الوقت- ثلاثية التدمير والتخريب، صانعها واحد وأدائها واحد والهدف منها واحد، انها الصهيونية التكفيرية والأنظمة العائلية الحاكمة. هذه الثلاثية وحّدة وجع الشعوب ومصيرهم، فمن فلسطين مرورا الی اليمن و سوريا والعراق، جميع الشعوب اتّفقت واتّحدت على ضرورة مواجهة هذه الثلاثية التدميرية التخريبية. في السابق كانت شعوب العالم العربي والإسلامي تنتظر أنظمتها الحاكمة لتتحرّك بجيوشها نحو المواجهة، واليوم باتت الشعوب تدرك جيداً أنه لا سبيل للمواجهة إلا بالمقاومة الشعبيّة، وهذا بدأ ترجمته يظهر بوضوح منذ سنوات إن كان في فلسطين و العراق وسوريا الذي تمكن شعبيها خلال السنوات الماضية من ضرب مشروع التخريب والتدمير فيها، إلى اليمن الذي وقف شعبه وقفة صامدةٍ بوجه مخطط قوى العدوان والغرب الإستعماري.
قوى عربية مشتركة بين الماضي والحاضر
في العام 1958 للمیلاد انشأ الرئيسين المصري والسوري جمال عبد الناصر وشكري القوتلي ما سمي بالجمهورية العربية المتّحدة والتي كان يراد لها أن تشمل دول عربية أخرى تفككت عن بعضها بفعل الإستعمار. هذه الجمهورية المتحدة هدفها كان تجميع القوى العربية لمواجهة التحديات والمخاطر لا سيما خطر الكيان الاسرائيلي الذي احتلّ فلسطين، الجمهورية هذه دامت لمدة ثلاث سنوات فقط، اليوم يعود الحديث عن قوى عربية مشتركة لكن هذه المرة يأتي هذ الطرح جالباً علامات استفهام كثيرة، فصحيح أن الأهداف المعلنة منه هو مواجهة التحديات التي تواجه المنطقة، إلا أن السؤال الأبرز والذي يختصر القضية يكمن في تفسير التحديات من وجهة نظر الأنظمة العائلية الحاكمة في منطقتنا. وماذا سيكون للأقصى من نصيب في حال تشكيل الجيش العربي الموحد؟ ولماذا تم تغييب هذا الموضوع لسنوات طويلة بالرغم من كل التحديات والمشاكل التي خلقها الكيان الاسرائیلی في منطقتنا؟ ومن ثم لماذا يعاد طرحه اليوم مجدداً؟
الجيش العربي المشترك بين مطلب الشعوب ومخطط الأنظمة
الفوضى الحالية التي يشهدها عالمنا العربي والإسلامي هي بلا شك وليدة المخطط الأمريكي الصهيوني المبرمج مسبقاً، هدفهم الأول والأخير جعل الصراعات في منطقتنا قائمة وحيّة بهدف ضرب أي سبيل للوحدة من جهة وإلهاء الشعوب عن واقعها من جهة أخرى، هم في سبيل ذلك استخدموا كل الوسائل، فبعد أن أثبت الإحتلال المباشر فشله كما في العراق مثلاً، وجدوا في جماعات التدمير والتخريب التي غزوها سبيلهم لذلك، هذه المخططات لا سبيل إلى تغذيتها واستمراريتها بالمفهوم الغربي الإستعماري إلا بدعم الأنظمة العائلية الحاكمة التي تُعدُّ النموذج الأمثل لهم لضرب أي خيار ديمقراطي ممكن أن يبصر النور، لكن الخطر الأكبر الذي استشعره الغرب الإستعماري من جهة والأنظمة العائلية الحاكمة من جهة أخرى تمثّل بيقظة شعبية كادت أن تهدد العروش وتسقط الملوك، ولهذا وجدت الأنظمة الحاكمة ضرورة انشاء قوة مشتركة بين هذه الأنظمة تضع حداً لأي ثورة شعبية ضدهم، وتقمع أي مطلب شعبي محق.
أمثلة وشواهد
الجيش العربي المشترك ليس بعيد الملامح عن ما تشكل بين النظام السعودي والبحريني والأماراتي في البحرين، فبعد أن شهد البحرين جو شعبي مطالب بحقوقه التي تمثّلت بإشراكه في الوظائف وآلية الإدارة في البلاد، وفتح الأفاق أمامه للتعبير عن رأيه ومنهجيته، وبعد أن استشعر النظام العائلي الحاكم في البحرين بأن الشعب البحريني أصبح يشكل خطراً على بقائه، جاء دور ملامح الجيش العربي الأولى والتي قمعت الشعب وشكّلت انموذجاً للتعدي والتدخل في شؤون الشعوب. الجيش العربي الموحد كان أيضاً انموذجاً في اليمن، فبعد أن لمحت في الأفق بوادر اجماع اليمنيين على صيغة مشتركة وموحدة لإدارة البلاد، جاءت القوى المشتركة بإدارة سعودية لتنسف مبدئ الحوار وتحييد الملف اليمني عن دائرة الحل السياسي، ومشاهد الدمار للبنى الإقتصادية والتحتية والقتل بحق الجيش اليمني وشعبه والتشكيلات المساندة كلها من انتاج القوى العربية المشتركة من وجهة نظر الأنظمة العائلية الحاكمة.
الجيش العربي الموحد من وجهة نظر الأنظمة العائلية الحاكمة نتاجه أيضاً بان في العراق وسوريا، فجماعات التدمير والتخريب وإن كانت نتاج وصنع الغرب الإستعماري بشكل رئيسي، إلا أن الدعم والتمويل عربي بامتياز، وما حققته على مرّ السنوات السابقة ولا زالت تؤديه من تهجير وقتل ونهب وسرقة وما إلى هنالك من وظائف تدميرية تخريبية لا تختلف أبداً عن ما يحدث في اليمن والبحرين. أما فلسطين التي تقع تحت الإحتلال ولأكثر من ست عقود، وعلى الرغم من أفظع المجازر التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني كان مثالها العدوان على غزة، فلم نجد للجيش العربي الموحد أي نتاج. وفی یوم الاحد عندما اقتحم أكثر من 50 جندياً اسرائيلياً للمسجد الأقصى والذي لا زال مستمرا حتى اليوم وما خلفوه ويخلفوه نتيجة الإطلاق الكثيف للقنابل والرصاص اتجاه المصليين فيه من تدنيس للمكان الذي يعد قبلة المسلمين الثانية ناهيك عن أعداد الشهداء والجرحي وإحراق بعض محتوياته وتهشيم عدد من نوافذه، هذا الإعتداء والذي وصف بأنه الإعتداء الأكبر منذ جريمة احراق المسجد في العام 1969 للمیلاد لم نرى في مقابله أي تحرك ونتاج لقوى عربية ولا حتى لجهود عربية ولو حتى اعلامية منها.
مجدداً اسئلة برسم الإجابة
لو كان الدعم الذي تقدمه الأنظمة العربية للجماعات التدميرية التخريبية، أو الإنفاق الذي تبذله في عدوانها على اليمن مقدماً للشعب الفلسطيني ومقاومته، هل كانت فلسطين لا زالت قيد الإحتلال؟ ولو أجرت الأنظمة العربية ضغوطاتها على أمريكا وأوروبا الداعمين للكيان الإسرائيلي من خلال ورقة النفط القوية التي تملكها، ألم يكن ذلك كفيلاً بوضع حدٍّا للسياسات الداعمة للكيان؟ وألم يكن ذلك كفيلاً بجعل الكيان يفكر بالبقاء محتلاً للأراضي الفلسطينية بدلاً من الرجوع إلى موطنه الأساس؟ وألم يكن ذلك كفيلاً بجعل الكيان يفكر ألف مرة قبل الإقدام على تدنيس المسجد الأقصى والتعرض لمصلّيه؟ لماذا لا تعطل الأنظمة العربية السفارات الاسرائيلية التي نشأت على أراضيها بعد الإعتداء الأخير؟ لماذا تعاونت الأنظمة العربية مع المحور الغربي الإستعماري على تخريب الدول التي كانت تحمي فلسطين وشعبها؟ الخلاصة أن الشعوب العربية والمسلمة بإنتظار اقدامات عمليّة وليس شعاريّة. الأقصى وشعبه بإنتظار القوى والجيوش العربية المتحدة التي تكون أولويتها الأولى والأخيرة تحرير فلسطين والأمة العربية والإسلامية من قيد الغرب الإستعماري.