الوقت- إن الأجواء المضطربة للأزمة السورية ، على الرغم من انخراط المجتمع الدولي ودول منطقة غرب آسيا في مسألة انتشار وعولمة أزمة كورونا ، لا تزال في حال تغير وتبدل ، وفي الواقع ، على الرغم من الدعوات العالمية التي تدعو الحكومات إلى العمل معًا لوقف الحرب في طروف كورونا ، فإن سوق الصراع بين الجهات الفاعلة في الأزمة السورية يشتد مرة أخرى بعد الركود النسبي الذي شهدته مسبقاً ، حيث تسعى الأطراف إلى إعادة ترتيب نفسها لمواجهة بعضها البعض ، وبناءً عليه ، سيتم في هذا المقال ، عرض وبحث وتمحيص المحاور الأخيرة لتشكيلة الفاعلين في الأزمة السورية ضد بعضها البعض.
أزمة إدلب وتصاعد الأزمة وسط وقف اطلاق نار هش
يمكن تقييم أهم أزمة سياسية في مجال المعادلات الميدانية في سوريا فيما يتعلق بأزمة إدلب ، وفي 17 سبتمبر 2018 ، تم توقيع اتفاقية بين روسيا وتركيا باسم "معاهدة سوتشي" حول ادلب ، قبل أن تتأثر إدلب بالوضع الحالي ، وبموجب الاتفاق ، توصل الجانبان الى توافق يتم فيه اجراء دوريات عسكرية مشتركة للقوات الروسية والتركية في ادلب ، لكن في أواخر عام 2019 أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن أنقرة لم توافق على سوتشي ، مضيفةً ان الوضع في إدلب أصبح حرجًا للغاية بسبب دخول الأسلحة والذخيرة التركية إلى المدينة.
وبعد انتهاك اتفاق سوتشي ، بدأ الجيش السوري المرحلة الثانية من العمليات في الجزء الشمالي الغربي من البلاد ، بما في ذلك محافظة إدلب وضواحي مدينة حلب ، بعد التحرير الكامل لضواحي حلب في بداية العام الجاري ، وجاءت هذه العملية في الوقت الذي تم فيه تحرير مناطق مهمة واستراتيجية مثل خان شيخون ، ومعرة النعمان ، وسراقب ، حيث أثارت العملية رد فعل قوي من جانب تركيا ، وهددت أنقرة دمشق مرارًا وتكرارًا للانسحاب من الأراضي التي سيطرت عليها القوات التركية ، وإلا فإنها ستواجه انتقامًا من الجيش التركي ، ونتيجة لذلك ، فقد شهدنا ان تركيا هاجمت الجيش السوري عدة مرات ، خلافا للاتفاقيات القائمة ، وقامت باستقدام أكثر من 500 عربة مدرعة ودبابة ومدفعية و 4000 جندي الى المنطقة.
لكن نهج أنقرة هذا أثار رد فعل عنيف من قبل دمشق وروسيا ، خاصة بعد محاولات الجنود الأتراك لإسقاط مقاتلين روسيتين ، فقد رأينا أنه في 28 فبراير 2020 ، شنت المقاتلات الروسية هجمات على الجنود الاتراك من خلال عملية عسكرية ، ونتيجة لذلك ، قتل 34 جنديًا تركيًا ، وبعد تفاقم أزمة إدلب ووصولها الى الذروة ، سافر رجب طيب أردوغان إلى روسيا يوم الخميس 5 مارس لمناقشة القضايا المتعلقة بسوريا وتحدث مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين لمدة خمس ساعات و 40 دقيقة ، حيث تمخض هذا الاجتماع إلى اتفاق آخر ، وبعبارة أخرى تلخص الاجتماع عن إعلان لوقف إطلاق نار بين الجانبين.
ولكن يبدو منذ البداية أن هذا الاتفاق هو نوع من وقف إطلاق النار المؤقت ولا يحمل في طياته الكثير من الاتساق ، لأنه منذ البداية ، لم يكن على تركيا التزام بإنهاء وجود الجماعات الإرهابية في إدلب ، ولكن الأوضاع الناجمة عن تفشي فيروس كورونا في العالم كان سبباً في انطفاء أضواء الحرب نوعاً ما ، وفي الوقت الحاضر ، مع تلاشي وانخفاض حدة الأزمة التي تسبب بها فيروس كورونا ، فإننا نشهد ارتفاعاً في حدة المواجهات ، حيث كانت هناك عدة هجمات متبادلة في الأيام الأخيرة بين قوات الجيش السوري ومسلحي هيئة تحرير الشام في الضواحي الشمالية الغربية لإدلب ، وبشكل عام ، يبدو أننا سنشهد استمرار الأزمة في هذا البلد خلال الشهور القليلة المقبلة.
تصاعد توتر العقوبات بين الولايات المتحدة والصين وروسيا في سوريا
ومن ناحية أخرى ، أصبحت سوريا مؤخراً منصة وساحة ً للولايات المتحدة الامريكية لتسوية حساباتها مع مجلس الأمن ، وخاصة مع الصين وروسيا ، وتستند الأحداث إلى حقيقة أن الولايات المتحدة الامريكية تعتزم استخدام الابتزاز السياسي ضد روسيا والصين في مجلس الأمن تحت ذريعة ممانعة هذه الدول لايصال المساعدات الإنسانية للشعب السوري ، وفي المقام الأول ، إضفاء الشرعية على دورها في التدخل في التطورات السورية وتستره تحت غطاء النوايا الإنسانية الحسنة ومن ناحية اخرى ، احباط الانتقادات واسعة النطاق من روسيا ودمشق لعرقلة العقوبات الأمريكية من أجل الحصول على المساعدات الإنسانية ، وفي هذه الأثناء ، من دون اتخاذ خطوات لخفض العقوبات المفروضة على دمشق لإثبات صدقها في الدفاع عن الشعب السوري ، فإن واشنطن تضغط من أجل إعادة فتح المعابر في الشمال الشرقي السوري ، والتي لا تملك الحكومة السورية أي سيطرة عليها فعليًا ، الامر الذي يتيح لواشنطن مزيداً من الحضور والتدخلات المستقبلية لضمان استمرار الأزمة في سوريا.
وفي هذا الصدد ، هاجم السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة قرار مجلس الأمن 2504 ، الذي يهدف إلى تقليل منافذ إيصال المساعدة إلى سوريا ، وألقى باللوم في نقص الامداد بالمساعدات الإنسانية على الإجراءات التي اتخذتها روسيا والصين لمنع إلغاء هذا القرار ، وشدد على أن الحكومة الأمريكية ستدعو المجلس مرة أخرى إلى اتخاذ إجراءات فورية لزيادة منافذ إيصال المساعدة لسوريا ، بما في ذلك إعادة إصدار تصاريح لاستخدام معبر العربية ، كما دعت "كيلي نايت كرافت" روسيا إلى التخلي عن سياستها الراهنة والسماح للمساعدات الإنسانية المؤقتة بعبور الحدود وإرسالها إلى شمال شرق سوريا.
وقد قوبلت تصريحات المسؤول الأمريكي هذه بردود فعل قوية من المسؤولين الروس والصينيين ، ورداً على كرافت ، دعا السفير الصيني لدى الأمم المتحدة "تشانغ تشون" الولايات المتحدة الامريكية إلى التركيز على الجهود العالمية المبذولة لمكافحة فيروس كورونا والتخلي عن الألعاب السياسية ، وأضاف تشانغ تشون أنه يجب على الولايات المتحدة الامريكية أن تسعى أيضًا إلى إنقاذ الأرواح البشرية وعدم القاء مسؤولياتها على عاتق الدول الأخرى.
في غضون ذلك ، أكد الممثل الدائم لروسيا لدى الأمم المتحدة ، طفاسيلي نيبينزيا" في سياق الاجتماع المذكور ، على ضرورة التعاون مع دمشق في نقل المساعدات الإنسانية بدلاً من إعادة فتح المعابر الحدودية لايصال هذه المساعدات ، وقال للغرب: "لا تقضوا وقتكم في محاولة إعادة فتح المعابر المغلقة ، وينبغي أن نطلب من هيئة الأمم المتحدة لادارة المساعدات الإنسانية أن تعمل مع دمشق لإيجاد سبل لنقل المساعدات عبر المعابر الحدودية المفتوحة على الأراضي السورية نفسها" ، كما أشار نبينزيا إلى أن آلية نقل المساعدة عبر الحدود إلى مناطق خارج سيطرة النظام السوري هي آلية مؤقتة.
ويُظهر مجموع هذه الاختلافات بين أكبر ثلاث قوى عسكرية في العالم أنه في المستقبل القريب ، لن تنخفض التوترات بين الجانبين بشأن الأزمة السورية فحسب ، بل ستزداد أيضًا بطريقة جديدة ، وإن الاستخدام الأمريكي لهذه الأزمة كأداة سيكون له حتما تأثير لا يمكن إنكاره على مستقبل المعادلة السورية.
استمرار أزمة دمشق مع الأكراد السوريين
ثمة هناك أزمة أخرى في سوريا يمكن أن تتفاقم في الوضع الجديد ، وهي البحث المستمر لسيطرة الأكراد على أجزاء من البلاد ، حيث انه منذ بداية عام 2011 ، ونتيجة للفراغ الذي نشأ في المناطق الشمالية من البلاد ، تمكن الأكراد من السيطرة على أجزاء من المناطق الشمالية من البلاد ، وخاصة في محافظة الحسكة الشمالية الشرقية ، من خلال تشكيل مجموعات مسلحة في وقت أبكر بكثير مما كان متوقعًا ، كما استمر هذا الاتجاه في السنوات التي تلت عام 2014 بدعم مباشر من الأمريكيين للأكراد ، ونتيجة لذلك رأينا أن الأكراد أنشأوا ثلاثة تقسيمات إدارية "كانتونات" في الجزيرة ، وكوباني وعفرين.
واستمر التقدم الكردي في سنوات ما بعد 2014 ، حيث سيطروا على أجزاء كبيرة من محافظتي حلب والرقة في عام 2015 ، لكن الفتح الكبير وقع في عام 2016 ، أدى الى سيطرة الأكراد ، وبدعم أمريكي ، على الرقة عاصمة تنظيم داعش في سورية ، ثم دخل الأكراد إلى المناطق الغربية من نهر الفرات وسيطروا على مدينة منبج ، لكن الأيام الجيدة للأكراد ، انتهت مع غزو تركيا للشمال السوري وتنفيذ ثلاث عمليات عسكرية تحت مسمى "درع الفرات" و "غصن الزيتون" و "نبع السلام" ، والتي ألحقت خسائر فادحة بالأكراد وتمكنت من سلب كانتون عفرين في شمال غرب سوريا من الاكراد.
وفي النهج الجديد ، يبدو أن الأكراد ما زالوا يصرون على أن يكون لديهم نوع من الحكم الذاتي في المناطق الخاضعة لسيطرتهم ، لكن الحكومة المركزية السورية لا توافق على ذلك على الإطلاق ، وفي الأشهر المقبلة ، يمكن أن تصبح قضية التفاعل الكردي مع الحكومة المركزية بالتأكيد تحديًا كبيرًا بين البلدين.