الوقت- تصدير الغاز من الأرض الفلسطينية المحتلة إلى باقي الدول الأخرى في المنطقة ، وخاصة الأردن، لا يزال يمثل تحدياً. وفي هذا الصدد، صادق البرلمان الأردني بالإجماع ، بعد شد وجذب بين النواب، على مشروع قانون منع شراء الغاز من الكيان الصهيوني وتم تحويله إلى الحكومة.
وفي مارس من العام الماضي طالب البرلمان الأردني بإلغاء أي اتفاق لاستيراد الغاز من الكيان الصهيوني وأعلن أن الاتفاق مع العدو لا يحظى بموافقة الشعب ونواب البرلمان. إلا أن الاجراء الأخير للبرلمان الأردني جاء بعد تصاعد موج الاحتجاجات الشعبية ضد شراء الغاز من الكيان الصهيوني.
إضفاء الشرعية على الغاز الصهيوني
ليس الأردن فقط من يشتري الغاز الصهيوني، بل بالإضافة إلى الأردن ، هناك دولة أخرى، أي مصر تشتري الغاز أيضاً من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وعلى الرغم من أن البرلمان الأردني صوت أمس لصالح قطع شراء الغاز من إسرائيل، ولكن في المقابل هناك أشخاص ينتمون إلى التيار الأمريكي والغربي في الحكومة الأردنية يحاولون مواصلة شراء الغاز من الأراضي المحتلة.
وهنا باتت الحكومة الأردنية أمام وضع صعب، فمن جهة، هناك ضغوط شعبية وبرلمانية على الأردن لوقف شراء الغاز من الصهاينة، ومن جهة أخرى، تواجه استياء ومعارضة بعض الشخصيات الخفية في الحكومية التي تمارس الضغط على رئيس الحكومة لمواصلة شراء الغاز من الصهاينة.
الحقيقة هي أن شراء الغاز من الصهاينة لا يحمل طابعاً اقتصادياً لتل أبيب فقط، بل لربما حتى جوانب ذلك الاقتصادية تقع على هامش الجوانب السياسية والأمنية الأخرى.
في الواقع ، يحاول الكيان الصهيوني عن طريق تصدير الغاز إلى دول المنطقة ان يعتبر تدريجياً علاقاته الاقتصادية وعلاقات الطاقة بمثابة شرعية سياسية. لا تقتصر الطموحات الصهيونية على الأردن ومصر فقط، بل يحاولون في الخطوات التالية الى إضافة دول أخرى في المنطقة إلى مشتري الغاز الصهيوني، بما في ذلك تركيا وحتى لبنان.
وبالتالي ، إن وقف شراء الغاز من قبل الأردن بالإضافة إلى الخسائر الاقتصادية سيكون بمثابة ضربة أمنية وسياسية كبرى للصهاينة الذين حاولوا دائماً إظهار مكانتهم في المنطقة طبيعية، ولكن الآن في هذه الخطوات الأولى واجهوا موجة من المعارضة والاحتجاجات الداخلية في الاردن.
ظل الخلافات حول الأراضي يخيم على اتفاقية الغاز بين الأردن والصهاينة
يبحث الأردن منذ سنوات عن توفير آمن وطويل الأمد لمصادر الطاقة التي يحتاجها، لأن هذا البلد يؤمن حوالي 90% من احتياجاته من الطاقة عبر الواردات.
لذلك السبب أعلن وزير الطاقة الأردني صالح الخرابشة منذ حوالي عامين أن بلاده ستواصل تنفيذ اتفاقية شراء الغاز من الكيان الصهيوني وتصدير الغاز الصهيوني إلى الأردن سيبدأ عام 2020 وفق الاتفاقية الموقعة بين الجانبين.
ومع ذلك، على مدار العامين الماضيين ومنذ بدء المفاوضات لشراء الغاز من الكيان الصهيوني، حدثت تطورات عديدة في العلاقات الأردنية الصهيونية، وطفت على السطح بعض القضايا الخلافية بين الجانبين.
الآن وفي ظل الأوضاع التي يُقبل فيها الأردن على تنفيذ وبدء شراء الغاز الصهيوني، أصبحت تطورات وخلافات العامين الماضيين بارزة للغاية في علاقات الجانبين، حيث تدعو التيارات والرأي العام الأردني إلى إلغاء هذه الاتفاقية لذلك صوت البرلمان الأردني مؤخراً على إلغاء هذه الاتفاقية.
في الواقع، لم تعد العلاقات بين الجانبين إلى طبيعتها منذ مقتل اثنين من الأردنيين وإصابة إسرائيلي في إطلاق نار على السفارة الإسرائيلية قبل عامين ، وبعد ذلك ونظرا الى التهرب المستمر من قبل الكيان الإسرائيلي من خطة الدولتين (لفلسطين) التي يعتبر الأردن مبتكرا لها، سيقت العلاقات بين الجانبين نحو مزيد من التوتر.
حتى قبل حوالي شهرين ، حذر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إسرائيل وحكومتها المستقبلية من تداعيات تصريحات بنيامين نتنياهو خلال حملته الانتخابية حول ضم الأراضي في الضفة الغربية المحتلة، وقال ان هذا الأمر سيؤثر بشكل مباشر على العلاقات بين الأردن وإسرائيل.
من جهة أخرى، قضية "الباقورة" و "الغمر" جعلت نار التوتر السياسي بين عمان وتل أبيب أكثر لهيباً. اذ ان هاتين المنطقتين تم احتلالهما من قبل الكيان الصهيوني طيلة العقود القليلة الماضية ، وبعد انقضاء 25 عاماً على استئجار هاتين المنطقتين بموجب اتفاق السلام بين عمان وتل أبيب في عام 1994 ، كان من الضروري ان تعودا بالكامل إلى الأردن ، ولكن عودة هاتين المنطقتين واجهتها معارضة من تل أبيب ، وعلى الرغم من أن الأردنيين تمكنوا في نهاية المطاف من استعادة جزء من سيادتهم على هاتين المنطقتين، لكن الخلاف في العلاقات الأردنية الصهيونية تصاعد إلى مزيد من التوتر حول هذه المنطقة طيلة الأشهر القليلة الماضية.
وقد أدى هذا الأمر إلى الرغبة في إلغاء اتفاقية الغاز مع الكيان الصهيوني في الأردن أكثر من الداعمين السياسيين لها.
كما يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن الأردن قد يفكر في خيارات أخرى مثل استيراد الغاز من مصر أو حتى من إيران وقطر، والذي بدوره قد يشكل تحدياً كبيرا لاستيراد الغاز من إسرائيل.
والنقطة المهمة هنا هي أنه لا يوجد في النظام السياسي والحكومي الأردني رأي موحد حول استيراد الغاز من إسرائيل، فقد ذكرت بعض المصادر أن هذه القضية يتم متابعتها بضغط أمريكي رغم معارضة الملك الأردني شخصياً.
تواجه الحكومة الأردنية في الوقت الراهن ضغوطًا كبيراً للغاية بسبب قرار البرلمان الأخير، اذ أنه من الممكن تعجل بدنوها من المساءلة والسقوط في حال تجاهل قرار البرلمان حول إلغاء اتفاقية شراء الغاز من الكيان الصهيوني.