الوقت- بعد مرور عام على سقوط حكومة عمر البشير، الديكتاتور السوداني السابق، على اثر الاحتجاجات الشعبية والانقلاب العسكري الذي حدث في 11 أبريل 2019، لا تزال البلاد تواجه أزمة اقتصادية واستياء عام. اذ تعثرت عجلة تقدم حكومة عبد الله حمدوك لتحسين الأوضاع، ومع استمرار عدم الاستقرار السياسي والتدخل العسكري في الشؤون السياسية المستقبلية، تتعرض هذه الحكومة للتهديد بطرق مختلفة. وجرت يوم الخميس الماضي مظاهرات أمام مقر الجيش، حيث طالب المتظاهرون الإطاحة بحكومة حمدوك.
ومن ناحية أخرى، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أمس، نقلاً عن مصادر عديدة في الحكومة وائتلاف الحرية والتغيير، أنهم قلقون من حدوث إنقلاب ضد حمود. وقد بذلت محاولات في الآونة الأخيرة لزعزعة استقرار الحكومة المدنية. حيث نجا حمدوك في أوائل مارس، من هجوم إرهابي في الخرطوم. ومع ذلك، فإن أسباب فشل الحكومة المدنية السودانية، على الرغم من دعم الغرب والجهات الفاعلة العربية المؤثرة ودول الاتحاد الأفريقي لها، لا تزال تثير التساؤلات.
ابتزاز أمريكي مع استمرار العقوبات
ان من أهم التحديات التي تشهدها البلاد هي ارتفاع التضخم والدين العام الكبير، إلى جانب المفاوضات مع الجماعات المتمردة والمُحتجة. في حين يزال معظم السودانيين ينتظرون في الطوابير لساعات طويلة لشراء البقالة أو ملء خزانات سياراتهم.
من أهم مشاريع حمدوك منذ توليه منصبه في أغسطس 2019 كانت محاولة تحسين الأوضاع من خلال رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية عن البلاد. ودعت الخرطوم مرارا المسؤولين الأمريكيين إلى رفع اسم البلاد من القائمة السوداء للدول الداعمة للإرهاب، وذلك لإنعاش الاستثمار والاقتصاد في السودان، لكن حكومة الولايات المتحدة رفضت حتى الآن القيام بذلك وقدمت حيال ذالك وعودا فقط.
وقد استخدمت واشنطن سياسيات البيت الابيض لفرض ضغوط على الخرطوم من أجل إشراك المجلس العسكري في السلطة باعتباره جزء متنفذ مهم، وذلك بعد ان أدركت واشنطن المحنة التي تمر بها حكومة حمدوك جراء العقوبات الاقتصادية. كما ان من الأهداف الرئيسية الأخرى للولايات المتحدة تتمثل في مواجهة القوى الاسلامية وخاصة الإخوان المسلمين. ومن ناحية أخرى، ترى واشنطن ان إلحاح حمدوك لإجراء مفاوضات حول العقوبات، فرصة جيدة لجر السودان إلى لعبتها الأمنية في المنطقة.
فمن ناحية يضغط البيت الأبيض على حكومة حمدوك والجيش، لبدء تطبيع علاقات السودان مع الكيان الصهيوني بسرعة قصوى، حيث أعلنت إسرائيل في منتصف فبراير الماضي، عن لقاء جمع عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس العسكري السوداني، مع بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الاسرائيلي في أوغندا، وصرح بعدها المتحدثً العسكري عن الجيش السوداني لقناة الجزيرة أنه تم مبدئيا الاتفاق على أن تستخدم الطائرات التجارية المجال الجوي السوداني من أمريكا الجنوبية إلى إسرائيل. وقد رفض السودان حتى الآن الاعتراف بالكيان الصهيوني.
وفي خطوة جائت لإرضاء الصهاينة والبيت الأبيض، منعت الحكومية السودانية أي نشاط لحزب الله اللبناني، أحد فصائل المقاومة العربية في المنطقة والمعارضة للتطبيع، في البلاد. وتتواصل هذه الخطوات داخل السودان وضد القوى المعارضة للغرب. اذ قرر مجلس الحكم السوداني في وقت سابق، حل مؤسسة الدعوة الاسلامية الخيرية وصادر أصولها. وتأتي هذه الخطوة تحت عنوان مكافحة الفساد من قبل مجلس الحكم السوداني. وسبب هذا القرار هو تسجيل هذه المؤسسة الخيرية لأول تصريح للبشير بعد انقلاب 1989.
لكن المنتقدين يقولون إن المجلس يستهدف كل ما يكون له صبغة إسلامية، حتى لو كانت أعمال خيرية لمساعدة المحتاجين. وفي هذا الصدد قال صلاح مناع عضو اللجنة: "ان الإسلاميين في السودان لن يعودوا إلى السلطة بأي شكل من الأشكال".
وفي حين كانت حكومة حمدوك وحتى المجلس العسكري يأملان في رفع العقوبات الأمريكية عن البلاد وفقا لوعود الأمريكيين، وتلقي مساعدات مالية ضخمة من المملكة العربية السعودية من خلال اتخاذ إجراءات ضد حزب الله اللبناني واستمرار نشر القوات السودانية في الحرب ضد اليمن، لم تتحقق أي من هذه التوقعات، ووافق البيت الأبيض فقط على رفع جزء من العقوبات الشهر الماضي ضد 157 شركة سودانية، الأمر الذي لم يكن له تأثير كبير على تحسين الوضع الاقتصادي المتدهور في السودان.
فجوة في جسم السلطة
منذ تولي الحكومة السودانية الجديدة السلطة، بذلت جهود لإدارة أزمات البلاد، بما في ذلك محاولات استئصال شبكات فساد النظام السابق، وخاصة حزب المؤتمر الوطني التابع للبشير، وإصلاح النظام القانوني العنصري في البلاد. ومع ذلك، فإن ما ألقى بظلاله على حدوث هذا التغيير منذ اليوم الأول هو استمرار وجود الشخصيات التابعة للنظام السابق في الهيكل السياسي الجديد وتأثيرها عليه.
وفي 11 أبريل 2019 ، بعد أشهر من الاحتجاجات الشعبية ضد نظام عمر البشير، أطاح الجيش السوداني بالبشير وأعلن تشكيل المجلس العسكري الانتقالي للسيطرة على البلاد. لكن هذه الخطوة لم تنه الاحتجاجات وزادت من حدة الوضع بعد هجوم المجلس العسكري العنيف على المتظاهرين.
ولم تكن شروط تشكيل حكومة جديدة ممكنة إلا باتفاق على تقسيم السلطة بين الجيش ووفد المحتجين خلال الفترة الانتقالية، لكن الشراكة في السلطة لم تقلل من الخلافات وسوء النوايا. وترى جبهة التحرير والتغيير ان الجيش يقف وراء الاحتجاجات يوم الخميس ضد الحكومة، حيث رفع المتظاهرون لافتات كتب عليها "لا لحكومة الجوع، الجيش واحد، الشعب واحد ويسقط حمدوك".
الان وبعد أن تم حظر التجوال في المدن من قبل الجيش السوداني بسبب تفشي فيروس كورونا، قالت بعض المصادر الحكومية لصحيفة نيويورك تايمز إن الثوار قلقون من سوء تصرف أعضاء النظام السابق في الجيش والمجلس العسكري للقيام بانقلاب. وقالت المصادر إن المجلس المركزي لإئتلاف الحرية والتغيير عقد اجتماعا طارئا يوم السبت وشكل لجنة لاتخاذ إجراءات احترازية في الساعات القادمة لإحباط الانقلاب.