الوقت- في أعقاب احتجاجات المواطنين العراقيين في المدن الجنوبية والوسطى، نظم آلاف المواطنين الأكراد في السليمانية مظاهرات مناهضة للحكومة في 22 فبراير 2020. وكان هذا الاحتجاج الشعبي الذي تم بدعوة من "شاسوار عبد الواحد" زعيم حراك "الجيل الجديد"، مصحوبًا بمطالب في المجالات الاقتصادية والسياسية والإدارية.
وفي خطاب له للمحتجين في السليمانية، أعلن شاسوار عبد الواحد أنه إذا لم يتم تلبية مطالب المتظاهرين، فستكون هناك مظاهرات أوسع وسيكون هناك الملايين من المتظاهرين.
في الواقع، بغض النظر عن مدى تحقُّق وعد عبد الواحد بنزول الملايين من المتظاهرين، أظهرت مظاهرة من عدة آلاف من الناس أن الإقليم الكردي، مثل المناطق الجنوبية والوسطى من العراق، معرض للدخول في مرحلة متأزمة نتيجةً لبدء الاحتجاجات.
ومع ذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو، ما هي أرضيات هذه الاحتجاجات؟ وهل يمكن أن يواجه الإقليم الكردي احتجاجات جديدة في المستقبل؟
للإجابة علی هذا السؤال، يمكن الإشارة إلی ثلاثة مجالات وعوامل رئيسية وتقديم آفاق عن المستقبل.
إستياء الشعب الکردي من سوء الوضع الاقتصادي
خلال السنوات التي تلت عام 2003، عندما تم تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وألقيت المسؤولية الرئيسية للإدارة الاقتصادية لإقليم كردستان على الحكومة الفيدرالية لهذه المنطقة،كان هناك دائمًا استياء نسبي من أداء القادة السياسيين للإقليم، وقد شهدنا احتجاجات شعبية في 2011 و2014 و2017.
في الواقع، إن مواطني إقليم كردستان غير راضين عن سبل العيش والدخل وفرص العمل وتوزيع الثروة وعدم كفاءة النظام الاقتصادي للإقليم وانعدام الرفاهية العامة.
وكما هو الحال في أجزاء أخرى من العراق، فإن نسبةً كبيرةً من خريجي جامعات كردستان عاطلون عن العمل، وليس لهم دخل محدد. كذلك، فإن مستوى دخل جزء كبير من مواطني هذه المنطقة، في مستوى منخفض للغاية.
على سبيل المثال، يقول تقرير الأمم المتحدة إن 36 في المائة من سكان إقليم كردستان، يكسبون أقل من 400 دولار في الشهر. وبدا هذا الوضع أسوأ عندما خفضت حكومة "نوري المالكي" ميزانية حكومة إقليم كردستان في الأشهر الأخيرة من عام 2013، وبالتالي رأينا عجز حكومة أربيل في دفع رواتب موظفيها.
ونتيجةً لذلك، بدأت حكومة إقليم كردستان نظامًا لخفض المرتبات إلى النصف وحتى إلى الربع. وحدث الشيء نفسه في محافظة السليمانية في ديسمبر 2017، حيث قتل خمسة من المتظاهرين أثناء ذلك.
وفي الظروف الراهنة أيضاً، وعلى الرغم من عودة دفع الرواتب إلى الظروف العادية، لا يزال هناك مستوى كبير من السخط الاقتصادي والأداء غير المناسب في النظام الاقتصادي للإقليم، والكثير منها يمكن أن يعزى إلى الفساد المتفشي في شمال العراق.
إستياء واسع النطاق من الاستيلاء على السلطة
هناك أرضية أخری للاحتجاجات الأخيرة في السليمانية، يمکن اعتبارها بأنها استياء المواطنين والأحزاب الصغيرة في إقليم كردستان من الاستيلاء على السلطة، من قبل حزبين هما الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكرستاني.
في الواقع، احتكر هذا الحزبان السلطة السياسية من خلال جعل النظام ثنائي القطب على مدار السنوات التي تلت عام 1991 إلی الآن، وأي تغيير في المعادلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية يعتمد على عمل الحزبين.
حتى أن هذا النظام الثنائي في الإدارة أدى إلى حرب أهلية بين الحزبين خلال الأعوام 1994-1996. وهذا الوضع مستمر منذ أكثر من 20 عامًا، والآن يعاني مواطنو كردستان من هذا الوضع، وسئموا منه.
ونتيجةً لذلك، يمكن القول إن المواطنين مستعدون للاحتجاج على احتکار هذين الحزبين للسلطة السياسية، سواء بفعل دعوة الأحزاب الصغيرة في الإقليم أو تلقائيًا.
المنافسة الحزبية والاستغلال السياسي للاحتجاجات
يمكن تقييم أرضية أخرى للاحتجاجات في السليمانية، بأنها تسوية الحسابات الحزبية بين القوتين الرئيسيتين في إقليم كردستان، أي الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي وحزب الاتحاد الوطني.
خلال عامي 2011 و2014، رأينا أن الاحتجاجات الشعبية تحولت إلى مکان لتسوية الحسابات الحزبية، من خلال النفوذ الحزبي، وفي عدة مناسبات تعرض مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي لهجوم من قبل المتظاهرين. وهكذا، بعبارة أخرى، يمكن تقييم دوافع الأحزاب السياسية في الإقليم لتسوية الحسابات مع بعضها البعض وكسب الأصوات الشعبية، مؤثرةً في المنافسة الحزبية.
والاحتجاجات الحالية التي خرجت بدعوة من زعيم تيار "الجيل الجديد"، لا تخلو من هذا البعد أيضاً. وبمعنى آخر، على الرغم من أن الأرضيات الاقتصادية والاستياء السياسي مؤثران للغاية، ولكن إلى جانب ذلك فإن الأحزاب أيضاً فعالة في تشجيع المواطنين علی الاحتجاج.
يبدو الآن أن شاسوار عبد الواحد، الذي تعرض لضغوط شديدة من قبل الحزبين الديمقراطي والاتحادي على مدى الأشهر القليلة الماضية لدفع ديونه للحكومة، يخطط من خلال تنظيم الاحتجاجات تخفيف الضغط عن نفسه، بل وحتى ممارسة الضغط علی الحكومة.
بالنظر إلى كل ما تقدم، بالإمکان تقييم الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لإقليم كردستان مناسبةً لاستمرار الاحتجاجات وبدء موجة جديدة من السخط والاستياء. وفي المستقبل أيضاً، إذا قطعت بغداد ميزانية إقليم كردستان، فيبدو أن المواطنين سيبدأون موجةً كبيرةً من الاحتجاجات، مثل المدن الجنوبية والوسطی، في السليمانية وأربيل وحتى دهوك.