الوقت- زار نيجيرفان بارزاني ، رئيس إقليم كردستان العراق ، بغداد في زيارة استغرقت يومين من 20 الى 21 يونيو 2020 ، للقاء أعضاء الحكومة العراقية والمسؤولين السياسيين ، وبصرف النظر عن اجتماعات بارزاني ولقاءاته مع رؤساء القوى الثلاث في العاصمة ، كان أحد أهم لقاءاته مع هادي العامري ، رئيس تحالف الفتح في البرلمان العراقي ، وأبرز ما تم تداوله في هذا الاجتماع والذي تطرقت اليه وسائل الإعلام ، أن رئيس إقليم كردستان أيّد قرار البرلمان العراقي بطرد القوات العسكرية الأجنبية من العراق.
حيث يأتي ذلك في الوقت الذي عارضت فيه السلطات السياسية في أربيل علانية، قرار إخراج القوات الأمريكية من البلاد في الأشهر الأخيرة، وبدا أنّ الأكراد يعارضون هذا القرار، والآن، بغض النظر عن مدى واقعية خطة دعم نيجيرفان بارزاني، أو إلى أيّ مدى يمكن تقييم هذا التأييد أو اعتباره مجرد نوع من الألعاب السياسية، فبالنظر إلى الوضع الاقتصادي والسياسي الصعب في الاقليم هذه الأيام، ما هو النهج الأنسب تجاه طرد القوات الأمريكية من العراق؟
الأكراد وأمريكا.. تاريخ حافل من الخيانة وعدم الوفاء بالعهد
يمكن إرجاع تاريخ تشكيل أكثر رابط استراتيجي جاد بين الأكراد وأمريكا إلى منتصف الستينيات والسبعينيات، ففي سبتمبر عام 1961، قام الملا مصطفى بارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، بانتفاضة على الصعيد الوطني ضد الحكومة العراقية المركزية آنذاك بقيادة عبد الكريم قاسم ، والتي أسفرت عن عدة سنوات من القتال العنيف وحرب الاستنزاف مع مختلف الحكومات العراقية ، بما في ذلك حكومة عبد السلام وعبد الرحمن عارف وحسن البكر ، ومنذ منتصف الستينيات ، بدأت أمريكا، بوساطة من إيران ، دعمها الخاص للأكراد.
ومنذ ذلك الوقت، تمّ خلق هذه الرواية والنظرة بين الأكراد، أنه فقط من خلال التحالف مع أمريكا يمكنهم تحقيق حقوقهم أو ربما إنشاء دولة مستقلة، حتى أنّه ثمة هناك رواية يقول فيها الملا مصطفى بارزاني ، والد مسعود بارزاني: إنه من أجل تحقيق أحلامنا ، يجب أن نأمل دائماً في الوحدة مع أمريكا" ، وعلى الرغم من آمال أكراد العراق عام 1975 ، وعلى عكس جميع التوقعات ، أعلنت الحكومة الأمريكية أنّها لم تعد مستعدة لدعمهم ، حيث قال وزير الخارجية الأمريكي آنذاك هنري كيسنجر: "إنهم لا يعرفون حتى من هم الأكراد" ، وفي حالة الخيانة الأمريكية لأكراد العراق في ذلك الوقت ، تم التوقيع على اتفاق الجزائر بين بغداد وطهران ، والذي تمخض عنه تكبد أكراد العراق لهزيمة كبرى.
تشكيل حكومة حكم ذاتي في شمال العراق وعقد الآمال على واشنطن في السنوات التي تلت عام 2003
وفي تتمة قصة تعلّق آمال الأكراد المستمرة بأمريكا، ففي أواخر الثمانينيات ، عندما كانت هناك موجة من الكفاح الكردي العراقي المستعر ضدّ حكومة صدام بل شهدنا القصف الكيميائي لحلبجة من قبل البعثيين ودفن آلاف الأكراد الأحياء تحت عنوان عمليات الأنفال ، فلم تكن الحكومة الأمريكية آنذاك مستعدة لإدانة جرائم صدام رغم جميع الأدلة المتاحة والتي تؤكد هذه الأفعال الاجرامية ، وفي نهاية المطاف ، ونتيجة لضغوط الرأي العام العالمي في عام 1991 ، تم فرض حظر للطيران على مدار 36 درجة في المنطقة وتم إنشاء حكومة حكم ذاتي كردية بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 688.
وفي السنوات التي تلت عام 2003 ، كان الأكراد لا يزالون يأملون في أن يتمكنوا ، بدعم من الأمريكيين ، من تشكيل دولة كردية مستقلة والانفصال عن العراق ، لكن الأمر يبدو كما لو أنهم لم يفهموا تطورات الزمن والعصر الجديد للسياسة في العراق من جهة ، ومن ناحية أخرى يبدو انهم غير راغبين بالتعلم وأخذ درس من تاريخ الخيانة وعد الالتزام الأمريكي ، وقد أدى أمل حكومة إقليم كردستان في أمريكا في شكل مشروع الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي لإجراء استفتاء على الاستقلال في عام 2017 إلى هزيمة كبيرة لهم ، لكن النقطة الملحوظة في الرواية هي أنّه حتى مع جميع هذه الاستفتاءات، رفضت أمريكا التعاون مع الأكراد مرّة أخرى، والذي كان بالطبع بسبب القدرة والتدابير التي اتخذتها الحكومة المركزية العراقية في الوقت المناسب.
ضرورات فهم تطوّرات العصر
خلافا لآمالهم التي امتدت لعقود طويلة، يظهر تاريخ العلاقات الكردية الأمريكية أن واشنطن لم تكن ولن تكون أبداً مؤيداً حقيقياً لهم، وفي الوضع الجديد أيضاً، إذا دعم الأكراد بقاء القوات الأمريكية في العراق ووافقوا على إنشاء أربع قواعد عسكرية جديدة في أربيل على المدى المتوسط والطويل، فسيؤدي ذلك الى تضرّرهم بشكل كامل.
كما أنّ منطقة الحكم الذاتي في شمال العراق في وضع اقتصادي صعب للغاية، حيث لم يتلق موظفو وعاملو هذه المنطقة رواتبهم منذ عدة شهور بسبب الخلافات مع بغداد وعدم إرسال الميزانية السنوية المخصصة لهذه المنطقة من قبل الحكومة المركزية ، وقد تم غالبًا إغلاق مشاريع البناء واندلعت موجة من البطالة ، وفي ظل هذه الظروف ، تؤدي الاختلافات السياسية أيضاً بين المنطقتين اللتين تسميان الأصفر (تحت سيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني) والأخضر (تحت سيطرة الاتحاد الوطني) حول جهود بارزاني لاحتكار السلطة ، إلى العودة إلى نظام الادارتين ، وفي مثل هذه الحالة ، الشيء الوحيد الذي لا يحتاجه الاقليم الآن هو توسيع الخلافات مع الحكومة المركزية ، خاصة وأن تصميم الأحزاب والتيارات السياسية الشيعية على طرد القوات الأمريكية من العراق ، جاد للغاية.
وفي ضوء هذه الظروف ، يمكن أن تكون هناك حقيقتان ملموستان كدليل على اعتماد نهج عملي من قبل حكام الاقليم بشأن القضية الحساسة المتمثلة في طرد القوات الأمريكية من العراق ، أولاً ، بموجب القانون العراقي ، سيضطر الأمريكيون عاجلاً أم آجلاً إلى قبول الإرادة العامة للشعب العراقي ومغادرة البلاد ، ومن ناحية أخرى ، فمن خلال تغيير هندسة القوة في المنطقة لمصلحة المقاومة ورغبة الجهات الفاعلة الدولية الجديدة مثل الصين وروسيا في المشاركة في التطورات الإقليمية ، فإن الأمريكيين على وشك الطرد من منطقة غرب آسيا ، وبالطبع ، فقد وضع البيت الأبيض استراتيجية التحول إلى الشرق على جدول أعماله خلال العقد الماضي.
وفي مثل هذه الحالة ، يحتاج الأكراد إلى فهم المعادلات الميدانية وإدراك أن تعاونهم ومشاركتهم في إطار المصالح الوطنية العراقية هي التي يمكن أن تخدم مصالحهم ، وليس أملهم بلاعب يبحث عن السلطة يقبع على بعد آلاف الكيلومترات من حدودهم الإقليمية ، كذلك ، تحتاج حكومة إقليم كردستان إلى أن تفهم أنه على المدى الطويل ، ليس لديها خيار سوى التعاون والتعايش مع الجيران الإقليميين للدولة العراقية ، لذلك يجب عليها اتخاذ خطوات لتعزيز التعاون معهم.