الوقت-انتهت الجولة الأولى من المحادثات الاستراتيجية بين أمريكا والعراق بعد السنوات التي تلت عام 2003، والتي بدأت يوم الخميس الماضي واستمرت ليوم واحد. وبحسب بيان مشترك صادر عن البلدين بشأن نتائج المحادثات، أشارت الى أن معظم الاتفاقيات كانت تتعلق بقضايا أمنية وعسكرية، لكن الجولة الثانية من المحادثات من المقرّر أن تعقد في واشنطن الشهر المقبل.
من الاختلافات بين المحادثات الاستراتيجية الجديدة بين واشنطن وبغداد الحالية قياساً بالاتفاقية الأولى بين الجانبين في عام 2009، أن البيت الأبيض دعا إلى اتفاق يقوم على توسيع التعاون الاقتصادي والثقافي والاجتماعي بالإضافة إلى المجال العسكري.
وقد أجريت المحادثات، بحسب الجانبين، عبر الاتصال الصوتي والمرئي المباشر (مؤتمر بالفيديو) بين المسؤولين السياسيين في البلدين. وقد حدّدت وزارتا الخارجية في البلدين المجموعات التفاوضية الرئيسة، حيث اختُير خمسة اشخاص من العراق وست من الولايات المتحدة لقيادة المحادثات.
ويتألف فريق التفاوض التابع لوزارة الخارجية الأمريكية من نائب وزير الخارجية ديفيد هيل، ومساعدي وزير الخارجية ديفيد شانغر وفرانسيس فانون، ونائب وزير الخارجية السابق جو هود، ونائب مساعد وزيرة الخارجية ديفيد كوبلي، وسفير أمريكا في بغداد ماثيو تولر.
وتضم المجموعة العراقية وكيل وزير الخارجية عبد الكريم هاشم، والسفير العراقي السابق في واشنطن لقمان الفيلي، وفريد ياسين، السفير العراقي الحالي لدى أمريكا، وحامد خلف، نائب وزير التعليم العالي والبحث العلمي، إلى جانب حارث حسن، الباحث العراقي في الشؤون السياسية.
على الرغم من أن المحادثات الأمنية الحالية بين واشنطن وبغداد تتمحور حول طرد القوات الأمريكية من العراق، إلا أنّ معظم الشخصيات السياسية تعتقد أن انسحاب واشنطن يجب أن يتمّ وفقا لقرار البرلمان العراقي، لكن جعل هذه المفاوضات ضمن مراحل متعددة يظهر مساعي البيت الأبيض لكسب الوقت وإحباط جهود بغداد لإنهاء وجود القوات الأمريكية على أراضيها.
محورية طرد القوات الأمريكية
يمكن تقييم أهم مستوى من المفاوضات بين بغداد وواشنطن هو فيما يتعلق بالقضايا الأمنية وملف أعداد القوات الأمريكية في العراق. وفي بيان صدر يوم الجمعة بعد المحادثات الاستراتيجية مع أمريكا يوم الجمعة، قال رئيس الوزراء العراقي إن قرار البرلمان الذي أقر بضرورة انسحاب أمريكا من العراق تم الاعتراف به.
ونقلت وكالة الأنباء العراقية (واع) عن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي قوله "إن مفاوضاتنا الاستراتيجية مع أمريكا ركّزت على مبدأ السيادة ومصالح العراق، وقد حققنا نتائج كبيرة".
وأكدت المفاوضات على الانسحاب الأمريكي الكامل من العراق وعلى اجلاء جميع القواعد العسكرية. وفي هذه المحادثات، تم الاعتراف بقرار البرلمان بشأن الانسحاب الأمريكي من البلاد. وأضاف الكاظمي: "سنتعاون في مجال العلاقات الاقتصادية والقطاعات الأخرى. كانت هذه المفاوضات انجازا كبيرا للحكومة."
وبالإضافة إلى الكاظمي، دعا هادي العامري، رئيس تحالف الفتح، الوفد العراقي المفاوض في الحوار الاستراتيجي مع أمريكا، الى أن يتذكّروا خلال محادثاتهم القرار القانوني للبرلمان بطرد القوات الأجنبية من البلاد.
وقال العامري في بيان يوم الخميس إن "ثقتنا بكم عالية كما كانت ثقتنا عالية بالمقاتلين الذين حققوا النصر الكبير والعظيم على الإرهاب الداعشي، لذا نهيب بالوفد العراقي المفاوض أن يضعوا نصب أعينهم قرار مجلس النواب العراقي يوم 5 / 1 / 2020 القاضي بخروج القوات الأجنبية من العراق وتحقيق السيادة الوطنية الكاملة". وأضاف: "أملنا بكم كبير بأن لا تخيبوا أمال شعبكم من الذين خرجوا بمظاهرة مليونية تطالب بخروج القوات الأجنبية وتحقيق السيادة الوطنية الكاملة”.
كما أعلن الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق في العراق مساء الخميس، عقب اجتماع وفدي التفاوض الأمريكي والعراقي، أن أي تواجد عسكري أمريكي في العراق سيرفض بموجب القانون. وبحسب موقع النجباء الإخباري، كتب قيس الخزعلي، الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق في العراق، في تغريدة له على موقع تويتر: ليعلم الامريكان ان قواتهم ستخرج من العراق رغم انفهم وأنه اذا أصرت امريكا على بقاء قواتها العسكرية فستكون محكومة بالقانون العراقي ومن دون حصانة.
واضاف: قواتكم لم ولن تبقى في العراق، وإذا بقت القوات الأميركية ستكون محكومة بقانون العقوبات والجزاء العراقي، فالبرلمان لم يعطِ الحصانة للقوات الأمريكية إذا حاولت البقاء فقد تم رفض الطلب عام 2011".
الاتفاق على تخفيض عدد القوات الأمريكية
أصدرت الحكومتان الأمريكية والعراقية بيانا مشتركا مساء الخميس عقب بدء المحادثات الاستراتيجية بين البلدين، معلنة عن وجود اتفاق لتقليل التواجد العسكري الأمريكي في العراق خلال الأشهر القليلة المقبلة. وبحسب وكالة أنباء "سكاي نيوز"، قال بيان مشترك صادر عن الوفدين أنه: "في ظل التقدم الملحوظ في القضاء على تنظيم داعش، ستواصل أمريكا تقليص وجودها العسكري في العراق خلال الأشهر القليلة المقبلة".
وأجرى الوفد العراقي برئاسة نائب وزير الخارجية عبد الكريم هاشم مصطفى، والوفد الأمريكي برئاسة ديفيد هيل نائب وزير الخارجية الأمريكي للشؤون السياسية محادثات استراتيجية بموجب الاتفاقية الاستراتيجية لعام 2008. وخلال المحادثات، أكد الجانبان من جديد على مبادئ الاتفاق الاستراتيجي لعام 2008. وأكدت أمريكا من جديد التزامها باحترام سيادة العراق وسلامته الإقليمية وقرارات المسؤولين البرلمانيين والتنفيذيين العراقيين.
وفيما يتعلق بالاقتصاد والطاقة، قالت الولايات المتحدة إنها تدرس تقديم المشورة الاقتصادية للتعاون مع الحكومة العراقية للمساعدة في تعزيز الدعم الدولي للبلاد، بما في ذلك المؤسسات الحكومية، ضمن خطط تنفيذ إصلاحات اقتصادية كبيرة. كما ناقش البَلَدان مشاريع استثمارية، بما في ذلك استثمارات شركات الطاقة الامريكية الدولية وامور اخرى.
وبالإضافة إلى ذلك، شدد الفريقان المتفاوضان في البلدين على أهمية مساعدة العراق على تنفيذ المشاريع والإصلاحات الحكومية التي تعكس احتياجات الشعب العراقي، بما في ذلك استعادة الاستقرار، وإجراء انتخابات حرة وشفافة وذات مصداقية.
وفيما يتعلّق بالأمن، تعهدت الولايات المتحدة بخفض قواتها في العراق في الأشهر القليلة المقبلة. وبالإضافة إلى ذلك، ناقش الجانبان وضع القوات الأمريكية في العراق، وتعهدت أمريكا بعدم إقامة قواعد دائمة أو وجود عسكري دائم في العراق، وتم الاتفاق على ذلك ايضا في عام 2008 بين الجانبين.
في المقابل، تعهدت الحكومة العراقية بدعم قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا، وقالت وزارة الخارجية الامريكية إن حكومة بغداد ملتزمة بمنع إعادة استهداف سفارة واشنطن واعتقال المسؤولين عن تهديد البعثات الدبلوماسية الأمريكية في العراق.
اتفاق بغداد - واشنطن وضرورة موافقة البرلمان
من أهم النقاط حول الاتفاقية الاستراتيجية بين أمريكا والعراق موافقة مجلس النواب على جميع بنودها، وفي هذا الصدد، أكد محمد كريم، عضو ائتلاف "الفتح" في البرلمان العراقي، على ضرورة تواصل الحكومة مع البرلمان العراقي بشأن المفاوضات بين بغداد وواشنطن، وقال إنه ينبغي الموافقة على الاتفاقات الحكومية في البرلمان.
وقال محمد كريم لوكالة أنباء "المعلومة" إن أيّ اتفاق توصلت إليه الحكومة يجب أن يوافق عليه البرلمان، مثلما حدث بين بغداد وواشنطن في العقد الماضي، حيث انسحبت على أساسه القوات الأمريكية من العراق.
وأضاف "إن الحكومة بحاجة إلى التواصل مع البرلمان العراقي والأحزاب السياسية قبل التوصل إلى أي اتفاق جديد مع الولايات المتحدة". وقال العضو في تحالف الفتح هذا إنّ "البرلمان قال كلمته حول الوجود الامريكي في العراق وقرّر طرد القوات الأجنبية من البلاد". مضيفا "لكن واشنطن تحاول الخروج بخطّة للعودة إلى العراق في حين قرّرت بغداد طردهم."
عملية قتل الوقت على طريقة واشنطن
كانت الجولة الأولى من المحادثات الاستراتيجية بين العراق وأمريكا محصورة في المجالين العسكري والأمني أكثر من كونها لقاء مبني على اتفاقية شاملة. ولكن في غضون ذلك، من المهم ملاحظة أن الهدف الرئيس للأمريكيين هو إضاعة الوقت لضمان وجود قواتها في العراق. في الواقع، يدرك المسؤولون السياسيون في البيت الأبيض جيدًا أن المطلب العام للمواطنين والأحزاب السياسية العراقية هو طرد القوات الأمريكية من البلاد.
لذلك، تعتزم واشنطن مواصلة وجود قواتها في العراق بكل الوسائل الممكنة، وفي الوقت الحاضر، تستند تكتيكاتها على قتل الوقت. واستمرارًا لهذا النهج، نرى أن الجولة الثانية من المحادثات قد تم تأجيلها إلى الشهر المقبل، ومن المحتمل أن يحاول الأمريكيون مواصلة هذه العملية.