الوقت-قام مركز الدراسات الشرقية التابع للأكاديمية الروسية للعلوم بدراسة حرب أسعار النفط بين روسيا والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة في مقال بقلم فلاديمير كوليكوف، أحد كبار الخبراء في المعهد وكتب فلاديمير: يبدو ان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، اقتضم لقمة أوسع من فمه، فيما يخص الحرب مع بوتين حول أسعار النفط. ومع ذلك فإن روسيا دولة ذات اقتصاد حقيقي حيث يعمل الناس بجد ولا يحتاجون إلى العمالة الوافدة والأجنبية.
تعد المملكة العربية السعودية واحدة من اللاعبين الرئيسيين في السوق العالمية للوقود الأحفوري، وتتمتع السعودية بثروة ونفوذً كبيرين لكنها تعاني في الوقت الحالي من أزمة حادة. وبعد الاستقرار الشكلي للمملكة العربية السعودية، حصلت انقسامات عميقة، وعدم رضا داخل العائلة الحاكمة بالإضافة الى توترات اجتماعية. بل وأدى ارتفاع معدل البطالة بين الشباب، وانتشار الفقر، والتوترات ليس فقط بين العائلة المالكة، ولكن أيضًا بين المسلمين السنة والشيعة في البلاد، الى إثار الشكوك حول قدرة الحكام السعوديين على الحفاظ على الاستقرار داخل البلاد والحفاظ على السلطة على المدى الطويل.
واعتمد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان آل سعود على برامج مثل رؤية السعودية لعام 2030 والوعود حول الحداثة والإصلاح الأساسي. ومع ذلك، ليس من السهل إجراء تغيير داخل مجتمع ديني محافظ،، وان الخطوات المشكوك فيها الأخرى التي قام بها محمد سلمان تؤدي فقط إلى تفاقم الوضع. وقد تندلع التوترات التي تراكمت منذ فترة طويلة في المجتمع السعودي المنغلق في أي لحظة لأسباب عديدة. في حين ان بعض الناس غير راضين عن التغييرات المتسرعة المقترحة من قبل الأمير السعودي، والبعض الآخر غير راضين عن بطء هذه التغييرات.
المملكة العربية السعودية في منعطف حاسم
يشير تقرير مركز الدراسات هذا، ان المملكة العربية السعودية تمر حاليا بمرحلة حرجة حيث تدهور اقتصاد البلاد ومستوياتها المعيشية بسبب انخفاض أسعار النفط الخام؛ ومن جانب أخر فشلت الحرب ضد اليمن وكذلك حصار قطر . كما لا يزال الحديث حول العرش السعودي المتهالك موضع تساؤل.
بالإضافة إلى ذلك، أثرت المشاكل الشخصية لولي العهد سلبًا على علاقاته بواشنطن. ويعتقد كاتب المقال فلاديمير، أن محمد بن سلمان "راهن على الحصان الخاسر" خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وعلى الرغم من أنه معروف بمهارته وإتقانه للسياسة السرية، إلا أن علاقته مع داعمه الأكبر، اي الولايات المتحدة تدهورت بعد هزيمة الديمقراطيين في انتخابات 2016.
ويرى الكاتب، ان دونالد ترامب لم ينس الدعم الكبير الذي قدمه ولي العهد السعودي لمنافسه، بل أن ترامب حاول على ما يبدو إثارة انقلاب في السعودية في خريف عام 2017. وكان الغرض من الانقلاب هو تنصيب ولي عهد أكثر ولاء لترامب في السلطة. وكانت خطوة دونالد ترامب هذه الأولى نحو الإطاحة بالعرش في المملكة في نوفمبر 2017.
وعندما أصبح محمد بن سلمان ولياً للعهد، قام بعد بفترة قليلة من تنصيبه، بإلقاء القبض على 11 شخصا من الأمراء وأربعة وزراء في الحكومة آنذاك وعشرات من الوزراء ورجال الأعمال السابقين وشخصيات قوية أخرى في ذلك الوقت. وكانت تهمة إعتقالهم الرسمية هو الفساد، لكن الحقيقة انهم اعتقلوا لتنظيمهم مؤامرة انقلاب. وأفادت وسائل الإعلام السعودية آنذاك على الفور أن لجنة جديدة لمكافحة الفساد شرعت في التحقيق في الاعتقالات. وتم احتجاز معظم المعتقلين لمدة 100 يوم في فندق ريتز كلايتون، أفخم فندق بالعاصمة، ولم يُفرج عن هؤلاء الأشخاص من السجن إلا بعد أن وافقوا على دفع تعويضات للحكومة، وقد فاقت هذه المبالغ 100 مليار دولار.
ومع ذلك، اندلعت اضطرابات أخرى في 6 مارس 2020 ، أي عمليًا في نفس اليوم الذي فشل فيه وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك ونظيره السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان في الاتفاق على إنتاج النفط. وخلال ذلك اليوم، تم اعتقال عدد من الأمراء والرجال الأقوياء (ما مجموعه 300 شخص) مرة أخرى بتهم الفساد.
وكان من بين المعتقلين الأمير محمد بن نايف آل سعود، ابن شقيق الملك سلمان وابن عم ولي العهد، وأحمد بن عبد العزيز آل سعود، وزير الداخلية السابق والشقيق الوحيد للملك السعودي الحالي، والذي كان من المفترض وفقا لقواعد العائلة الحاكمة، ان يرث المناصب قبل الأمير محمد بن سلمان. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن الأمير نواف بن نايف كان ثالث المعتقلين. ويعد أحمد بن عبد العزيز آل سعود ذو الـ 78 عامًا، أحد ثلاثة أفراد من العائلة المالكة الذين عارضوا تنصيب محمد بن سلمان وليا للعهد في يوليو 2017. ومن بين 34 عضوًا في هيئة البيعة السعودية، الذي يضم المتبقين من أبناء ابن سعود (مؤسس المملكة العربية السعودية وأول ملك لها) وكذلك يضم الورثة من الدرجة الأولى، صوّت 31 شخصا فقط لصالح تنصيب محمد بن سلمان وليا للعهد وامتنع ثلاثة أخرون عن التصويت.
ولا يزال أحمد بن عبد العزيز آل سعود يواصل انتقاد سياسات ولي العهد. وقال مصدران لصحيفة الغارديان إن المعتقلين اتهموا بمحاولة تعيين الأمير أحمد في منصب رئيس هيئة البيعة وهو شاغر حاليًا. ومن الأشخاص الآخرين المتنفذين في أسرة آل سعود هو محمد بن نايف آل سعود، ولي العهد السعودي السابق. وترأس بن نايف رئاسة مكافحة الإرهاب لمدة 13 عامًا، حتى أنه حصل على لقب "أمير مكافحة الإرهاب". وكان محمد بن نايف آل سعود يعتبر شريكًا موثوقًا به من قبل الحكومة الأمريكية والسياسيين الأوروبيين.
لذلك فإن ابن الملك الحالي يُعد شاب خام وعديم الخبرة قياسا بالأمير بن نايف، ولهذا السبب لم يتمكن الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود من استبداله على الفور. وأمضى محمد بن نايف آل سعود معظم وقته في زيارات عمل وبالتالي تم تهميشه. ومع ذلك يبدو أن ولي العهد السابق لا يزال يرغب في تولي السلطة.
ترامب ينتقم من محمد بن سلمان
تجدر الإشارة إلى أن جميع المعتقلين لديهم علاقات جيدة مع الولايات المتحدة. لذلك، ليس من المستغرب أن تجري مناقشات داخل جماعات المعارضة السعودية حول السبب الرئيسي للاعتقالات الفورية. وبحسب مصادر غير رسمية فإن السبب الرئيسي كان محاولة القيام بمؤامرة الانقلاب من قبل المعتقلون. ويُطلق على هؤلاء الأشخاص ايضا "عملاء أمريكيون".
ووفقا للكاتب، كانت محاولة واشنطن السابقة في عام 2017 للانتقام من محمد بن سلمان بسبب رؤيته المحدودة في مجال السياسة الداخلية الأمريكية مفهومة تمامًا. لكن السبب الرئيسي لاتخاذ خطوة جديدة هذه الأيام ضد ولي العهد الحالي هو وضع النفط الأمريكي في الأسواق العالمية واستراتيجية دونالد ترامب الواضحة لتعزيز مصالح منتجي النفط الأمريكيين حول العالم.
وكانت المرحلة الأولى من الاتفاقية التجارية بين الولايات المتحدة والصين، التي تم توقيعها في يناير، هي دليل واضح على هذا الادعاء. وبالتالي، فإن أبسط حل لمشكلة الولايات المتحدة الآن هو إثارة القلاقل في المملكة العربية السعودية. ووفقًا للخطة الأمريكية، سيثني هذا الأمر، السعودية عن معارضة واشنطن فورا ويجعل الرياض أكثر مرونة للخطوات التالية في المواجهة النفطية.
من المؤكد أن الولايات المتحدة لا تستطيع إضاعة الوقت، لأنه بالنظر إلى أوضاع السوق، فإن النفط الأمريكي سوف "يكون مشبعًا بالاحتياطيات" قريبًا ويجب إنقاذه على الفور. في حيت تدفع العواطف بين النخب السعودية الآن، محمد بن سلمان إلى حرب أجنبية أخرى حول النفط.
ولي العهد السعودي غير قادر على مواجهة بوتين
أن ولي العهد يبدو الآن في وضع مختلف تمامًا، حيث لا يمتلك مجالا كبيرا للمناورة في المنطقة، ولا تزال الصراعات غير المسبوقة متسمرة في الداخل السعودي. وبالتالي، يجب أن يكون محمد بن سلمان متهورًا للغاية في حال أراد بدء مواجهة مع فلاديمير بوتين، المواجهة التي سيكون من الصعب أن يخرج منها منتصرا.
في حين ان بوتين هو أكثر استعدادًا لهذه المواجهة اضافة لكونه سياسيًا مؤثرًا جدًا في الشرق الأوسط. وقد أخطأ محمد بن سلمان في تقدير الوضع الحالي وإذا لم يغير ولي العهد السعودي بجدية سياساته تجاه الولايات المتحدة وروسيا، فابالإضافة الى أنه لن يتمكن من ادارة "حرب على أسعار النفط" مع روسيا، فإنه لن يتمكن حتى من الحفاظ على العرش.