الوقت- في الكيان الاسرائيلي كلما كان الزعيم الاسرائيلي أكثر تطرفاً كلما كسب شعبية أكبر لدى الصهاينة ولدى أمريكا، وكلما قتل أكثر من الفلسطينيين ووسع مستوطناته على أراضيهم وشرد الأهالي كلما لاقى ترحيباً أكبر في الأوساط الاسرائيلية إلا أن هذا التطرف لا يمكن أن يستمر على هذا النحو في ظل تنامي قدرات الفلسطينيين وقدرتهم على الرد إن كان في المحافل الدولية أو على الأرض وهذا الأمر اتضح مؤخراً في إعلان مصادر اسرائيلية عن أن الحكومة الإسرائيلية قررت تجميد خططها بشأن ضم وادي الأردن المعروف باسم "غور الأردن" في الضفة الغربية إلى إسرائيل بعد قرار المدعية العامة في المحكمة الدولية فتح تحقيق في "مزاعم" ارتكاب مسؤولين إسرائيليين جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية.
رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي يحضر نفسه لانتخابات داخلية تتعلق بزعامة حزب الليكود، كان قد طبل وزمر كثيراً في موضوع ضم غور الاردن إلا أن المعطيات السياسية والمعطيات التي فرزها الواقع على الأرض لم تصب في مصلحة نتنياهو الذي فشل في تشكيل حكومة لثلاث مرات متتالية، وبالتالي لم يكن أمامه سوى ابراز المزيد من التطرف ليعيد تشكيل دائرته الشعبية إلا أن المتغيرات الجديدة وقفت في وجهه، لاسيما بعد قرار المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية (فاتو بنسودا)التي تقترب من نشر نتائج تحقيقها الأولي، بخصوص الانتهاكات التي قام بها الصهاينة في فلسطين، الأمر الذي من شأنه أن يلاحق جنود وضباط اسرائيليين لارتكابهم جرائم حرب بحق الفلسطينيين.
الأمر الثاني الذي أعاق موضوع ضم غور الاردن، هو العلاقة المتردية مع الاردن والملك عبدالله الثاني بالتحديد، خاصة بعد التصريحات الأولى التي اطلقها نتنياهو لضم الاردن، إذ أكد الملك عبد الله حينها أن العلاقة بينه وبين نتنياهو، "في أسوأ حالاتها"، خاصة بعد استرداد الاردن لمنطقتي الغمر والباقورة من الصهاينة، كما حضر الملك عبدالله تدريبات غير مسبوقة على الحدود مع "إسرائيل".
الصحف الاسرائيلية كشفت أن نتنياهو، قبل توصيات المستشارين القضائيين الذين نصحوه بوقف أي ممارسات أو إجراءات استيطانية توسعية، بما في ذلك الإعداد لتنفيذ الوعد الذي قطعه في حينه لضم منطقتي غور الأردن وشمالي البحر الميت إلى تخوم السيادة الإسرائيلية.
وقالت هذه الصحف، إن نتنياهو أمر بتجميد كل هذه الإجراءات وغيرها من أجل منع أي تصعيد ومواجهة في المحافل الدولية، والتركز حالياً على مواجهة قرار المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، فاتو بنسودا، فتح تحقيق شامل في جرائم حرب نفذها الجيش الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبناءً عليه، ألغى مكتب نتنياهو الاجتماع الذي كان مقرراً لكبار المسؤولين في الوزارات المختلفة، أمس (الثلاثاء)، الذي كان من المقرر أن يبحث مخطط ضم الأغوار، ونقل الموقع عن مصادر مطلعة على القضية قولها إن "الضم سيدخل مرحلة التجميد العميق".
وكان نتنياهو، في سبيل تعزيز مكانته في صفوف المستوطنين ومنع ممثليهم في أحزاب اليمين المتطرف من الانسلاخ عنه، أقر عدداً كبيراً من مشاريع الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، وأمر بتوسيع نطاق هدم البيوت الفلسطينية بحجة أنها من دون ترخيص، ووعد بضم الأغوار بُعيد انتخابات الكنيست، وحظي بدعم مطلق من قبل أحزاب اليمين وحتى من منافسيه في كتلة "كحول لفان" برئاسة بيني غانتس، وتقرر تشكيل لجنة مشتركة بين الوزارات الحكومية لإعداد مخطط تفصيلي لهذه المشاريع، حتى يكون جاهزاً حالما يتم تشكيل حكومة قادمة.
لكن قرار المدعية العامة، بنسودا، قلب الأمور. ويبدو أن نتنياهو يدرك أنه إذا كانت ممارساته حتى الآن تسبب مشكلة جدية له مع محكمة الجرائم الدولية، فإن الاستمرار فيها وإضافة مشاريع تمس بالقانون الدولي بعد الآن تعتبر "جريمة مضاعفة" وفقاً للمحكمة. ولذلك؛ لم يعد أمامه مفر سوى تجميد المشاريع ووقف التحضيرات لها. وقالت المصادر، إن نتنياهو قرر الفرملة، ولو مؤقتاً، حتى تتضح له صورة الوضع الدولي وكيفية تعامل دول العالم مع قرار بنسودا. وأكدت أنه يتخوف من أي إجراءات قد تتخذ ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية في لاهاي.
يذكر أن الجلسة الأولى للجنة الوزارية المشتركة المكلفة البحث بمخطط الضم، كانت ستعقد الأسبوع الماضي، تزامناً مع إعلان بنسودا، وقد تم تأجيله بضعة أيام. لكنه اليوم يتضح أن التأجيل سيتحول إلى تجميد، وتقرر إلغاء الجلسة وتجميد مشاورات الضم. وقد تم إبلاغ المسؤولين بإلغاء الجلسة، فقط قبل ساعات قليلة من موعد انعقادها. وحسب تسريبات صحافية، فإن اللجنة، التي يرأسها مدير عام مكتب رئيس الحكومة، رونين بيرتس، تضم مندوبين عن وزارة الخارجية، وعن "الإدارة المدنية" في الجيش الإسرائيلي، المستشار القضائي للجيش وطاقماً من مجلس الأمن القومي. وقد كلفت اللجنة الوزارية المشتركة تحضير المخطط لتحفيز عملية تطبيق "السيادة"، وضم الأغوار، وترجمة المخطط إلى قرار حكومي أو مشروع قانون يصادق عليه الكنيست.
ورجح سياسيون ومحللون فلسطينيون أن تجميد نتنياهو قرار الضم سيكون انتكاسة انتخابية له، وطالب عدد منهم السلطة الفلسطينية "بالتحرك فوراً" لتقديم ملفات تدين إسرائيل في محكمة العدل الدولية.
وقال المحلل الفلسطيني الدكتور أيمن الرقب أن إلغاء حكومة نتنياهو الاجتماع هو "نتيجة خوفه من زيادة استفزاز السلطة الفلسطينية" خاصة بعد تصريحات المدعية العامة للجنائية الدولية، فاتو بنسودا، التي قالت قبل أيام أن فتح قضايا ضد اسرائيل أصبح مقبولاً لدى المحكمة.
وقال الرقب إن هذا الخبر"ضربة قوية لنتنياهو فيما هو يستعد لخوض انتخابات داخلية في حزب الليكود، وإذا فاز فسيحتاج إلى الكثير من الخطوات المتطرفة حتى يستمر في المنافسة على موقع مجلس الوزراء".
ورجح أن يكون نتنياهو قد استشار حلفاءه، وخاصة الأمريكيين، وبذلك أجّل ضم غور الأردن، ولكن هذا لا يعني قفل الملف بشكل كامل.
وأضاف الرقب: "نحن الفلسطينيين علينا أن نكمل ما أعلناه بشأن مقاضاة الاحتلال وقادته، ولا نركن إلى خطوات غير مفهومة من نتنياهو ما دامت لا تحقق ما نسعى إليه".
في الختام.. عقب قرار التجميد تعرض نتنياهو لانتقادات حادة من قبل كتّاب وسياسيين من اليمين الإسرائيلي الذين اتهموه بالاستسلام للمحكمة الجنائية الدولية، محذرين من أن قرار تجميد ضم وادي الأردن قد يؤدي إلى عواقب أخرى مثل ملاحقة الجنود الإسرائيليين، لكن هؤلاء لا يعلمون أن نتنياهو الملاحق بقضايا فساد ولم يعد يملك ذات الشعبية التي كان يملكها في السابق، حتى أن داعميه في البيت الابيض يتعرضون لضغوط قد تسبب عزل الرئيس وبالتالي نتنياهو اليوم هو في اضعف حالاته وعلى الفلسطينيين استغلال هذه اللحظات لإدانة الاحتلال على اوسع نطاق ممكن.