الوقت- لاشك ونحن نقترب من العام التاسع لدخول سوريا أزمتها المريعة، بأن المؤسسة العسكرية في سوريا قدمت مالم يقدمه اي مؤسسة عسكرية أخرى في المنطقة على مستوى الثبات والانسجام والتوحد ووضوح الاهداف والرؤى، على الرغم من وجود بعض الثغرات هنا وهناك إلا أن ما فعله الجيش السوري خلال سنوات الأزمة يعدّ أمر أسطوري ولن يمحى من التاريخ الحديث لا في كتب الأعداء ولا في كتب الأصدقاء، وها هو اليوم هذا الجيش يتجه لينهي الفصل الأخير من معاركه في شمال غرب البلاد، وبالتحديد في أطراف حلب وضواحيها، وبالتأكيد لن تغفل عينه عن "ادلب" إلا أنه في الحقيقة يسعى لاستعادة سيطرته على هذه المدن والمناطق دون أن يحدث هناك قتلى وجرحى ولهذا السبب اتجهت القيادة السورية إلى مفاوضات مباشرة مع "تركيا" الداعم الأساسي لفصائل المعارضة المسلحة على أمل أن يصل الجانبان إلى نقاط مشتركة تجنب الطرفين المزيد من الخسائر.
على المستوى العسكري
المصادر الميدانية تتحدث عن استقدام الجيش السوري ارتالاً عسكرية جديدة لبدء العملية العسكرية في ضواحي حلب و ريفها لوضع الطريق الدولي الذي يصلها بحماة ضمن الخدمة وتأمينه من الارهاب وذلك بحسب اتفاق سوتشي 2018 والذي أعلنته موسكو الخميس الماضي.
وأفادت مصادر محلية في ريف حلب الجنوبي الشرقي أن الجيش استقدم تعزيزات عسكرية من ريف حلب الشرقي وتوجهت إلى تلك المنطقة ومرت عبر طريق الزكية – تل حسان الذي يربط طريقي حلب- الرقة وحماة- أثريا- الرقة مع بعضهما بعضا.
وبيّنت المصادر، أن مسلحي التنظيم ظهروا بأربع سيارات وبرفقتها شاحنة كبيرة، وأن استهداف مسلحي "داعش" جاء بعد ملاحظة تحركات لهم في قرية النعيم المعروفة بقرية الشيخ جاسم، شمال طريق أثريا.
واستقدم الجيش السوري تعزيزات عسكرية ضخمة إلى الخطوط الأمامية على الجبهات الغربية من مدينة حلب وريف المحافظة الجنوبي.
وكشفت صحيفة "الوطن" السورية نقلا عن مصادر خاصة، أن الجيش السوري استقدم أرتالا عسكرية بينها صواريخ حديثة لم تستخدم في حلب من قبل وأضافت المصادر للصحيفة أن التعزيزات السابقة التي أرسلت في وقت سابق إيذاناً ببدء عملية عسكرية متوقعة في أي لحظة، لا تتنافى مع وقف إطلاق النار.
وأكدت مصادر خاصة أن الجيش السوري بات في جهوزية تامة، وعلى أتم الاستعداد للقيام بعمل عسكري ضخم، أعد وخطط له جيداً، ويشمل كل القطاعات والمحاور التي تحددها القيادة العسكرية وعلى طول جبهات غرب وجنوب المحافظة، وشدد على أنه آن الأوان كي تنعم الشهباء بالأمن والاستقرار بعد أكثر من ثلاث سنوات من تحريرها من الإرهاب.
إنسانياً
افتتح الجيش السوري، يوم امس الاثنين، معابر إنسانية رئيسة لتسهيل عبور المدنيين الراغبين في مغادرة مناطق سيطرة الفصائل المسلحة في ريفي إدلب وحلب، وقال الجيش - في بيان أوردته قناة "روسيا اليوم" - إن المعابر الجديدة هي أبو الضهور، والحاضر والهبيط، قد أصبحت معدة ومجهزة بنقاط أمنية وإغاثية لاستقبال من يرغب بدخول مناطق سيطرة الحكومة السورية، أو تسوية وضعه وتسليم سلاحه.
وأعلنت الحكومة السورية، موافقتها على تطبيق الهدنة المتفق عليها دولياً، وأوقفت عملياتها العسكرية، وتقدمها باتجاه معرة النعمان، بالرغم من هجمات عدة نفذها مسلحو جبهة النصرة على مواقع الجيش السوري في جرجناز وأبو الضهور.
على مستوى المفاوضات
تحاول جهات حكومية عديدة التوصل إلي اتفاق يقضي بالمصالحة، وإخراج الفصائل المسلحة من محيط الطريق الدولي، كما بذلت جهودا عديدة للسماح بإخراج من يرغب من الأهالي المحاصرين والمهجرين بسبب الحرب، عبر ممرات إنسانية من محاور عدة في المنطقة الممتدة بين ريف إدلب وحلب، ولكن قوبل ذلك بالرفض القاطع.
يذكر أن الدولة السورية افتتحت معبر أبو الضهور لمدة تقارب 90 يوم، ولكن هاجمت جبهة النصرة هذا المعبر وعمدت إلي تفخيخه واستهداف المدنيين.
ولأوّل مرة منذ احتدام الحرب في سوريا، خرج، رسمياً، إلى العلن، لقاء بين مسؤولين رسميين من سوريا، وآخرين من تركيا، برعاية روسية. رئيس مكتب الأمن الوطني السوري علي مملوك، ورئيس جهاز المخابرات التركي حقان فيدان، اجتمعا، أمس، في موسكو، بحضور عدد من المسؤولين الروس. وليس هذا اللقاء هو الأول بين مملوك وفيدان، إذ تشير معطيات متواترة إلى لقاءات عديدة عقدت بينهما في السنوات القليلة الماضية. لكن اللافت في اللقاء الأخير أنه جاء معلناً عبر الإعلام الرسمي السوري، بينما لم يصدر أيّ تعليق عن الجانبين التركي أو الروسي. إعلانٌ يمكن النظر إليه على أنه رسالة من دمشق باستعدادها لخوض حوار مع أنقرة، تحت سقف احترام سيادة الأراضي السورية، وتطبيق الاتفاقات المعقودة برعاية روسية، خاصة في إدلب وشرق الفرات. ومع أن هذا التطور لا يُعدّ إيذاناً بعودة العلاقات السورية - التركية، ولا حتى ببدء مفاوضات سياسية بين الجانبين، إلا أنه يشي بمسار مختلف في الرحلة القادمة، عنوانه معالجة القضايا المشتركة والحساسة، خصوصاً الأمنية منها، عبر الحوار تحت الرعاية الروسية. ومن شأن اللقاءات الأمنية، ربما، التمهيد لعقد لقاءات سياسية مستقبلاً، إلا أنه لا سقف زمنياً لذلك التوجّه، إذ هذه ليست المرة الأولى التي يلتقي فيها المسؤولان الأمنيان، وقد تكون الأخيرة شبيهة بما قبلها، أو تتحول إلى خطوة علنية أولى في سياق حوار طويل.
بحسب ما سيتمخض عن هذا الاجتماع سنشهد تصعيدا للمعارك أو تهدئة والتوجه إلى الحلول السلمية، والأفضل للجميع الحل الثاني لعدة أسباب، أبرزها أن سيطرة الجيش السوري على باقي المناطق الخارجة عن سيطرته يعد أمرا محسوما لصالح الجيش السوري، خاصة بعد الضربات الموجعة التي تلقاها المسلحين في الفترة الأخيرة.
والسبب الثاني أن الحكومة السورية فتحت ابوابها لجميع أبنائها من جميع المحافظات، وهي تؤمن لهم ممرات آمنة وظروف جيدة نسبيا، لذلك من الافضل لهم العودة الى كنف الدولة.
والسبب الثالث أن تركيا لم يعد بإمكانها تقديم المزيد من الدعم للمعارضة المسلحة بعد أن خسرت أغلب أوراقها في المناطق السورية، وبالتالي اصبح موقفها ضعيف في اي مفاوضات ايا كانت.