الوقت- لم تُثنهم لا الكورونا ولا القيود الصارمة المفروضة بسبب هذا الفايروس أو حتى الإجراءات الأمنيّة المُشددة، هكذا نزل آلاف المتظاهرون إلى ساحات تل الربيع (تل أبيب) منادين بإسقاط نتنياهو المُتهم بثلاثة قضايا فساد قد تنهي مستقبله السياسي في أحد السجون كما رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت، ومُطالبين بالوقت ذاته زعيم حزب "أزرق أبيض" ورئيس الكنیست بيني غانتس بعد التحالف مع نتنياهو لتشكيل الحكومة المتوقف تشكيلها منذ أكثر من عام.
ما هي أسباب المُظاهرات؟
فايروس كورونا
كثيرةٌ هي الأسباب التي دعت مواطني الكيان الإسرائيلي إلى النزول للشوارع والتظاهر ضد نتنياهو، ومن أبرز هذه الأسباب في أيام الكورونا التي نعيشها هو ما يتصل بهذا الفايروس بحد ذاته، بعد انتشار وثيقة مُسربة تشي بأنّ حكومة نتنياهو طالبت القطاع الصحي بدولة الاحتلال بعدم إخضاع ذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى الضعفاء والمهمشين وحتى الفقراء لأجهزة التنفس الصناعي، وإبقاء تلك الأجهزة لتكون جاهزة حال إصابة أيًّ من عليّة القوم بفايروس كورونا، الأمر الذي شكل صدمة للمجتمع الإسرائيلي خصوصًا الفقراء والمهمشين منهم وهم الأكثرية حيث نزل هؤلاء إلى الشوارع مُطالبين بإحالة نتنياهو للقضاء ومحاكمته.
الوثيقة الإسرائيلية المُسربة تفصح عن حجم العنصرية الموجودة داخل المجتمع الإسرائيلي، فلم يكن ينقص تلك الوثيقة إلّا ذكر اليهود من ذوي البشرة السمراء حتى تكون جريمة مكتملة الأركان، وهو ما يُشير إلى الطريقة المنحازة في التفكير التي تقوم عليها حكومة الاحتلال لتصفية الضعفاء والفقراء والمهمشين بحجة فايروس كورونا، كما تُظهر الوثيقة طريقة التفكير التي يقوم بها ساسة هذا الكيان، فكلُّ "مواطن" لا يستطيع الإنتاج أو دفع الضرائب فهو "مواطن" من الدرجة الثانية، ولا تتكفل الحكومة لا بعلاجه ولا بطبابته.
أكثر من ذلك؛ کشفت هذه الوثيقة الوجه القبيح لکیان الاحتلال الإسرائيلي، وهنا يمكننا طرح سؤالٍ بسيط، إذا كان تعاملهم مع أبناء جلدتهم على هذه الشاكلة، فكيف بهم بالفلسطينيين الذي يُقاتلونهم من أكثر من سبعين عامًا؟.
فساد نتنياهو
الفساد الذي يُلاحق بنيامين نتنياهو يُعدُّ أحد أبرز أسباب المظاهرات المشتعلة ضدّه، ومن هنا يمكننا أنّ نفهم لُهاث نتنياهو خلال مشاورات تشكيل الحكومة إلى منع مشروع قرار من شأنّه منع من تشكيل الحكومة بعد أنّ طرحت أحزاب إسرائيلية معارضة مشروع قانون ينصُّ على منع نائب تُوجه إليه اتهامات جنائية من تشكيل حكومة أو ترأسها، وذلك في إشارة مباشرة إلى نتنياهو الذي تلاحقه تهم الفساد.
وبالإضافة إلى ما سبق؛ يبقى الخلاف بين غانتس ونتنياهو حول اللجنة المكلفة بتعيين القضاة، وهو ما يُحاول نتنياهو السيطرة عليه بهدف تعيين قضاة مُحابين له، أملاً في الخروج سالمًا من القضايا التي تُلاحقه.
أكثر من ذلك؛ فالشارع الإسرائيلي الذي يعاني وطأة الفقر والعوز؛ والذي خرج قبل أعوام قليلة بمظاهرات تجاوز عدد الحضور بها النص مليون مُشارك، يخرج اليوم إلى الشارع مُطالبًا بمحاسبة نتنياهو المتهم بتلقي رشى والاحتيال وخيانة الأمانة، ومن أبرز قضايا الفساد التي أججت الشارع الإسرائيلي ما يُعرف بقضيّة "الهدايا"، التي تضمن بالإضافة لنتنياهو عددًا من أفراد عائلته بعد التأكد من تلقيهم هدايا ثمينة جداً، تتجاوز قيمتها 310 ألف دولار، مقابل حصول دافعيها على إعفاءات ضريبية.
أما القضية الثانية تتعلق بمحادثات سرية بين نتنياهو وأرنون نوني موزيس، صاحب إحدى الصحف الإسرائيلية التي تنتقد نتنياهو بشكل دوري، حيث بحث الرجلان تقييد انتشار صحيفة "هايوم" المنافسة التي يملكها الملياردير اليهودي الأمريكي شيلدون أديلسون من خلال تشريعات وطرق أخرى مقابل تخفيف لهجة يديعوت أحرونت ضد نتنياهو.
أما القضية الأخيرة والأشد مرارة فيتهم بها نتنياهو بمنح مزايا لشركة "بيزك" للاتصالات مقابل تغطية إيجابية عنه وعن زوجته سارة على موقع إخباري يديره الرئيس السابق للشركة.
وفي النهاية يمكن القول إنّ المظاهرات التي شارك بها الآلاف تُساهم وبالإضافة إلى المشكلات التي يُعايشها نتنياهو بتعميق مسألة وصوله إلى رئاسة الحكومة التي تُعد أحد أبرز طرق النجاة له من السجن الذي ينتظره في حال إخفاقه في تشكيل الحكومة، وهو الذي ينتظر المُثول أمام المحكمة في الرابع والعشرين من أيار/ مايو المقبل، وذلك بعد تأجيل محاكمته مدّة شهرين بسبب جائحة كورونا التي تضرب المجتمع الاسرائیلی، ومن المتوقع أيضا أن لا يستطيع نتنياهو تشكيل حكومة مُفردًا، وفي أحسن الأحوال سيُشكل نتنياهو حكومة يتعاقب على رئاستها مع منافسه بيني غانتس، بعد فشله بإقناع 61 عضو بالكنيست الإسرائيلي بكفاءته لتشكيل الحكومة منفردًا.