الوقت- لاتزال الأوضاع في لبنان تتأرجح على شفا الهاوية، في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية التي أرخت بظلالها على معيشة المواطنين والتي انعكست بدورها على المشهد السياسي، الأمر الذي عمق الخلاف بين الأفرقاء اللبنانيين لينتج عن ذلك مظاهرات شعبية عمت أرجاء لبنان قبل عدة أشهر لتعود وتتجدد هذه المظاهرات والاحتججات قبل أيام في كل من طرابلس وصيدا على وجه التحديد، وما ان بدأت هذه الاحتججات حتى بدأت الطبقة السياسية تبادل الاتهامات فيما بينها، لتبقى الأزمة على ما هي عليه دون وجود اي حل يلوح في الأفق.
أحدث أعمال العنف
شهد اليومين الماضيين اعمال شغب وعنف في كل من صيدا وطرابلس، وقعت بين الجيش والمحتجين، نتج عنها اصابة العشرات من كلا الطرفين وقتيل شاب يبلغ من العمر 26 عام، ووقعت عمليات كرّ وفرّ في الشوارع المحيطة بـ"ساحة النور"، بعد أن أحرق بعض المحتجين آلية للجيش، ممّا دفع عناصره إلى إطلاق النار في الهواء وقنابل غاز مسيلة للدموع من أجل تفريق المحتجين.
وقد أقدم المحتجون على إحراق عدد من فروع المصارف التجارية في طرابلس وصيدا والبقاع، واستهداف فروع للبنك المركزي في صيدا وطرابلس بالقنابل الحارقة والمفرقعات.
وما زال عناصر الجيش والأمن يحرسون المصارف في طرابلس بعدما أحرق الغاضبون أمس ثلاثة منها، كما هوجمت بعض الفروع.
وأعرب الجيش اللبناني عن أسفه لسقوط القتيل، وقال في تغريدة على تويتر إنه فتح تحقيقا لمعرفة ملابسات الحادث، مؤكدا احترامه لحق التعبير عن الرأي، شرط ألا يأخذ التحرك "منحى تخريبيا".
كما قال الجيش في بيان إن 54 عسكريا أصيبوا بجروح خلال المواجهات في طرابلس وعدد من المناطق اللبنانية الأخرى، وأكد توقيفه 13 شخصا لقيامهم "بأعمال شغب" وإحراقهم ثلاثة مصارف.
من جهته، انتقد نعيم قاسم نائب زعيم حزب الله اللبناني المصرف المركزي بسبب الانخفاض القياسي لليرة مقابل الدولار، وقال إن حاكم المصرف رياض سلامة يتحمل المسؤولية جزئيا، وذلك بعد أيام من انتقاد مماثل لسلامة وجهه رئيس الوزراء حسان دياب.
المواطنين اللبنانيين يعانون من تردي الأوضاع المعيشية منذ عدة أشهر، وما زاد الطين بلة انتشار فيروس كورونا في لبنان، حيث فقد الناس وظائفهم وترك أغلبهم بلا أي دعم ومعونة ومساعدات لهم ولعائلاتهم، سواء من قبل الحكومة أو "فاعليات المدينة". الأخيرون اجتمعوا في 14 نيسان الجاري في معرض رشيد كرامي الدولي للبحث في وضع "خطة" لإغاثة الفقراء والمحتاجين من أبناء المدينة، واتفقوا بعد مناقشات على تشكيل لجنة متابعة لهذه الغاية. إلا أن هذه اللجنة تأخّر تأليفها 5 أيام بسبب خلافات حول أعضائها.
يضاف إلى ذلك أنّ التناتش والتناحر بين القوى السّياسية والمالية في ضوء الانقسام السّياسي وتدهور سعر الليرة اللبنانية أمام الدولار، جعلهم يجدون كالعادة في طرابلس ساحة مناسبة لهم لتبادل الرسائل الساخنة فيها، وخصوصاً أنّ الأرضية فيها جاهزة لهذا الغرض، كما أنّها ساحة مفتوحة أمام كل القوى، ولو بنسب مختلفة، فضلاً عن معلومات وصلت إلى أكثر من جهاز أمني واطلع عليها سياسيون، أفادت بأنّ "شيئاً ما" يتم تحضيره في طرابلس.
من جهته انتقد رئيس الحكومة حسان دياب حاكم البنك المركزي رياض سلامة، ووصف عمله بأنه يتسم بالغموض إزاء تدهور سعر صرف العملة الوطنية، وأن أكثر من خمسة مليارات دولار أخرجت من البلاد بين يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط من العام الحالي، مما فاقم الأوضاع المالية في لبنان.
حديث رئيس الحكومة -الذي اعتبرت أوساط سياسية في لبنان أنه الأول من نوعه ضد حاكم البنك المركزي- سرعان ما أجاب عليه الحاكم رياض سلامة في رسالة موجهة للبنانيين.
وأكد سلامة أن مصرف لبنان المركزي يلتزم بالقوانين فيما يتعلق بتمويل الدولة، قائلا إنه سلم شخصيا إلى رئيس الحكومة حسابات المصرف المركزي.
وأوضح أن البنك المركزي مول الدولة لكنه لم يصرف هو الأموال، داعيا مؤسسات الدستورية والإدارية إلى تولي الكشف عن كيفية الإنفاق.
الشعب يطالب بإقالة سلامة
في وقت لا تزال وتيرة الاحتجاجات الشعبية تتصاعد في لبنان، ارتفعت الأصوات المنادية بإقالة حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، وهو مطلب ظهر كثيراً منذ بدء ثورة 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، ولكنه تزايد في الاحتجاجات التي عادت بعد أكثر من شهر من الركود بسبب الحجر الصحي، لسبب بسيط هو تأزم الواقع المعيشي والاقتصادي في لبنان أكثر.
فترات طويلة، لعب مصرف لبنان أدواراً ساهمت في إعادة تشكيل الاقتصاد اللبناني على صورته المأزومة اليوم، خدماتي المنحى (مصرفي وسياحي)، عن سابق إصرار وتصميم.
ولكن في الأعوام الأخيرة، لعب المصرف المركزي دور الوسيط الذي يأخذ المال من المصارف ويعطيها للدولة اللبنانية، ما سمح للأخيرة بالاستدانة أكثر فأكثر، وكان يتم صرف أموال المركزي على تسديد الدين العام وتثبيت سعر صرف الليرة. إلا أن المشكلة تفاقمت حين لم يعد بمقدور الدولة ردّ الأموال للمصارف وبالتالي لم يعد بمقدور المصارف أيضاً إعطاء المودعين أموالهم.
هذه التغيّرات أدّت إلى عدم تمكّن المودعين من سحب أموالهم من المصارف، وتقييد عمليات السحب وفق قرارات استنسابية مختلفة.
ويعتبر أحد المحللين الاقتصاديين "أن المشكلة بدأت حين قرر المصرف المركزي أن يموّل عجز ميزانية الدولة اللبنانية بزيادة حجم الكتلة النقدية، بالتوازي مع تثبيت سعر الصرف، وهذا أمر مستحيل، فخسرت العملة قيمتها".
ونفّذ سلامة في السنوات الماضية العديد من "الهندسات المالية" التي أدت إلى منح المصارف مبالغ كبيرة بالليرة اللبنانية مقابل منحه الدولارات التي استقطبتها من الخارج، وذلك بأسعار فائدة مرتفعة جداً، خلال هذه الفترة، لعب المصرف المركزي دور الملاك الحارس للمصارف ولملم خسائرها بدل معاقبتها على استثماراتها المتهورة، ما أدى إلى خروج موجة من الانتقادات بين لبنانيين اعتبروا أن ما يقوم به "تنفيعة" مقدمة إلى المصارف التي تراكمت في جعبتها أرباحاً هائلة من جيوب اللبنانيين، على مدار نحو 30 عاماً.