الوقت- أصدرت ثماني فصائل من المقاومة العراقية بياناً مشتركاً، وصفت فيه الوجود الأمريكي في العراق بأنه احتلال، وأكدت أن المقاومة ستستمر حتى تنسحب هذه القوات بالكامل من العراق، وحذّر البيان من أنه في حال عدم الانسحاب، فإن الفصائل ستحوّل الأراضي العراقية إلى جحيم للمحتلين.
وجاء هذا البيان بعد أن واصلت أمريكا الإصرار على الوجود العسكري في العراق، متجاهلةً قراراً برلمانياً يدعو إلى انسحاب القوات الأمريكية من العراق. فبعد أن هزم الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي داعش وأثبتوا قدرتهم على الحفاظ على الأمن في العراق، لم يعد هناك عذر للقوات الأمريكية للبقاء في هذا البلد.
ومع ذلك، فإن أمريكا لم ترفض فقط سحب قواتها من العراق، بل انتهكت سيادة هذا البلد مراراً وتكراراً من خلال مهاجمة قواعد الحشد الشعبي.
تجدر الإشارة إلى أنه في أعقاب العملية الإرهابية التي قام بها الجيش الأمريكي لاستهداف السيارة التي تقل الفريق سليماني وأبا مهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي العراقي في بغداد، صوّت البرلمان العراقي بأغلبية ساحقة لمصلحة تمرير قرار يطالب القوات الأمريكية بمغادرة البلاد على الفور.
ومع ذلك، أصرّت أمريكا على البقاء في العراق، وسلّمت بعض قواعدها إلى القوات العراقية، لكنها تواصل تعزيز قاعدة عين الأسد في الأنبار وقاعدة الحرير في أربيل دون إذن من الحكومة العراقية، وحتى إنها نشرت أنظمة باتريوت في هاتين القاعدتين دون إذن من الحكومة العراقية.
كما قامت أمريكا بتعزيز قواتها في هاتين القاعدتين وإعادة تموضع قواتها ونقلهم إلیهما، وهددت باستهداف مراكز الحشد الشعبي إذا هاجم هذه القواعد.
يتضح للعراقيين الآن أن أمريكا تصرّ على إبقاء قواتها من أجل الحفاظ على نفوذها للتدخل في شؤون العراق الداخلية، والسيطرة على الوضع السياسي وإدارته ومنع استقلال هذا البلد.
إن الجهود الأمريكية للسيطرة على العراق، ليست مخفيةً عن أعين الناس والأحزاب السياسية والقوات الشعبية والجيش العراقي، ولهذا السبب صوّت البرلمان العراقي بأغلبية ساحقة لمصلحة طرد قوات الاحتلال، وحذّرت قوات المقاومة العراقية الآن أنه من أجل تحقيق استقلال البلاد، إذا رفضت أمريكا سحب قواتها من العراق، فإنهم سيحوّلون أرض هذا البلد إلى جحيم لقوات الاحتلال.
من ناحية أخرى، يأتي تحذير فصائل المقاومة العراقية في الوقت الذي لجأ فيه ترامب ومسؤولون أمريكيون آخرون في السابق إلى الحرب النفسية والتهديدات العسكرية لإبقاء قواتهم بشكل غير قانوني على الأراضي العراقية. لذلك، يمكن الاستنتاج بأن التهديدات العسكرية الأمريكية كانت خطأً آخر ارتكبته السلطات الأمريكية.
فإذا كانت القوات الأمريكية قد احترمت قرار البرلمان العراقي وغادرت البلاد، لكان أفضل وأكثر كرامةً لهم، بالقياس إلى الإصرار على البقاء مع التهديد العسكري، أو الفرار من البلاد بضغط من المقاومة.
أمريكا ليست في وضع يسمح لها بالانخراط في حرب تتجاوز أبعادها حدود إدراکها بكثير، وذلك بسبب الظروف الداخلية. حيث تحتاج البلاد الآن إلى 2.5 تريليون دولار لمكافحة فيروس کورونا، والعديد من قواتها أصيبوا بهذا الفيروس، والكشف عن إصابة العشرات من أفراد طاقم حاملة طائرات "روزفلت" أحد هذه الأمثلة، وعلى الأرجح هناك العديد من الإصابات التي جری إخفاؤها في هذا الصدد.
علاوةً على ذلك، فإن أمريكا تدرك جيداً أن محاربة فصائل المقاومة العراقية لا تعني محاربة جماعة، بل هي محاربة أمة بأكملها، لأن هذه الفصائل هم أبناء الشعب العراقي نفسه، الذين هزموا داعش بالتضحية بالنفس والتفاني وتوجيهات المرجعية الدينية.
من ناحية أخرى، تشير تجربة الحروب الأمريكية السابقة، بما في ذلك في أفغانستان التي باءت بالفشل وانتهت بإجراء مفاوضات مع طالبان، إلى أن الدخول في أي حرب يعني هزيمة أمريكا.
وبناءً على ذلك، يبدو أن البيان التحذيري لفصائل المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي ليس مجرد شعار، بل هو تقييم دقيق وصحيح لقدرة المقاومة وضعف الجيش الأمريكي.
وفي مثل هذه الظروف، يبدو أنه يجب التأكيد مرةً أخرى على أن أمريكا ومن خلال الإصرار على البقاء في الأراضي العراقية، ودون القدرة على الانخراط في الحرب، أقدمت على مجازفة وخطأ كبير، وبدلاً من المغادرة باحترام، خلقت ظروفاً ترغمه على الفرار من العراق بإذلال، بعد دق الجرس إيذاناً بنهاية هيمنتها العسكرية.