الوقت- بعد المقتلة الكبيرة التي ارتكبتها السعودية، وعجزها عن إنجاز أيّ نصر ولو بسيط؛ وجدت نفسها يوماً بعد آخر تغوص في وحل اليمن، وباتت تقترح الهدن ولو من طرفٍ واحد؛ علّها تستطيع التقاط أنفاسها، فيما يُصر خصومها هناك على مواصلة القاتل، وهم الذين يُقتالون دفاعاً عن أرضهم ومستقبلهم.. وماضيهم حتى.
في ظلِّ هذه الأوضاع المتأزمة لم يجد مبعوث الأمم المتحدة الخاص باليمن مارتن غريفث بُداً من التواصل مع طهران لإنهاء هذه المقتلة، خصوصًا بعد أن أصبح آل سعود عاجزين عن تقديم أيَّ حلٍ من شأنه إنهاء هذه الحرب، ناهيك عن تخلي أقرب حلفائهم عن القتال معهم، فيما ذهب حلفاء آخرون لرسم حدودٍ جديدة مكتفين بما حصلوا عليه جنوب اليمن، ونقصد هنا دولة الإمارات العربية.
لماذا طهران الآن؟
سنينٌ عدّة مرّت على تلك المقتلة، وعلى الرغم من كل جولات الحوار بين أنصار الله من جهة، وحكومة الفار عبد ربه منصور هادي والسعودية من جهةٍ ثانية، غير أنّها جميعها انتهت بطريقٍ مسدود، ويمكن النظر إلى قرار غريفث التواصل مع طهران من خلال نقطتين مهمتين، أو لتحقق هدفين مهمين لإنجاح مهمته:
النقطة الأولى، هي أنّ السيد غريفث لم يبقَ أمامه سوى اللجوء لطرقٍ أخرى في محاولته لحل الأزمة اليمنيّة، وبعد فشل كافة جولات الحوار التي أقيمت إمّا في عُمان أو في السويد، لم يبقَ أمام الرجل سوى اللجوء إلى طهران في محاولة حلِّ هذه المعضلة، والاستماع إلى اقتراحاتها لحلِّ هذه الأزمة، أو ربما العودة إلى ما طرحته طهران سابقاً من اقتراحات للحل، حيث أكدت طهران مراراً وتكراراً بأن "خطة النقاط الأربع" التي طرحتها هي الخيار الوحيد القابل للتطبيق لإنهاء الصراع اليمني، وهذه النقاط هي: (وقف إطلاق النار، السماح بوصول المساعدة الإنسانية، الحوار الداخلي بين كافة مكونات الشعب اليمني وأخيراً إنشاء حكومة ذات قبول شعبي وقاعدة عريضة".
أكثر من ذلك، وعلى الرغم من علمها بأنّ مفاوضات لن تأخذ بعين الاعتبار مصلحة الشعب اليمني؛ غير أنّه وفي ديسمبر من العام 2018، أعلنت طهران دعمها للمحادثات التي كانت تجري في السويد، وحثت طهران حينها جميع الأطراف اليمنية على تبني إجراءات بناء الثقة، وتمهيد الطريق للتوصل إلى اتفاق شامل لإنهاء معاناة جميع اليمنيين، بما في ذلك إنهاء الحصار الوحشي الذي يتعرض له اليمنيين من قِبل آل سعود.
أما النقطة الثانية أو ربما الهدف الثاني هو إنقاذ آل سعود من المستنقع اليمني بعد أنّ تلطخت سمعتهم هناك، كما أنّ استمرار هذه الحرب غير معرفة الأسباب ولا النتائج جرّت على آل سعود مصاعب جمّة كالضغط السياسي والاقتصادي والعسكري علهم، وبحسب بعض الإحصائيات فإنّ تكلفة هذه الحرب القذرة على آل سعود ما بين 5 مليارات دولار و6 مليارات دولار شهريًا، وهو الأمر الذي لم يعد باستطاعتها تحملّه.
الخضوع السعودي
بعد أن أدركت الدول الداعمة لآل سعود في حربها على اليمن أنّه لا أمل في هذه الحرب، وأنّها –أي الحرب- تستنزف من سمعتهم السياسية، طالبت كل من ألمانيا وفرنسا مملكة آل سعود بإنهاء الصراع في اليمن وإنهاء معاناة الشعب اليمني، وطالب سفراء الدولتين في الأمم المتحدة بإبداء المرونة من أجل التوصل إلى حل سلمي للأزمة في اليمن.
على عُجالة تلقف آل سعود الرسائل الغربيّة وبدأوا بالترتيب لمؤتمر المانحين لليمن علّهم يستطيعون تحسين سمعتهم ولو قليلاً بعد الذي ارتكبوه من فضائع هناك، ومن جهةٍ أخرى التقليل من نفقات تلك الحرب التي استهلكت الاقتصاد السعودي بعد انهيار أسعار النفط الرهيب، بالإضافة لأزمة كورونا، الأمر الذي دفع حكومة آل سعود لإعلان التقشف ورفع الضرائب على المواطنين، وهو الأمر الذي يُعدُّ سابقةً في تاريخ هذه المملكة.
أكثر من ذلك؛ رافق مؤتمر المانحين سابق الذكر؛ حملة علاقات عامة كبيرة في الدول الغربية ولا سيما في أمريكا تقودها كبريات شركات العلاقات العامة في محاولة لتبييض صورة آل سعود، حيث أنّ الأمور توحي بأنّ حلّاً قريباً للأزمة يلوح في الأفق، وتحتاج السعودية اليوم للخروج من هذه الأزمة كما دخلتها بعد أن ارتكبت فضائع رهيبة بحق الشعب اليمني، ما جعل الأمم المتحدة توصِّف حالة أزمة اليمن بأنّها أسوء أزمة إنسانيّة في العالم.