الوقت- مأساة الفلسطينيين تُعاد اليوم ذاتها، ولكن بشعبٍ مُختلف وبِقاتلٍ مُختلف ومكانٍ مختلف، فالتهجير ذاته؛ والقتلُ ذاته، مع اختلاف المُبررات، قبيلة الحويطات المُقدّر عددها بعشرين ألف إنسان تُعاني اليوم خطر التهجير لبناء حلم أسطوري من بنات أفكار ولي العهد السعودية محمد بن سلمان، فمدينة نيوم الجديدة، والتي اقتباسها من مزيج من الكلمة اليونانية لكلمة "جديد" ويُغطي هذا المشروع مساحة بحجم فلسطين وتقع في أقصى شمال ساحل البحر الأحمر في الجزيرة العربية.
تهجير قسري
يقول أحد أفراد عائلة آل سعود إنّ الرائج في السعودية هي أن الناس يجب أن يقبلوا بما تُقرره الحكومة شاءوا أم أبوا، ولكنهم عادة ما يقبلون لأن الحكومة تُقدم تعويضات سخية، أما اللذين لا يُوافقون.. فإنهم سيرضخون في النهاية، يُلخص هذا الخطاب العقلية التي يُمارس من خلالها آل سعود سلطتهم على أبناء نجد والحجاز.
أبناء قبيلة الحويطات وهي المُمتدّة على ثلاث دول (مصر، السعودية والأردن) يعلمون عِلم اليقين أنّ مدينة نيوم وفي حال كُتب لها الظهور على وجه الأرض فإنّها ستقوم على دمائهم وعظامهم، خصوصًا وهم العالمون أكثر من غيرهم أنّ عائلة آل سعود ومنذ تسلطها على حكم جزيرة العرب، أخذت بتدمير المجتمعات المحليّة وفرضت السيطرة على أراضي السكان الأصليين من خلال مشاريع البناء وهو ما رافقه من تدميرٍ للمواقع التاريخية والتراثية.
أكثر من ذلك؛ فهذه المدينة المزعومة، وفي حال بنائها فإنّ أبناء هذه القبيلة سيكتفون بالنظر إليها من بعيد، فلن يُسمح لهم بالدخول، فهم وكما يقول آل سعود (بدو ورعاة) أمّا المدينة فستكون مدينةً حديثة وتكنولوجيّة، إنها مدينة للسياح والأشخاص الذين يمتلكون المال، ولكن ليس للسكان الأصليين الذين عاشوا هناك يومًا ما، كما لن يُسمح لأبناء الحويطات بالعمل فيها أو على أقل تقدير في تشييدها، فنظام آل سعود قد استقدم عمال من غير السعوديين لإنشاء هذه المدينة، مُتناسيًّا ملايين العاطلين عن العمل من أبناء الجزيرة العربية.
لن نُغادر
بداية لا بدّ أنّ نعرف أنّ قبيلة الحويطات عاشت في المنطقة منذ مئات السنين، كما ذكرها (T.E. Lawrence) (لورنس العرب) في مُذكّراته، وهو الذي عمل مع شيوخ خلال ما بات يُعرف بالثورة العربية الكبرى إبّان الحرب العالمية الأولى، إذن فالقبيلة موجودة هناك قبل أن يحلم سعود الأول بالسيطرة على هذه المنطقة وهي التي كانت تخضع لسيطرة الشريف حسين بن علي.
واليوم؛ بات حال أبناء قبيلة الحويطات اليوم كـ (عينٍ تُقاوم المخرز) هم يعلمون جيدًا أنهم سيكونون الخاسرين في مواجهة آلة أبناء سعود الأمنية، وعلى الرغم من هذا فإنّهم سيُقاومون، وفي سبيل بقائهم في أرض أجدادهم؛ حاولوا التفاوض مع سلطات آل سعود للتوصل إلى حل وسط يسمح لهم بالاستمرار في التمتع بأراضيهم دونما أن يؤثروا سلبًا على بناء مدينة نيوم، غير أنّ أمير مدينة تبوك أكّد لهم أنه لا يستطيع مساعدتهم في الدفاع عن أراضيهم بوجه ابن سلمان.
ليبدأ بعدها أبناء القبيلة حملة على وسائل التواصل الاجتماعي مؤكدين خلالها بأن مشروع نيوم لا يجب أن يتحقق على حساب منازل أجدادهم، وأكد بعض النشطاء بلهجة يملأها التحدي أنّهم يرفضون بشكل قاطع تعويضات الحكومة وأتّهم يرفضون الترحيل.
واليوم وبينما ينشغل العالم كله بمحاربة فايروس كورونا، بدأت سلطات آل سعود في عمليّة تهجير قسري لقبيلة الحويطات باستخدام العنف المفرط، ليُقتل على إثر هذه الحملة المواطن السعودي عبد الرحيم الحويطي نتيجة رفضه إخلاء منزله، كما أنّه نشر مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يتحدث فيه عن رفضه لعملية الترحيل، وقال بأنّه يعلم أنّ مصيره القتل بسبب مواجهته لابن سلمان.
سراب نيوم
المُطّلع على وثائق مدينة نيوم والتي تم تسريبها العام الماضي، يعلم جيّدًا أنّها مدينة من الخيال، لن يتمكن آل سعود وفي ظل الانهيار الاقتصادي الذي تشهده بلادهم من بناء هذه المدينة، فهي وكما تقول الوثائق تتضمن قمرًا صناعيًا ضخمًا وشواطئ متوهجة في الظلام، وسيارات أجرة تعمل بطائرات بدون طيار وخادمين آليين لتنظيف منازل السكان وحديقة على طراز "الحديقة الجوراسية" التي يملأها الديناصورات الآلية المتحركة.
المشروع الذ تمّ الإعلان عنه في العام 2017، يواجه اليوم صعوبات جمّة في جذب المستثمرين، ويقول مُراقبون إنّهم لن يتفاجؤوا بعدم وصول المُستثمرين، خصوصًا وأنّ المملكة تواجه اليوم وضعًا اقتصاديًا صعبًا، ناتج عن انخفاض أسعار النفط بشكل قياسي وزيادة الضغوطات الديموغرافية بمملكة آل سعود.
أكثر من ذلك؛ فبالإضافة للـ 500 مليار المُقررة لبناء المدينة فإنّ آل سعود لن يكون لديهم أموال كافية لتوزيعها لإرضاء المواطنين السعوديين الذي سيتمُّ تهجيرهم من أراضيهم، الأمر الذي سيؤدي إلى تآكل العقد الاجتماعي بين الحكام والمحكومين، خصوصًا وأنّ مجتمع الجزيرة العربية مُكوّن من القبائل التي ستقف بوجه ابن سلمان.
أكثر من ذلك؛ فإنّ مدينة "نيوم" مصممة لجذب الزوار والسيّاح الأجانب إلى الجزيرة العربية المعروفة بمجتمعها المُحافظ، ولا يتوقع أن يستفيد منه السكان المحليون أبدًا.