الوقت- كشفت بعض المصادر المحلية أن السعوديين والأمريكيين أجروا محادثات في محافظة الحسكة حول تشكيل قوات عربية تابعة لـ "قوات سوريا الديمقراطية". تحاول أمريكا التي كانت تسعى في السابق إلى الانسحاب من سوريا، في الوقت الراهن ازاحة الستار عن استراتيجية جديدة في سوريا.
أهداف أمريكية جديدة
بعد الإعلان عن انسحاب أمريكا من جزء كبير من شمال سوريا، تغيرت معادلات هذه المنطقة بشكل مفاجئ، حيث بدأت تركيا تقدماً واسعاً نحو القامشلي من خلال عملية نبع السلام، ومن ناحية أخرى بات الأكراد الذين كانوا غير راضين عن الخيانة الأمريكية، أقرب الى الجيش السوري والقوات الروسية.
كانت نتيجة هذا المواءمة المرحلية الاتفاق بين قسد والجيش السوري حول انتشار الجيش السوري في منبج. وعلى الرغم من أن ترامب ادعى أنه لم يخن الأكراد ولم يكن لديه اتفاق سري مع تركيا، إلا أنه مع بداية الهجوم التركي واشتباكه مع قوات سوريا الديمقراطية، أوقف المساعدات الدائمة لقسد بذريعة عدم تسليحهم في مواجهة الناتو.
حاول ترامب عبر الانسحاب من شمال سوريا الوفاء بوعوده الانتخابية، لكن في الوقت نفسه ، وبضغط من الكونغرس وبعض مستشاريه، لم يستطع التخلي على الفور عن المصالح التي استثمرت فيها أمريكا لسنوات وخاصة في السيطرة على آبار النفط في هذه المنطقة لمصلحة روسيا، لذلك قامت بإخلاء جميع قواعدها في شمال محافظة الرقة وشمال شرق حلب لكنها احتفظت بقواعدها في محافظتي الحسكة ودير الزور والتنف في جنوب سوريا.
تقع قاعدة التنف في منطقة استراتيجية بالقرب من معبر التنف على الحدود السورية العراقية عند تقاطع الطريق الدولي بين بغداد ودمشق، الطريق البري الرئيس بين إيران وسوريا ولبنان. ففي تلك الفترة ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن "ترامب يسعى إلى إبقاء مشروط لقوة عسكرية تضمّ 200-300 جندياً أمريكاً حول المناطق النفطية في محيط دير الزور شرق سوريا"، حيث تم اعادة صياغة سياسة ترامب المتخبّطة والمثيرة للتوتر في شمال سوريا بالتزامن مع وصول أنباء تقدّم الجيش السوري في بعض المناطق مثل إدلب.
وفي ضوء ما تقدّم، تسعى أمريكا إلى تحقيق عدة أهداف في شمال سوريا:
الهدف الأول لأمريكا هو منع روسيا والجيش السوري من الوصول إلى حقول النفط السورية المهمة، إذ تقع معظم حقول النفط في شرق سوريا وفي محافظة الحسكة، وطبقاً لمسؤولين روس، فإن المؤسسات الحكومية الأمريكية تحقق أكثر من 30 مليون دولار شهرياً من تجارة النفط السوري، وبحسب المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشنيكوف، "إن أمريكا تقوم من خلال مواصلة سيطرتها العسكرية على حقول النفط في شرق سوريا، سرقة حكومية ودولية في هذا البلد بدلاً من محاربة الإرهابيين".
تقسيم سوريا: في أواخر يناير الماضي منعت قوات قسد التي كان لها سابقاً تعاون مرحلي مع القوات الروسية، موسكو من إنشاء قاعدة عسكرية في شمال الحسكة، ومنعت قافلة روسية تضم 60 مركبة عسكرية من إنشاء قاعدة بالقرب من حقول نفط الرميلان شمال الحسكة، حيث تتمركز القوات الأمريكية.
وبعد بضعة أيام، أفاد موقع النشرة: " ان دورية أمريكية كانت في انتظار قافلة روسية بالقرب من محطة وقود حطين عند تقاطع بلدة "تل بيدر" على طريق M4 ولم تسمح للقافلة الروسية بمواصلة طريقها"، لذلك عادت القافلة الروسية إلى معبر "سيمالكا" مرة أخرى على الحدود العراقية.
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد قال في وقت سابق في كلمة ألقاها في مؤتمر سلام باريس: "إن أمريكا تسعى إلى تقسيم سوريا للسيطرة على حقول النفط السورية.
تريد واشنطن من دول الخليج الفارسي أن تستمر في تشكيل الحكومات المحلية في شمال سوريا بمركزية حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات سوريا الديمقراطية"، والآن ، بعد أشهر اقتربت تنبؤات لافروف إلى أن تصبح حقيقة، و المحور العربي الأمريكي في سوريا على وشك التقارب مرة أخرى.
هدف أمريكا الثالث هو أخذ زمام المبادرة من روسيا في مرحلة ما بعد داعش: بعد استعادة الجيش السوري قواه، هناك احتمال كبير لتطبيع العلاقات بين الدول العربية والأوروبية في المستقبل مع حكومة الرئيس بشار الأسد.
هذا الأمر سيؤدي إلى مشاركتها المحتملة في إعادة اعمار سوريا وتحقيق النفوذ بعد ذلك. وفي هذا السياق وقع ترامب في نهاية شهر ديسمبر الماضي، "قانون قيصر" الذي يشار إليه بـ "حماية المدنيين السوريين"، حيث قالت صحيفة القبس الكويتية: "إن قانون قيصر هو في الواقع اذن لمزيد من العقوبات والقيود المالية على سوريا لمدة ستة أشهر وسيتم فرض عقوبات على المؤسسات والأفراد الذين يتعاملون مع سوريا تجارياً، إضافة إلى ذلك يشمل القانون شخصيات عسكرية ومدنية سورية بارزة ، بما في ذلك بشار الأسد وزوجته، ويمنع أي محاولة لاستعادة سوريا قواها أو التعامل معها"، وبعد المصادقة على هذا القانون ، سيتم معاقبة الدول الأوروبية اذا تعاونت مع الرئيس بشار الأسد.
هدف أمريكا الرابع هو إطالة أمد التوتر في سوريا لدعم الكيان الصهيوني: بعد اعتراف أمريكا الأحادي باحتلال هضبة الجولان ، فإن استعادة الحكومة المركزية السورية قواها سيعزز من احتمال تصاعد التوتر في مرتفعات الجولان ضد الكيان الصهيوني، وكان الكيان الصهيوني قد تغلغل في المناطق الكردية في سوريا عبر "عماليا" التابعة للموساد ، وأجرى مشاورات مع مجلس سوريا الديمقراطي (مسد) للتفاوض حول النفط. لذلك فإن سياسة واشنطن الجديدة هي تعزيز السياسة الإسرائيلية في شمال شرق سوريا.
الدول العربية
لقد أدّى تخبّط الإمارات والسعودية في اليمن من جهة، ومن جهة أخرى سوء سمعة هذين البلدين في دعم الجماعات الإرهابية المتطرفة في سوريا إلى ان تكون الرياض وأبو ظبي خلال العامين الماضيين من بين الغائبين عن المعادلة السورية. فمنذ يونيو، تم تداول أخبار حول أن المملكة العربية السعودية تسعى إلى النفوذ مجدداً شرق سوريا. حيث كشفت صحيفة "الأخبار" عن محاولة وزير الدولة السعودي ثامر السبهان للتشاور مع عشائر دير الزور. وبحسب "الأخبار" ، ذكر السبهان في اجتماع مع شخصيات بارزة من عشائر دير الزور أن بلاده مستعدة لتقديم الدعم العسكري والخدمات للمجلس العسكري والمدني بهذه المدينة ، وطلبت من قوات العشائر التفاوض مع القوات الديمقراطية المعروفة بقسد والامتناع عن مواجهتها.
كما كان لبعض قادة "قسد" لقاءات مع الدول العربية في الأشهر الأخيرة. وقالت قناة "هابر" التركية في تقرير لها، "في 28 نوفمبر ، بقي قائد قسد "مظلوم كوباني" في أبوظبي لمدة أربعة أيام ، والتقى بمسؤولين سعوديين وإماراتيين كبار وفي نهاية الزيارة عاد إلى بغداد ومعه حقائب تحتوي على مبالغ مالية ضخمة ومن هناك عاد بسيارة مصفحة الى السليمانية وعبر كركوك الى الحسكة". ونظرا الى التحركات الجديدة التي قامت بها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في سوريا ، يسعى كلاهما إلى التنافس مع تركيا و بحجة النفوذ الإيراني السعي إلى الحصول على ورقة رابحة للضغط على الأسد.
في الوضع الراهن تعتبر المجموعات الإرهابية السابقة بالنسبة للمملكة العربية السعودية ، أوراقًاً خاسرة ، لذلك تستخدم هذه المرة ورقة القوات الكردية للعب في سوريا. لذا يبدو من المحتمل أن تتشكل هذه القوى بدعم مالي سعودي وإشراف أمريكي تحت ذريعة مواجهة انتشار النفوذ الإيراني في شمال شرق سوريا.
ووفقاً للتقارير الأخيرة، لقد وافق السعوديون على تمويل وتدريب مجموعات الميليشيات العربية المسماة بالصناديد ، وكذلك قوات النخبة التابعة لتيار الغد برئاسة رئيس السابق للائتلاف المعارض أحمد الجربة. وفي ضوء تركيز تركيا في الآونة الأخيرة على ليبيا ونقل بعض الميليشيات إلى ليبيا ، تسعى المملكة العربية السعودية لملء الفراغ المحتمل لهذه القوات وكسب نقاط امتياز للعبة المزدوجة مع تركيا والرئيس بشار الأسد في مستقبل التطورات السورية. فبالنظر إلى القضايا الآنفة الذكر، من المحتمل أن تتخلى الرياض عن دعم القوات الكردية بعد الحصول على مصالحها في المستقبل.