الوقت- تركيا بقيادة رئيسها رجب طيب اردوغان تعيش أفضل أيامها في هذه الفترة، بعد الانتصارات التي حققتها في ليبيا، الأمر الذي أعطاها دافع قوي لتحرك قواتها من جديد نحو سوريا، الدولة التي أرهقت أطماع أردوغان ليهرب من جحيمها متجها نحو ليبيا لتحقيق مكاسب سريعة هناك واستغلال الفوضى المنتشرة في ليبيا، تمهيدا للحصول على دور اكبر في الشرق الاوسط، وهذا ما دفعه لإعادة المغامرة من جديد في سوريا، ولكن في سوريا المعادلة مختلفة عن ليبيا، وعلى اردوغان أن يفكر جيدا قبل الاقدام على اي خطوة عسكرية في سوريا، خاصة وان روسيا تملك جميع المبررات للانتقام من تركيا على الاراضي السورية ولا نتوقع انها ستتردد في ذلك في حال اقدمت تركيا على اي هجوم تجاه القوات السورية وحلفائها في الشمال السوري.
التحضيرات بدأت بالفعل للتحرك العسكري في الشمال السوري، حيث نشرت قوات الجيش التركي منظومة صواريخ دفاع جوي (أرض- جو) متوسطة المدى، في مطار "تفتناز" بريف إدلب الشمالي الشرقي، من نوع "هوك إم آي إم- 23". وهي خطوة تعني مباشرة أن تركية تحضر لمعركة مقبلة في الشمال السوري، وتحاول منع التفوق الجوي السوري والروسي في الشمال . ومن غير الواضح تأثير نشر منظومة دفاع جوي في الشمال السوري على الاتفاق الموقع بين تركيا وروسيا لوقف القتال هناك في آذار مارس الماضي.
قبل ذلك كانت تركيا قد ارسلت ارتال عسكرية مدججة بالاسلحة نحو الشمال السوري، بما يخالف جميع التسويات التي عقدتها مع الجانب الروسي، ولن نتفاجأ اذا ما باغتت تركيا الجيش السوري والروس وهاجمت نقاط حساسة هنا وهناك او دفعت مرتزقتها للقيام بهذا الامر، لكن نتائج هذا الأمر ستكون مهولة وقد تغرق تركيا في الوحل السوري من جديد، ناهيك عن ان المعركة في ليبيا لا تزال قائمة، وكما يقال فإن الحرب كر وفر وبالتالي قد تتغير المعادلة في ليبيا في اي لحظة، خاصة وان اعداء تركيا في ليبيا كُثر ابتداءا بروسيا والامارات وليس انتهاءا بمصر، ولا نعتقد ان روسيا ستقف مكتوفة الايدي تجاه ما يجري في ليبيا، وستكون جاهزة للقيام بأي امر يحفظ لها ماء وجهها في سوريا، لذلك سيكون اي هجوم تركي على مواقع للجيش التركي محفوفا بالمخاطر.
روسيا غاضبة جدا من تركيا بعد أن دعمت الاخيرة الجيش الوطني الليبي بقيادة السراج للتقدم على حساب المشير خليفة حفتر، وهو ما تعتبره موسكو نقضا لتفاهمات وقف القتال هناك.
وبلا أدنى شك فأن استيلاء قوات الوفاق على منظومة الدفاع الجوي الروسي بانتسير وعرضها في شوارع طرابلس، إلى جانب تدمير الطائرات التركية بدون طيار عدة منظومات أخرى، أحرج موسكو التي تشعر الآن بالغضب من هذا التجاوز على تفاهمات أبرمت بين الجانبين. خاصة أن موسكو وضعت ثقلها سابقا لمنع قوات حفتر من دخول العاصمة طرابلس عندما كان على أبوابها التزاما بمضمون التفاهم مع أنقرة.
بالتزامن تراقب روسيا تحركات لافته لتركية في الشمال السوري، وتقول التقديرات هناك أن أنقرة تحضر لحرب في ادلب، خاصة أن الطائرات الروسية رصدت الاسبوع الماضي حشود عسكرية للجماعات المحلية الموالية لتركية في جبل الزاوية وهي تقوم باستعدادات عسكرية، للانقضاض على مواقع للجيش السوري، بالاضافة الى نشر منظومة الدفاع الجوي متوسطة المدى في ريف إدلب . وتزامنا مع زيارة وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار برقفة رئيس الأركان يشار غولر للحدود التركية مع سوريا، أدخلت تركية معدات عسكرية وأرتال من الجنود نحو نقاط المراقبة التركية المنتشرة في الشمال والتي باتت مواقع عسكرية ضخمة تتجاوز مصطلح نقاط المراقبة، وهو ما يعني شيئا واحدا هو أن تركيا تستعد لحرب كبيرة في الشمال السوري.
تقول التقديرات أن تركيا تعتقد أنها باتت قادرة على حسم عسكري كبير في ليبيا، وهي بذلك تكسر التوازنات والالتزامات مع موسكو هناك، وتخشى أن تقوم روسيا بالشيء ذاته في الشمال السوري، وتكون إدلب ميدانا لرد الصفعة التركية، لذلك تسعى أنقرة لتعزيز وضعها العسكري بشكل عاجل في ادلب قبل أن تتحرك القوات الموالية لها في ليبيا نحو ترهونه والانطلاق نحو الشرق الليبي.
وعلى عكس هذه التقديرات تتحدث مصادر محلية في ادلب عن ارتفاع معنويات المقاتلين التابعين لتركية في ادلب إثر وصول أنباء الانتصارات لنظرائهم في ليبيا وهو ما عزز المطالبات لدى بعض قادة الجامعات بتفعيل جبهات إدلب، لتحقيق ما حققه مقاتلو ليبيا، وهو ما بات يلقى تجاوبا من الأتراك هناك، وبغض النظر عن هذه التقديرات فإن ملف إدلب في عين التصعيد، ويمكن أن يندلع القتال هناك في أية لحظة.
اما عن ليبيا وبحسب الجارديان، فإن الحرب في ليبيا لن تتوقف، وإنما ستزداد سخونة في المستقبل، مرجحة بقوة إمكانية تكرار السيناريو السوري، حين تحول البلد الأخير إلى حلبة مواجهة بين روسيا وتركيا، بسبب رفض موسكو السماح لأردوغان ببسط نفوذه.
ويقول أنس الغماطي، مدير معهد الصادق في طرابلس: "كانت حكومة الوفاق تفتقد الدعم العسكري والدبلوماسي ولكن ليس أموال النفط بعد”. و”كان تحركا ذكيا من جانب أنقرة، فمن خلال دعم طرابلس تتطلع تركيا للحصول على مليارات الدولارات في مشاريع إنشاءات لم تكتمل وتم توقيعها في عهد القذافي وستكون الأولى عندما تبدأ عملية إعادة الإعمار".
وتبادلت تركيا وحفتر التهديدات، فيما قالت أخبار إن مقاتلات روسية وصلت من سوريا إلى شرق ليبيا تستطيع تدمير الدفاعات التركية. وبالنسبة لأنقرة وموسكو، فذكريات المواجهة المباشرة في سوريا بداية هذا العام لا تزال طرية، وتقول إن الحرب التي تخوضها تركيا في ليبيا تعتبر مقامرة كبرى لأنقرة، ولكن أردوغان الذي يحكم تركيا منذ 17 عاما لم يعد يخشى المغامرة، ومياه البحر المتوسط بدأت تسخن.