الوقت- وافق البرلمان العراقي خلال اجتماع طارئ حضره 173 من أصل 329 نائبا برئاسة محمد الحلبوسي في 5 كانون الثاني (يناير) 2020 ، على مشروع قانون اخراج القوات الأجنبية من العراق. وجاء المشروع الذي يهدف أصلاً إلى طرد القوات الأمريكية من العراق، وسط فشل واشنطن في الامتثال للقانون الدولي ، من خلال اغتيالها قائد قوات فيلق القدس في حرس الثورة الإسلامية اللواء سليماني ونائب قائد قوات الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس بمعية عدد من رفاقهم. وفي هذه الظروف ، وافق البرلمان العراقي ، في أعقاب الأعمال غير القانونية للولايات المتحدة والاحتجاجات المكثفة من قبل المواطنين العراقيين ، على مشروع قانون اخراج القوات العسكرية الأجنبية في اجتماعه الطارئ ، والذي اعتمد خمس محاور رئيسية منها:
1-ستنهي الحكومة العراقية طلب المساعدة التي قدمه التحالف الدولي لمكافحة داعش بسبب انتهاء العمليات العسكرية والحربية وهزيمة داعش.
2-إن الحكومة العراقية ملزمة بترحيل جميع القوات العسكرية الأجنبية والحلول دون استفاده الجهات الأجنبية من الحدود المائية والإقليمية والجوية بأي ذريعة أو غرض. ولا يحق لأي بلد استخدام أراضي هذا البلد كقاعدة لمهاجمة بلد آخر.
3-يجب على الحكومة العراقية تقديم شكوى على الولايات المتحدة من خلال وزير الخارجية لدى منظمة الأمم المتحدة ومجلس الامن لانتهاكها السيادة والأمن الوطنيين للعراق.
4-الحكومة العراقية مطالبة بالتحقيق على اعلى مستوى ممكن في أحداث الضربات الجوية والتفجيرات الأمريكية الاخيرة، وإبلاغ البرلمان بالنتائج في غضون 7 أيام من المصادقة على هذا القانون.
5-يعتبر هذا المشروع ساري المفعول ويلزم تنفيذه بدأ من تاريخ الموافقة عليه.
بالإضافة إلى هذه الأحكام المتعددة تم اعتماد مشروع قانون اخر من قبل البرلمان العراقي يوم الأحد ، ومفاده, احتكار السلاح بيد الدولة فقط.
وتعقيباً على هذا الإعلان، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تغريدة على موقع تويتر قائلاً: "لدينا قاعدة جوية باهظة الثمن هناك. لقد كلفنا بناءها مليارات الدولارات قبل فترة طويلة من رئاستي. لن نترك العراق ما لم يعيدوا هذه الأموال إلينا. وإذا أخرجونا بالاجبار، فسنفرض عليهم عقوبات لم ترى عينهم مثلها من قبل, لدرجة ان تبدو لهم العقوبات على ايران مجرد هراء" هذا هو رد فعل ترامب وقرار البرلمان العراقي الذي يطرح الآن مسألة ما هو مصير القوات الأمريكية في العراق؟
في الواقع وبعد قرار البرلمان العراقي بإلزام الحكومة باخراج القوات الأجنبية ومن ضمنها القوات الأمريكية من العراق ، تم طرح العديد من الحجج التي تعرض بعض الحواجز القانونية والتبعات التي تتطلب في الواقع القراءة والتحليل.
الشوائب الإعلامية
في بداية الامر اقترحت بعض وسائل الإعلام والمراقبين السياسيين أن قرار البرلمان العراقي لم يكن قانونياً وبالتالي لا يمكن ان يأخذ بعداً تنفيذياً. ويعتمد استدلالهم هذا على أنه يجب على الحكومة أولاً تمرير مسودة القانون هذا إلى البرلمان ثم التصويت عليه من قبل الاعضاء، ولكن الآن وبسبب الفراغ الذي أعقب استقالة عادل عبد المهدي ، فإن موافقة الأعضاء على المشروع المذكور تعتبر انتهاكاً للدستور.
وعند تقييم الاعتراض ، يمكن القول إن البرلمان العراقي لم يقدم مسودة مشروع ولكنه قدم مرسوماً للحكومة يطالب بطرد القوات الأجنبية من البلاد. وبموجب المادة 60 من الدستور العراقي ، يمكن اعتماد أي اقتراح او مشروع للموافقة عليه في البرلمان بطريقتين: الأولى من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والآخر بموجب قانون مقترح من قبل 10 ممثلين أو واحدة من اللجان البرلمانية. ونتيجة لذلك ، لم يكن لمرسوم البرلمان ، الذي تمت الموافقة عليه بأغلبية ساحقة من جميع النواب الحاضرين ، أي مشاكل قانونية ويعتبر رئيس الوزراء الجديد ملزماً بتنفيذه بعد موافقة رئيس الجمهورية النهائية عليه.
وهناك اعتقاد خاطئ آخر يحيط بشرعية قرار البرلمان العراقي باخراج قوات أجنبية هو أن هناك اتفاقية أمنية بين العراق والولايات المتحدة تمت الموافقة عليها في عام 2008 وقد اتخذت بعداً تنفيذياً بعدما أمضى عليها رئيس الجمهورية في الثاني من شهر ديسمبر ذاك العام. حيث تم التصديق على هذه الاتفاقية بأغلبية ثلثي الأصوات في البرلمان بناءً على احكام المادة 61 من الدستور العراقي لكونها اتفاقية امنية ودولية بين العراق ودولة ثالثة، ويجب ان يتم التصويت بعدد مماثل لالغائها. ونتيجة لذلك ، فإن تصويت الأغلبية العادية أي 50 زائد واحد ليس كافياً ويتطلب إعادة التصويت.
يتم طرح هذا الموضوع في حال ان الدستور العراقي لا يشير إلى الحاجة إلى الغالبية الساحقة لإلغاء اتفاق دولي ، وبموجب احكام المادة 59 من القانون نفسه ، فإن قرارات البرلمان تتمع بشرعية قانونية فيما اذا حققت 50٪ زائد صوت واحد بشرط أن ألا تتعارض مع أحكام الدستور الأخرى. ففي الجلسة التي عقدت في 5 كانون الثاني (يناير) 2020 ، كان البرلمان العراقي بحاجة أيضًا إلى التأكيد أولا على أن 174 عضو من أصل 329 كانوا حاضرين ، مما يعني أن الجلسة البرلمانية وصلت إلى نصف النصاب القانوني زائد واحد، مع تتمة عدد الأصوات تؤيد مرسوم البرلمان.
بالإضافة إلى ذلك ، من الضرورة الإشارة إلى أن قرار برلمان كلّف رئيس الوزراء بطرد القوات العسكرية الأجنبية ولم يفرض مهلة زمنية محددة للتنفيذ. لذا فإن التزام رئيس الوزراء الجديد بهذا القرار ليس مؤكدًا ، لكن عليه أن يتحرك في هذا الاتجاه. وعادل عبد المهدي لا يستطيع العمل به بسبب استقالته.
دفع العراق غرامة تريليون دولار لامريكا
ومن المسائل الأخرى التي أثيرت حول قرار البرلمان في ترحيل القوات العسكرية الأجنبية من العراق، بما في ذلك الولايات المتحدة ، وهي ضرورة دفع العراق غرامة بموجب الاتفاقية الأمنية لعام 2008. وعلى أساس الشبهات المغلوطة التي طرحت, أنه من المتوقع أن يدفع العراق حوالي 1 تريليون و 200 مليار دولار كتعويضات للأميركيين في أعقاب الهجوم على النظام البعثي عام 2003 في حالة نقض المعاهدة الأمنية والترحيل القسري للقوات الامريكية من العراق.
إن أساس هذه القضية لا يتماشى بأي حال مع شروط الاتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة والعراق ، وان ما تم حتى الآن تعيين تعويض رسمي يتعلق بفرض مبلغ 400 مليون دولار كتعويض عن قتل وتعذيب الأمريكيين خلال فترة حكم صدام للعراق. ووفقًا للمعاهدة الأمنية بين الولايات المتحدة والعراق ، لم يتم تحديد أي مبلغ كتعويض عن الخسائر أو حق التحرر ، وليس لها أي أساس من الصحة.
ومن ناحية أخرى ، فإن مطالبة ترامب بأن على العراقيين أن يدفعوا ثمن القواعد العسكرية الأمريكية ليس لها أي خلفية قانونية ، ويمكن أن تكون شكلاً من أشكال الابتزاز الأمريكي لبغداد وصراعًا للبقاء في البلاد.
ومع ذلك ، ما يبدو أكيدًا هو أن مشروع ترحيل القوات الأمريكية من العراق لا يخضع لأي قيود قانونية جديدة وأن قانون ترحيل القوات الأجنبية قانوني بشكل تام. لذا ، فإن رئيس الوزراء العراقي الجديد مكلف بمطالبة القوات العسكرية الأمريكية والدول الأخرى على مغادرة البلاد.
وفي ظل هذه الظروف ، فإن الطريقة الوحيدة لبقاء القوات الأمريكية في العراق هي اللجوء إلى الصراع العسكري وإغراق العراق في حرب ميدانية وهو احتمال ضعيف جداً لأن واشنطن تدرك جيداً عواقبه وتداعياته الخطيرة. لذلك ، وبعد مصادقة البرلمان العراقي للمشروع، لا خيار أمام الأميركيين سوى مغادرة العراق ولا يمكنها من خلال الاعتماد على القوة العسكرية انتهاك السيادة الوطنية لدولة عضو في منظمة الأمم المتحدة.
تبعات وآثار قرار البرلمان العراقي
الآن، وبعد قرار البرلمان العراقي الجديد والذي طبقه كبار المسؤولين السياسيين العراقيين أيضًا على المسؤولين الأمريكيين، يمكن إعادة النظر في تداعيات هذا الحدث وآثاره بالطرق التالية:
1- لا شك أن أهم تداعيات ونتائج هذا القرار يمكن أن تكون فشل السياسة الخارجية للولايات المتحدة على المستوى العام في منطقة غرب آسيا. ففي السنوات التي أعقبت احتلال العراق عام 2003 ، ظن الأمريكيون أن بإمكانهم السيطرة على المنطقة. وفي هذا المشروع ، كان العراق الركن الرئيسي لمشروع الشرق الأوسط الكبير بسبب موقعه الاستراتيجي. ومن ناحية أخرى ، فإن القواعد الأمريكية في بلدان أخرى في المنطقة ليست مهمة لواشنطن بقدر أهمية الوجود العسكري في العراق ، لأنها تحمل وتستوعب القوات البرية للجيش الأمريكي. ولكن الآن تواجه امريكا حقيقة أنه لا مكان لها بين سكان المنطقة.
2- بعد ثلاثة أشهر من الاحتجاجات التي نُظمت على حساب دولارات النفط السعودية ، أدى قرار البرلمان العراقي الجديد إلى تقسيم الصفوف بين المواطنين الحقيقيين والمرتزقة. والآن ، فان نسبة كبيرة من المواطنين العراقيين لا ترضى عن أي شيء سوى طرد الأمريكيين من البلاد. حيث يمكن اعتبار هذا الامر بمثابة بداية للثورة الاجتماعية والسياسية للجيل الجديد من العراق ضد أمريكا.
3- ويمكن النظر إلى قرار البرلمان العراقي الجديد باعتباره هزيمة كبيرة للقيم الليبرالية الأمريكية الجديدة والتي هدفت في السنوات التي تلت عام 2003 ، الى التوسع في غرب آسيا من خلال التركيز على العراق.
4- وعلى مستوى آخر ، يمكن اعتبار قرار البرلمان العراقي بانه تقويض للشخصيات والتيارات السياسية العلمانية في العراق. أي أولئك الذين أرادوا إرساء الديمقراطية على النمط الغربي والعسكرة السياسية القائمة على الفصل بين السياسة والشريعة. وهذا الامر سوف يقود العراق إلى تغيير نظامه السياسي إلى نظام القيم الدينية في المستقبل.
5- والنتيجة الرئيسية الأخرى لقرار البرلمان العراقي هي خفض المناورات العسكرية والأمنية الأمريكية في العراق والمنطقة. وفي الواقع ، قد يكون الحد من استخدام الولايات المتحدة للحدود الجوية والبرية للعراق بحد ذاته هزيمة كبرى لواشنطن في المجال العسكري.
6- نظرت الحكومة الأمريكية إلى العراق على أنه ملعبها الفارغ في منطقة غرب آسيا منذ عام 2003 وحتى الان، وكانت دائمًا واثقة من استمرار وجودها ودورها في التاثير معادلات هذا البلد، ولكن بعد قرار البرلمان العراقي الجديد ، يبدو انه على واشنطن الآن أن نقول وداعًا للوجود الفعال الدائم في بغداد.
7- ومن النتائج الأخرى لقرار البرلمان الجديد أن جميع المعاهدات والاتفاقيات بين بغداد وواشنطن سيتم قطعها بشكل تام، وكما أعلن الأمريكيون والتحالف المناهض لداعش في الأيام القليلة الماضية ان الحرب على داعش وتدريب القوات العراقية قد توقف. وهذا يعني نهاية التعاون الأمريكي-العراقي وربما فرض عقوبات من قبل إدارة ترامب على بغداد.