الوقت- في الأيام القليلة الماضية، نشرت عدد من وسائل الإعلام الدولية والإقليمية والدوائر السياسية تقارير اخبارية، ذكرت فيها عن احتمال قيام الولايات المتحدة بشن هجمات على مواقع قوات الحشد الشعبي العراقية التي تعتبر رسميًا جزءًا من القوات المسلحة العراقية ولقد تم نشر هذه الاخبار في العديد من وسائل الاعلام وداخل الاوساط السياسية على نطاق واسع لدرجة أنه حتى المسؤولين السياسيين العراقيين، ولا سيما رئيس الوزراء السابق "عادل عبد المهدي"، حذروا من أي عمل عسكري أمريكي، وأبدت أيضا قوات الحشد الشعبي العراقية عن استعدادها لمواجهة أي غزو أمريكي لمواقعها ومقراتها في العراق. وفي ضوء ذلك، يطرح هذا السؤال نفسه، ما هو الغرض من اعلان البيت الابيض استعداد قواته لشن هجوم عسكري على مقرات قوات الحشد الشعبي العراقية ؟ وأيضاً ماذا سيحدث على مستوى المعادلات السياسية في العراق إذا ما قامت واشنطن بتنفيذ تهديداتها وقامت بشن هجوم شامل على مقرات ومواقع محور المقاومة في العراق ؟
إخلاء قواعد عسكرية أمريكية في العراق؛ الحرب النفسية الأمريكية ضد قوى محور المقاومة
عند تقييم احتمالية وقوع هجوم أمريكي كبير على مواقع قوات الحشد الشعبي العراقية، يمكننا الحديث عن نوع أخر من الحرب النفسية الأمريكية الكبرى ضد الحكومة العراقية وقوى المقاومة. في الواقع، لقد شهدنا خلال الأشهر القليلة الماضية زيادة غير مسبوقة في عدد الهجمات بالصواريخ وقذائف الهاون التي تشنها قوات الحشد الشعبي العراقية على السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء في بغداد وعلى القواعد العسكرية الامريكية المتمركزة في مختلف المحافظات العراقية وربما لم يعتبر الأمريكيون في البداية هذه التهديدات خطيرة، لكنهم يعتقدون الآن أنهم لن يتمكنوا من التواجد في جميع القواعد العسكرية وذلك لأن قوات محور المقاومة لن تظل مكتوفة الايدي إذا ما قامت القوات الامريكية بشن هجمات على مواقعها.
وهنا يمكن القول أن طوق النجاة لقادة البيت الابيض يتمثل في انسحابهم من العديد من قواعدهم العسكرية المنتشرة في عدد من المحافظات والمدن العراقية وفي هذا السياق، كشفت العديد من المصادر الاخبارية عن انسحاب القوات الأمريكية خلال الفترة الماضية من قاعدة "القيارة" جنوب الموصل وسلمتها للقوات العراقية، بعد أيام من انسحابها من قاعدة "القائم" بالتزامن مع انسحاب الجنود التشيك والفرنسيين المنضوين ضمن قوات التحالف الدولي من العراق ويأتي هذا الانسحاب بالتزامن مع تصاعد وتيرة الاستهدافات المتكررة للقواعد الأمريكية في مختلف المحافظات، إضافة إلى استهداف المنطقة الخضراء في بغداد التي تضم السفارة الأمريكية.
وعلى صعيد متصل، يشير الخبير الأمني "هشام الهاشمي" إلى أن القوات الأمريكية بدأت الانسحاب من المعسكرات غير الآمنة الهشة التي لا تضم ملاجئ محصنة وليس القواعد، وهي معسكرات "القائم" ومن معسكر "القيارة" وستنسحب من معسكر "كي وان" و"بسماية" ونفى "الهاشمي" ما تردد عن انسحاب القوات الأمريكية من قاعدة "الحبانية" بمحافظة الأنبار، لافتا إلى أن الانسحاب كان للدوريات الراجلة والمشتركة إلى داخل القسم الأمريكي في القاعدة حماية للجنود من خطر فيروس كورونا. وأرجع "الهاشمي" انسحاب القوات الأمريكية إلى قاعدة "عين الأسد" وقواعد كبيرة أخرى من أجل تأمين هذه القوات في قواعد محمية ببطاريات الدفاع الجوي الباتريوت، خاصة أن هذه الانسحابات جاءت بعد أسبوعين على إيقاف تدريب التحالف الدولي للقوات العرقية.
محاولات "ترامب" للحفاظ على الهدوء حتى الانتخابات الرئاسية
على صعيد آخر، يجب طرح هذا السؤال، ما هو الغرض من هذه الحرب النفسية ؟ وفي هذا السياق، يمكن الاشارة إلى استراتيجية الفريق الأمني بالبيت الأبيض الذي يبذل الكثير من الجهود لإنقاذ "ترامب" من هذه الأزمة وذلك لكي يتمكن من الفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة. في الواقع، كان لدى "دونالد ترامب" كل ما يمكن أن يفكر فيه للفوز بالانتخابات الرئاسية لعام 2020، لكن فيروس "كورونا" غيّر كل المعادلات لغير صالحه وفي هذا السياق، كشفت العديد من المصادر الاخبارية بأن الاقتصاد الأمريكي يواجه الآن وقتًا صعبًا باعتباره الضامن الرئيسي لنجاح "ترامب" خلال مناورته الدعائية الانتخابية، ويبدو أننا سنشهد حدوث أزمة كبيرة في البلاد وهذا الامر لن يصب في صالح "ترامب".
وفي مثل هذه الحالة، لا ينوي فريق السياسة الخارجية الأمريكية رؤية الوضع الصعب الذي يعيشه الجنود الامريكيين في قواعدهم العسكرية في العراق. في الواقع، إن فريق "ترامب" التابع للأمن القومي مقتنع بأنه مع اقتراب الانتخابات، ستزداد الهجمات على القوات الأمريكية أكثر، ومع وفاة العديد من الجنود الامريكيين، قد تواجه البلاد تحديًا صعبًا وهذا الامر لن يصب في صالح "ترامب"، خاصة وأن الانتخابات باتت قريبة.
لعبة البيت الأبيض غير المثمرة
عندما أصدر البرلمان العراقي قرارًا في الـ5 يناير 2020، يفضي بطرد القوات الأجنبية من البلاد، خافت الولايات المتحدة ودقت ناقوس الخطر وفي ذلك الوقت أدرك المسؤولون العسكريون الامريكيون أنه، على عكس الماضي، هناك الآن إرادة جادة لدى الحكومة العراقية لإخراج كافة القوات الاجنبية ولا سيما القوات الامريكية من كافة الاراضي والمدن العراقية، وحتى إذا لم يستطع رئيس الوزراء العراقي إجبار القوات الأمريكية على الخروج، فستكون هناك أيام صعبة ستعيشها هذه القوات المحتلة.
وفي الوضع الحالي، وعلى افتراض أن الأمريكيين سينفذون هجمات على مواقع ومقرات قوات الحشد الشعبي العراقية، فإنه يمكن القول أن هذا الامر لا يمكن أن يكون هذا ضمانًا لنجاح خطط الولايات المتحدة للبقاء في العراق وهذا الامر سيعني أن واشنطن لن تفوز على الساحة الميدانية العراقية فحسب، بل من ناحية يمكن أن تتحّول العراق إلى مستنقع ضخم مثل فيتنام لقواتها، ومن ناحية أخرى، ستتعرض العلاقات بين الحكومة العراقية المركزية والحكومة الأمريكية لتوترات غير مسبوقة.
الجمود الدبلوماسي الأمريكي في العراق
بالنظر إلى ممارسات قادة البيت الابيض السياسية، وخاصة خلال عهد "ترامب"، فيما يتعلق بالعلاقات السياسية والعسكرية مع الحكومة العراقية، وكذلك علاقات بغداد مع المقاومة، يبدوا أن واشنطن تعيش حالياً في مأزق دبلوماسي في إدارة التطورات المحورية المرتبطة بسياساتها الإقليمية والعالمية. في الواقع أن الولايات المتحدة اليوم قلقة للغاية بشأن أمن قواتها ومستشاريها في العراق، ولهذا فلقد لجأت إلى استخدام التهديدات العسكرية والاقتصادية للحفاظ على أمن قواتها المنتشرة في عدد من المدن والمحافظات العراقية، وهذا الامر يكشف الستار عن أهداف قادة البيت الابيض أهداف بعيدة المدى من أجل احتلال العراق. إن قوات التحالف الدولية لم تعد تقوم بواجباتها في العراق، وإنما الولايات المتحدة أصبحت تعمل كدولة معادية ومحتله لتحقيق أطماعها في العراق، وهذا الامر أدى إلى خلق نوع من الجمود الدبلوماسي والفشل الاستراتيجي للولايات المتحدة في العراق.