الوقت- في الأسابيع القليلة الماضية، ربما لم تكن هناك مشاكل في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة إلا وتأثرت بأزمة إنتشار فيروس "كورونا" في عدد من بلدان العالم وفي غضون ذلك، يمكن تقييم التركيز الأساسي لهذه الأزمة من خلال تأثيرها على القضايا الاقتصادية والقضايا السياسية. في الواقع، يبدو أن أزمة "كورونا"، التي كان لها تأثير عميق على الاقتصاد العالمي، من المرجح أن تؤثر على جميع التطورات السياسية في العديد من بلدان العالم المختلفة في المستقبل القريب.
ومما لا شك فيه أن معظم الأضرار السياسية والاقتصادية قد لحقت بالصين على مدى الشهرين الماضيين بسبب تفشي فيروس "كورونا" في عدد من المدن الصينية، ومع الانتشار المتزايد لهذا الفيروس الخطير، نرى في وقتنا الحالي أن فيروس "كورونا" توسع ووصل إلى الحدود الأوروبية والأمريكية ويبدوا أن هذا الفيروس سوف يكون له دوراً حاسماً في تعيين المستقبل السياسي للرئيس الامريكي "دونالد ترامب" ولفهم تأثير هذه الفيروس الخطير على مستقبل "دونالد ترامب" السياسي، فإنه من الضروري أولاً النظر في تأثير هذا الفيروس على انهيار سوق الأسهم والاقتصاد السياسي الدولي وبهذا الامر سوف نكتشف العلاقة بين هذا الفيروس الخطير والمستقبل السياسي للرئيس "ترامب".
كسر الرقم القياسي الذي أمتد لمدة 120 عامًا لإنهيار الاقتصاد العالمي
كشفت العديد من التقارير الاخبارية أن إنتشار فيروس "كورونا" في عدد من بلدان العالم، أدى إلى إنخفاض قيمة الاسهم في الاسواق الاوروبية والامريكية ولفتت تلك التقارير إلى أنه بعد مرور عدة أسابيع مروعة عاشتها بورصات الأسهم العالمية في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا، كان الـ 12 مارس 2020، هو الحدث الأكثر مرارة خلال الـ 120 عامًا في أسواق الأسهم العالمية. في الواقع، بعد إعلان الرئيس الامريكي "دونالد ترامب" إلغاء الرحلات الجوية لمدة 30 يومًا، حدثت الكثير من الخسائر لمؤشرات سوق الأسهم الامريكية والاوروبية.
وعلى صعيد متصل، كشفت العديد من التقارير الاقتصادية عن إنخفاض العقود الآجلة لمؤشر S&P 500 بما يصل إلى 5% مساء يوم الأحد الماضي، بينما انخفضت العقود الآجلة لمؤشر "داو" بأكثر من 1200 نقطة، أي حوالي 4.7%، وانخفضت العقود الآجلة في بورصة "ناسداك" المركبة بنسبة 4.8%.. ولفتت تلك التقارير إلى تراجع عمليات البيع في منطقة آسيا والمحيط الهادئ أيضاً، حيث أغلق مؤشر S&P/ASX 200 الأسترالي منخفضاً بنسبة 7.3% يوم الاثنين الماضي، وهو أكبر انخفاض للمؤشر منذ أكتوبر/تشرين الأول من العام 2008. كما هبط مؤشر "نيكي 225" الياباني بنسبة 5.1% إلى أدنى مستوى إغلاق له منذ أكثر من عام وانخفض مؤشر "كوسبي" في كوريا الجنوبية بنسبة 4.2%، في أكبر خسارة منذ أكتوبر/تشرين الأول من العام 2018. وبينما لا تزال الصين تكافح من أجل الوقوف على قدميها، فإن الوضع في أوروبا والولايات المتحدة يتدهور بسرعة ويوجد في إيطاليا، التي أصبحت الآن مركز الفيروس، أكثر من 24000 حالة إصابة. إسبانيا لديها ما لا يقل عن 9000 ، وأبلغت الولايات المتحدة عن أكثر من 4000 حالة.
وفي سياق متصل، ذكر بعض الخبراء الاقتصاديين بأن شركة "جولدمان ساكس" خفضت يوم الأحد الماضي من توقعاتها للناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، مستشهده بخفض الإنفاق وتعطيل سلسلة التوريد وتأثير الحجر الصحي المحلي ويعتقد البنك الاستثماري أن الاقتصاد الأمريكي سوف ينكمش الآن بنسبة 5٪ بين أبريل ويونيو، بعد نمو بنسبة 0٪ بين يناير ومارس ومن المتوقع أن يأتي النمو للعام بنسبة 0.4٪ فقط ، منخفضًا من 1.2٪ وقال كبير الاقتصاديين "يان هاتزيوس" للعملاء: "من المرجح أن تؤدي عمليات الإغلاق هذه والقلق العام المتزايد بشأن الفيروس إلى تدهور حاد في النشاط الاقتصادي في بقية شهر مارس وطوال شهر أبريل".
"ترامب" ومستقبل "كورونا"
قال وزير الخزانة الامريكي "ستيفن مانوشين" في بيان له في الـ 15 مارس 2020: "من المؤكد أن تفشي فيروس كورونا لن يؤدي إلى ركود في البلاد وليس هناك شك في أننا سوف نتمكن من الانتصار على هذا الفيروس هذا العام". لكن يبدو أن الرئيس الامريكي "ترامب" ومستشاريه أدركوا أنه من المحتمل أن يكون هناك مستقبل مشترك وعلاقة مباشرة بين مستقبله وفيروس "كورونا" وهذا يعني أن ورقة فوز "دونالد ترامب" في الانتخابات الرئاسية لعام 2020 كانت بالتأكيد مرتبطة بالنجاحات الاقتصادية التي تمكن من تحقيقها خلال السنوات الماضية ولكن ومع إنتشار فيروس "كورونا" في الكثير من بلدان العالم وتسببه في سقوط الاسهم الصينية، فإنه من المرجح أن يعاني الاقتصاد الأمريكي من هذا الفيروس، وهذا يمكن أن يمثل نهاية لرئاسة "ترامب" في البيت الأبيض.
وعلى الرغم من أن المجتمع الامريكي لا يتهم الرئيس "دونالد ترامب" بشكل مباشر بإنتشار هذا الفيروس في داخل الولايات المتحدة وفي عدد من بلدان العالم، إلا أن هذا الفيروس الخطير شّكل ثلاثة مستويات تهدد مستقبل "ترامب" السياسي، فعلى المستوى الأولي، سخر "ترامب" من أزمة كورونا في العديد من اجتماعاته وخطاباته خلال الشهر الماضي، حتى أنه أدلى ببعض الملاحظات التي تفيد بأن هذا الفيروس ليس خطيرًا بما يكفي للمبالغة في تهديداته وقد أدى ذلك إلى حدوث استهانة بهذا الفيروس داخل النظام السياسي الامريكي، ولهذا السبب تنظر العديد من وسائل الإعلام وحتى المواطنين الأمريكيين الآن إلى أن انتشار وانتشار فيروس "كورونا" جاء نتيجة لغباء "ترامب" وقصر نظره.
وعلى نفس المنوال، قام عدد من المرشحين الديمقراطيين خلال النقاش المتلفز المتعلق بالسباق الرئاسي للعام المقبل إلى شن الكثير من الهجمات ضد إدارة "ترامب" وفي هذا السياق، قال السناتور "ساندرز" في بيان له: "علينا أن نتعلم ألا نكذب على الشعب الأمريكي." ومن جهته قال "بايدن" أيضًا في خطابه إنه إذا أصبح رئيسًا، فسيستخدم المساعدة العسكرية لإجراء فحوصات واسعة النطاق ومجانية لفيروس "كورونا" لكافة المقيمين في الولايات المتحدة ولمساعدة الشركات المتضررة من هذا الوباء.
وعلى المستوى الثاني، لم يكن لإدارة "ترامب" دوراً هاماً في السيطرة على إنتشار فيروس "كورونا" وفي وقتنا الحالي يعتقد الأمريكيون أن الحكومة فشلت في اتخاذ خطوات للحد من انتشار هذا الفيروس وهذا التأخير أدى إلى عدم قدرتها على السيطرة على هذا الفيروس الخطير وعلى الرغم من إعلان "ترامب" حالة طوارئ وطنية بعد انتشار هذا الفيروس، إلا أنه من الأهمية بمكان أن ينجح هو وحكومته في السيطرة على الأزمة التي خلفها إنتشار هذا الفيروس وهنا تجدر الاشارة إلى أن التوقعات تشير إلى أن وفاة ما يقرب من 200 ألف إلى مليون شخص أمريكي بسبب كورونا، الأمر الذي سيقلل بالتأكيد فرص "ترامب" في الفوز في الانتخابات الرئاسية لعام 2020.
وعلى المستوى الثالث، لا ينبغي التقليل من تأثير كورونا على الاقتصاد الأمريكي وكما نوقش تأثيره على سوق الأسهم العالمية، يمكن أن يؤدي انتشار "كورونا" إلى زيادة معدل انهيار سوق الأسهم الامريكية وهذا ما نسميه "كعب أخيل" "دونالد ترامب". في الواقع، كان الرئيس الامريكي "دونالد ترامب" يركز جميع خططه في السنوات القليلة الماضية على تطوير وتحسين الاقتصاد الأمريكي، ولكن خلال الايام القلية الماضية شهد سوق الأسهم الامريكي إنخفاضاً كبيراً بسبب إنتشار فيروس كورونا في الولايات المتحدة وفي عدد من دول العالم وهذا الإنخفاض يُعد بمثابة ضربة كبرى يمكن أن تنهي فترة ولايته الرئاسية في البيت الابيض.