الوقت- لم تدخر "اسرائيل" جهدا طيلة سنوات الأزمة لتعميق الصراع الدائر في سوريا، على اعتبار أن اضعاف دولة "سوريا" والتي تعد أحد رموز المقاومة هو نصر للاسرائيليين، ويسمح لهم هذا الأمر بالتوجه نحو العمل على ملف "التطبيع" وايصال رسالة للجميع بأن انهاء سوريا هو انهاء المقاومة للعرب جميعا ضد العدو الصهيوني لذلك لا حل امامهم سوى "التطبيع" مع الكيان الاسرائيلي، ولكن ورغم كل الدعم الذي قدمته "اسرائيل" للمعارضة المسلحة السورية والمنظمات المتطرفة لم تتمكن من اسقاط النظام في دمشق، وانقلب السحر على السحر لتنفض سوريا عنها غبار الارهاب وتنتفض في وجه الصهاينة وتصبح أقوى من أي وقت مضى وها هي اليوم تتجه نحو تحرير آخر البقاع الجغرافية الخارجة عن سيطرتها بكل قوة وعزم، وسط حيرة الصهاينة من طريقة التعامل مع تعاظم قوة الجيش السوري.
وفي هذا السياق لجأ المُستشرِق الإسرائيليّ، إيهود يعاري، الذي يعمل مُحلِّلاً للشؤون العربيّة في القناة الـ12 بالتلفزيون العبريّ، إلى العادة القديمة والتي تقريبًا باتت لا تنطلي على أحدٍ وهي استخدام سياسة"فرِّق تسُد"، المعروفة منذ قديم الزمان.
وغنيٌّ عن القول في هذا السياق إنّ يعاري، من أكثر الإعلاميين الإسرائيليين، المُقرّبين للأجهزة الأمنيّة في الکیان الاسرائیلی، وبالتالي فإنّ "تحليلاته" هي عمليًا مُستنِدةً على أقوال وتصريحات كبار القادة في المؤسسة الأمنيّة، وبحسب يعاري، الذي نشر مقالاً على موقع القناة الـ12 بالتلفزيون العبريّ فإنّه في الأشهر الأخيرة فإنّه في المنطقة التي تمتّد من العاصمة السوريّة، دمشق، وحتى الجزء المُحرّر من هضبة الجولان العربيّة السوريّة، وهي بطول 10 كيلومترات فقط، تُنفّذ أعمال قتلٍ على خلفيّةٍ سياسيّةٍ، وتنفيذ أعمالٍ تخريبيّةٍ على طول الطريق، وبالإضافة إلى ذلك، قال يعاري، استنادًا على المصادر الأمنيّة الرفيعة في تل أبيب، يقوم السُكّان في المنطقة المذكورة بتنظيم مظاهراتٍ صاخبةٍ ضدّ النظام الحاكِم في دمشق، الذي يُحاوِل تثبيت حكمه في المنطقة التي كانت تقع تحت سيطرة "المُتمردين".
وشدّدّ المُسشترِق الإسرائيليّ في مقاله، نقلاً عن المصادر الأمنيّة الإسرائيليّة عينها، شدّدّ على أنّه في السابِق تلقّى أكثر من سبعة آلاف عنصرٍ من المُعارضة السوريّة في تلك المنطقة مساعداتٍ كبيرةٍ جدًا من إسرائيل، وبرعايةٍ روسيّةٍ تمّ الاتفاق مع المتمردين على أنّ النظام لن يقوم بعملية تصفية حساباتٍ معهم، كما تمّ الاتفاق بين الطرفين، بحسب المُستشرِق يعاري، على عدم إجبارهم بالتجنّد للجيش العربيّ-السوريّ، طبقًا للمصادر الأمنيّة واسعة الاطلاع في تل أبيب.
واستدرك المُستشرِق قائلاً إنّ الاتفاق الذي تمّ بين الطرفين: الحكومة السوريّة والمتمردين برعايةٍ روسيّةٍ لم يخرج إلى حيّز التنفيذ، إذْ أنّ الجيش، وبشكلٍ خاصٍّ الوحدة التاسعة تقوم بنصب الكمائن لتوقيف واعتقال المتهربين من الخدمة الإلزاميّة في الجيش العربيّ-السوريّ، وعلى نحوٍ خاصٍّ في منطقة درعا والقرى المُحيطة بها، تتّم تصفيتهم أوْ أنّه يختفون بصورةٍ مفاجئةٍ وتحديدًا في ساعات الليل، بالإضافة إلى ذلك زعمت المصادر الأمنيّة في تل أبيب أنّه بالقرب من درعا قام العديد من السُكّان بطرد جنود الجيش العربيّ السوريّ، وفي المُقابل، شدّدّ يعاري، على أنّ مبعوثي حزب الله إلى المنطقة يقومون بمحاولاتٍ حثيثةٍ لتجنيد القرويين للخدمة لصالح حزب الله والجيش السوريّ، حيث يقومون بتهديدهم أوْ بعرض الإغراءات الماليّة عليهم، على حدّ قوله.
عُلاوةً على ما ذُكر آنفًا، زعم المستشرِق الإسرائيليّ، نقلاً عن مصادره في تل أبيب، زعم أنّه في جبل الدروز، ولاسيما في منطقة السويداء، هناك خلاف واضح بين زعماء الطائفة المعروفيّة وضُبّاط الاستخبارات السوريّة، الأمر الذي دفع الروس لإرسال أحد جنرالاتهم إلى المنطقة بهدف تبريد النزاع المُستعّر بين الطرفين، كما أنّ الشرطة العسكريّة الروسيّة تدّخلت لوقف اشتباك مُسلحِ اندلع في المنطقة بين ثوارٍ سابقين وبين وحداتٍ من الجيش العربيّ السوريّ، التي وصلت إلى المكان على ظهور الدبابات، على حدّ زعمه.
وقال المُحلِّل أيضًا إنّه باختصارٍ شديد، فإنّ الرئيس الأسد يجِد صعوبةً بالِغةً في السيطرة على الانتفاضة ضدّه، حتى بعد أنْ قام بتحرير هذه المناطق من سيطرة المعارضة بمُساعدةٍ كبيرةٍ من سلاح الجّو التابِع للجيش الروسيّ، مُضيفًا في الوقت ذاته أنّ الحديث يجري عن إقليمٍ متمرّدٍ فشلت كلّ محاولات السلطات بالتوصّل لاتفاق تطبيعٍ معه، مُشيرًا إلى أنّ الحديث يدور عن برميل متفجرّات شديدة التأثير، والتي قد تنفجِر في كلّ لحظةٍ، علمًا أنّ القنيطرة، الواقعة في هذه المنطقة، تقِع بالقرب من إسرائيل، على حدّ قول يعاري.
وتابع قائلاً إنّ الدولة العبريّة كانت حذرةً للغاية خلال السنوات التي خلت من التدّخل في هذا الخلاف، وذلك كعبرةٍ واستنتاجٍ ممّا حدث لها عقب تدّخلها في جنوب لبنان إبّان الاحتلال الإسرائيليّ لتلك المنطقة، وأضاف أنّ تل أبيب لم تنشط في المنطقة حتى وصلوا الروس في خريف العام 2015 من أجل العمل على إسقاط الأسد، إذْ أنّ الرئيس السوريّ، في تلك الفترة، زعم المُستشرِق الإسرائيليّ، كان قد أعّد الحقائب وبات على استعدادٍ لترك القصر الرئاسيّ في دمشق ومغادرة سوريّة كليًّا، وما كان ينقصه دفعة واحدة من قبل إسرائيل ليترك سوريّة، على حدّ زعم يعاري، الذي قال إنّ إسرائيل بعدم تدّخلها لإبعاد الأسد عن سوريّة أهدرت فرصةً ذهبيّةً، وما زالت تدفع ثمن هذا الحذر، والثمن عالٍ وكبيرٍ جدًا، كما قال.
وخلُص إلى القول هل اليوم يُمكِن القيام بأعمالٍ خفيّةٍ لزيادة الصعوبات التي يُواجهها الرئيس الأسد بدون إغضاب الرئيس الروسيّ بوتين، والتي تشمل فيما تشمل تقوية المُعارضة الدرزيّة والسُنّة أيضًا من أجل منع المخابرات السوريّة والقوى التابِعة لحزب الله من العودة إلى المنطقة، مُعبِّرًا عن أمله في أنّ صُنّاع القرار يُفكّرون في ذلك، على حدّ تعبيره.