الوقت- في الوقت الذي أعلن فيه المسؤولون الإسرائيليون عن استعدادهم لضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية إلى الأراضي المحتلة، أفادت وسائل الإعلام العبرية عن غضب فلسطيني محتمل وبداية انتفاضة جديدة رداً على ذلك. في الوقت نفسه، هناك موجة من القلق والذعر بين الأوساط الصهيونية بشأن إمكانية شن عمليات استشهادية في الضفة الغربية والأراضي المحتلة.
يبدو أن مراجعة اتفاقيات الکيان الصهيوني مع بعض الجماعات الفلسطينية، والتي لم تجلب معها للفلسطينيين سوى المزيد من احتلال الأراضي الفلسطينية وعدم امتثال کيان الاحتلال لالتزاماته، قد جعلت هذه المرة حتی الصهاينة بأن يتأکدوا أن الضفة الغربية وبالنظر إلى الأطماع المتزايدة للکيان وبحسب التجارب السابقة، ستتحرك نحو التسلح وبدء انتفاضة جديدة، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة لإنقاذ فلسطين.
تاريخ الضفة الغربية الحافل بالانتفاضة
على الرغم من سيطرة الکيان الإسرائيلي على كل فلسطين التاريخية منذ عام 1967، صادرت السلطات الإسرائيلية آلاف الهكتارات من الأراضي الفلسطينية في منطقة "الجليل" شمال فلسطين المحتلة، في 30 مارس 1976. وعقب هذا العمل الإجرامي، قرر الشعب الفلسطيني الإضراب عن الطعام وتنظيم تظاهرات احتجاجية.
الإحتجاجات الفلسطينية على الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين المحتلة، أدت إلى اشتباكات شديدة بينهم وبين الجيش الإسرائيلي، ما أسفر عن استشهاد ستة فلسطينيين وإصابة آلاف آخرين في الاشتباكات.
تم تمديد انتفاضة "يوم الأرض" لأشهر، مما أدی إلی استشهاد 48 فلسطينياً في تلك الأشهر. وقد تظاهر العرب في أماكن أخرى في العالم العربي، تضامناً مع يوم أرض الشعب الفلسطيني.
ولكن ذلك لم يكن نهاية القصة، وكانت هناك انتفاضة أكبر في الطريق، عندما قرر الفلسطينيون الذين رزحوا تحت الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة، الانتقام من الصهاينة لارتکابهم جريمةً أخرى، في نهاية عام 1987.
وقد أثيرت هذه الشرارة بعد استشهاد أربعة عمال فلسطينيين على يد سائق شاحنة صهيوني في مخيم "جباليا" ونقطة تفتيش "بيت حانون" شمال قطاع غزة. وما بدأ کان "الانتفاضة الفلسطينية الأولى" أو "انتفاضة الحجارة".
لم تتوقف الانتفاضة عند مخيم جباليا، وانتشرت في جميع المدن والقرى والمخيمات في الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد اتحدت القوى العلمانية مع الإسلاميين وحوَّلوا المساجد إلى نقطة انطلاق للاحتجاجات، وخاصةً في أيام الجمعة.
اللجان المحلية قد تشکلت في مخيمات كانت تنظم احتجاجات الشوارع. هذه اللجان کانت تعمل في البداية بشكل مستقل، لكنها سرعان ما انضمت إلی هيئة تشکيلات ائتلافية، بما في ذلك فتح والجبهتين الشعبية والديمقراطية والحزب الشيوعي.
ثم ظهرت جماعة الإخوان المسلمين على المشهد الرسمي تحت عنوان "حماس"، وأعلنت أول بيان رسمي لها مع انتفاضة عام 1987. كما لعب الجهاد الإسلامي دورًا نشطًا في هذه الانتفاضة.
لقد أضرب العمال الفلسطينيون عن العمل في جميع المدن، ورفض الفلسطينيون دفع الضرائب للکيان الإسرائيلي، وبدأت الأمهات بتعليم أطفالهن في المنزل؛ وكل هذا هو جزء من المقاومة الشعبية.
وشهدت الانتفاضة أيضًا عددًا من العمليات ضد أهداف إسرائيلية، مثل عملية ديمونة عام 1988 في النقب، والتي هاجمت حافلةً تقل عمالًا متجهين إلى مفاعل ديمونة. ومعظمهم کانوا قد اختطفوا لتبادل الأسرى.
من ناحية أخرى، وبسبب عدم امتلاك الفلسطينيين الأسلحة للدفاع عن أنفسهم ضد القوات الإسرائيلية المدججة بالسلاح، شهدت الانتفاضة الثانية ظاهرة حرب السكاكين، حيث هاجم الفلسطينيون الجنود والمستوطنين الإسرائيليين بالسكاكين.
إستخدم وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك "إسحاق رابين" أكثر من 80 ألف جندي لوقف الانتفاضة، وقمع نصف مليون فلسطيني أعزل بسياسة "كسر العظام". کما تم حظر جميع الرموز الوطنية الفلسطينية، والعلم الفلسطيني وحتى كلمة فلسطين. وسجن الکيان الإسرائيلي عشرات الفنانين الفلسطينيين بسبب المشارکة في فن الانتفاضة.
في هذه الانتفاضة، وبحسب التقارير، بالإضافة إلى تدمير وتفجير 1228 منزلاً، سقط آلاف الشهداء، بينهم 241 طفلاً و 90 ألف جريح.
ومع ذلك، لم يتمكن الجيش الصهيوني من مواجهة الانتفاضة الفلسطينية، واستمرت الانتفاضة حتى عام 1993، عندما تم توقيع اتفاقيات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والکيان الإسرائيلي. واستخدم قادة منظمة التحرير الفلسطينية الانتفاضة كورقة في محادثات السلام مع الکيان الإسرائيلي.
هذه المحادثات (أوسلو)، التي أدت في نهاية المطاف إلى قبول وجود الکيان الصهيوني وتحدثت عن الفلسطينيين كلاجئين عرب، ليس فقط لم تنفع الشعب الفلسطيني، بل داست أيضًا علی دماء حوالي 3000 شهيد فلسطيني سقطوا خلال الانتفاضة.
لكن التجربة المريرة لنهاية الانتفاضة الأولى دفعت الفصائل الفلسطينية في الانتفاضة الثانية(عام 2000) إلى توسيع فروعها العسكرية، وقد طوَّرت كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس أسلحتها، وألحقت ضربات مؤلمة بالصهاينة.
وهذه الانتفاضة التي انتهت في عام 2005 بقمة شرم الشيخ، عززت بشكل فعال إيمان الفلسطينيين بأن هذا العدو المتوحش لا يمكن التعامل معه إلا من خلال المقاومة والنضال.
في هذه الأثناء، شهدنا بداية الانتفاضة الثالثة عام 2015 وبهدف تحرير القدس بشكل كامل، وکانت هذه الانتفاضة قد توسَّعت على شكل التعبئة الشعبية بالكامل، وهذا يدل على أن الفلسطينيين وبالنظر إلى عدم جدوى أي تسوية أو مفاوضات مع الکيان الصهيوني، والتي لم تسفر إلا عن زيادة الرغبات التوسعية لهذا الکيان، أصبحوا يعتبرون خيار المقاومة والنضال الخيار الأفضل لتحرير الأراضي الفلسطينية أكثر من أي وقت مضى.
ضرورة تسليح الضفة الغربية
في الوقت الذي أوقفت فيه السلطة الفلسطينية كافة الاتفاقيات والتعاون الأمني مع الکيان الصهيوني، رداً على خطة ضم أجزاء من الضفة الغربية، وشددت على عدم القبول بخطة ضم الأراضي الفلسطينية إلى الأراضي المحتلة، ولكن يبدو أن سكان الضفة الغربية وبالنظر إلى النتائج الماضية لخياري المقاومة والتسوية مع الکيان الصهيوني، قد أدركوا أكثر من أي وقت مضى فعالية خيار المقاومة، وهذا سيؤدي إلى تشكيل تعبئة جماهيرية من الشعب مثل الانتفاضة الثالثة، وبدء كفاح مسلح ضد کيان الاحتلال حتى لو لم تتعاون السلطة الفلسطينية في ذلك، وعدم الاکتفاء بالمواقف الحادة التي تتخذها السلطة ضد خطط الکيان الصهيوني.
وتتضح أهمية ذلك أكثر عندما أبلغت بعض المصادر الإخبارية مؤخراً عن استعداد الأنظمة العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة لقبول خطة ضم الضفة الغربية، وبالإضافة إلى ذلك تشير بعض التقارير إلى مشاورات تجري بين السلطة الفلسطينية والأجهزة الأمنية للکيان الصهيوني.
وفي ظل هذه الظروف، فإن الذاكرة التاريخية لفصائل المقاومة وأهل الضفة الغربية تحذرهم أكثر من أي وقت مضى من إمكانية التوصل إلى تسوية جديدة، تکون خطوةً أخرى نحو نسيان قضية تحرير القدس، ولذلك تجعل مختلف الفصائل الفلسطينية وشعب الضفة الغربية أكثر حساسيةً من ذي قبل تجاه أي نوع من التسوية، وتهيئهم لانتفاضة جديدة.
وبالتالي، يبدو أنه إذا لم تكن هناك خيانة الأنظمة العميلة وبعض المتنازلين الفلسطينيين الذين نزعوا سلاح سكان الضفة الغربية، فإن الضفة الغربية لا تزال لديها إمكانية الانتفاضة وحتى التمرد المسلح.