا يمكن الاستعاضة عنه بأيّ طرف إقليمي، كما أنها تُدرِك صعوبة الثمن المطلوب من الأطراف الإقليمية الأخرى لقاء دعم مالي، ليس أقلّه الدعوة إلى التخلّي عن المواجهة العسكرية المباشرة.
ومع اقتراب الانتخابات الأميركية، وحسم واشنطن ملفات القضية الفلسطينية وعناوينها الرئيسة لصالح "إسرائيل"، والخشية من ضوء أخضر أميركي يسبق الانتخابات لارتكاب "إسرائيل" المزيد من الجرائم السياسية والعسكرية بحق الفلسطينيين، فإن حاجة فصائل المقاومة الفلسطينية تزداد بشكل أكبر للدور الإيراني.