الوقت- إن افتتاح البرازيل مكتباً تجارياً في القدس يوم الأحد ما هو إلا محاولة فاشلة من الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو لإعادة الاعتبار لشخصين لم يعد لهما اعتبار أصلاً، هما رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي انتهت صلاحيته بعد فشله في تشكيل حكومة لثلاثة مرات متعاقبة ناهيك عن الفضائح التي تلاحقه والتي ستطيح به قريبا وتنهي حياته السياسية، اما الثاني فهو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي صوت في الأمس مجلس النواب على عزله، فهو الأخر تلاحقه فضائح قد تطيح به في المرحلة المقبلة وهذا الامر ليس مستبعدا اطلاقا ان يحدث خلال الشهر الأول من السنة الميلادية القادمة عندما تصبح الكرة بملعب الكونغرس.
اذا ما قام به الرئيس البرازيلي ليس له أي جدوى سوى العبث من جديد بأمن واستقرار المنطقة وإضفاء شرعية للكيان الصهيوني لسيطرته على القدس الشرقية والتي من المقرر أن تصبح عاصمة للفلسطينيين وفقا للمعاهدات الدولية إلا أن الصهاينة يحاولون بدعم من ترامب نزع شرية القدس من الفلسطينيين ونقل سفارتهم إليها لتصبح هي عاصمة كيانهم المحتل، إلا أن العالم وقف بأسره في وجه هذه الخطوة عدا ترامب وغواتيمالا وها هي البرازيل تمهد الطريق للقيام بخطوة مشابهة، حيث أكد مسؤول كبير أن الرئيس جايير بولسونارو ينوي الإيفاء بوعده بنقل مقر سفارة بلاده إلى مدينة القدس المتنازع عليها. وكان الرئيس بولسونارو قد أعلن خلال مؤتمر صحفي مع نتانياهو في القدس في نيسان/أبريل الماضي عن قراره فتح مكتب دبلوماسي يعنى بالشؤون الاقتصادية في القدس، على أن يحمل المكتب إسم الوكالة البرازيلية للتجارة والاستثمار "أبيكس". وأشرف إدواردو بولسونارو نجل الرئيس البرازيلي والنائب في مجلس النواب على حفل الإفتتاح.
وتعهد الرئيس البرازيلي أيضا أن يحذو حذو الولايات المتحدة بنقل سفارة بلاده إلى المدينة المتنازع عليها. وأعلن إدواردو بولسونارو خلال حديثه في الحفل أن نقل السفارة سيتم بالفعل وأن والده أكد ذلك.
وبحسب النائب بولسونارو الذي يشغل أيضا منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية والدفاع الوطني في البرلمان البرازيلي فإن التأخير في تنفيذ هذه الخطوة مرده إلى رغبة بلاده في التحضير الشامل لذلك ولتكون مثالا يحتذى به لبلدان أمريكا الجنوبية الأخرى.
وأضاف "نريد نقل السفارة إلى القدس، ليس البرازيل فقط، بل لنكون مثالا يحتذى لسائر دول أمريكا الجنوبية".
استفزاز ستكون نتائجه وخيمة
ما يوم به الرئيس البرازيلي ونجله هو استفزاز واضح لمشاعر الفلسطينيين والمسلمين وجميع الأحرار في جميع أنحاء العالم، وتشجيع واضح من قبل الرئيس البرازيلي ونجله لإسرائيل على مواصلة نهجها في ارتكاب المزيد من الجرائم ومصادرة الأراضي ودعمًا للإدارة الأمريكية لتنفيذ صفقة القرن التي تخالف القانون الدولي وقرارات الامم المتحدة ذات الصلة.
نقل سفارة البرازيل غلى القدس سيحرض على العنف وسيدفع الأمور بعيدا جدا عن السلام، ولمن لا يذكر التاريخ الحديث فقد احتلت إسرائيل القدس الشرقية عام 1967، وضمّتها لاحقاً في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي. وتعتبر إسرائيل القدس بشقيها عاصمتها الموحدة، في حين يريد الفلسطينيون إعلان القدس الشرقية عاصمة لدولتهم المستقبلية.
وتتفق غالبية دول العالم على أنّ وضع القدس يجب أن يتم تحديده عبر مفاوضات سلام فلسطينية إسرائيلية. وحتى الآن، خرقت الولايات المتحدة وغواتيمالا الإجماع الدولي على المدينة، عبر فتح سفارتين لهما في القدس. وجمّد الفلسطينيون التواصل مع البيت الأبيض على خلفية ذلك. كما افتتحت هنغاريا مكتبا تجاريا في القدس.
ادانات فلسطينية
أدان الفلسطينيون افتتاح البرازيل أمس لمكتب تجاري لها في القدس كخطوة نحو نقل سفارتها الى المدينة.
وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صالح رأفت "إن إقدام البرازيل على هذه الخطوة يعد مخالفة متعمدة لقرارات الشرعية الدولية وتعدياً على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وذات السيادة، وفق القرارات الدولية على حدود الرابع من حزيران بعاصمتها القدس الشرقية".
وأضاف أن "الضغوط التي تمارسها إدارة الرئيس ترامب وحكومة اليمين المتطرف في إسرائيل برئاسة نتنياهو على العديد من الدول وابتزازها من أجل تنفيذ المخططات الإسرائيلية في إنهاء حل الدولتين، لن يكتب لها النجاح وسيتصدى شعبنا الفلسطيني لكل هذه الإجراءات والممارسات حتى نيل الحرية وتقرير المصير".
الجامعة العربية
اذا توحدت الدول العربية وهذا ما نستبعده على الضغط على البرازيل وقطع علاقاتها الاقتصادية معها ستردع هذه الخطوة الرئيس البرازيلي لامحالة وتمنعه من نقل السفارة، ولكن دعونا نرى ما سيتمخض عنه اجتماع الجامعة العربية الطارئ اليوم على مستوى المندوبين الدائمين في دورة غير عادية برئاسة العراق، لبحث الخطوات والإجراءات لمواجهة قرار البرازيل فتح مكتب تجاري لها في القدس.
هذا ما أكده سفير فلسطين لدى مصر، مندوبها الدائم لدى الجامعة العربية دياب اللوح، حسبما نقلت عنه وكالة الانباء الفلسطينية الرسمية. وقال السفير اللوح في تصريح لـ(وفا) الأربعاء، إنه "بناء على توجيهات الرئيس محمود عباس، طلبت فلسطين عقد هذا الإجتماع الطارئ لمجلس الجامعة، في وقت تتعرض فيه مدينة القدس إلى هجمة شرسة تشنها دولة الاحتلال بحق المدينة ومعالمها التاريخية والحضارية وتراثها الإسلامي".
وناشد الدبلوماسي الفلسطيني الحكومة البرازيلية بـ"التراجع عن هذه السياسات المغامرة التي تضر بمصالح الشعب البرازيلي ولا تساعد في تحقيق سلام عادل في الشرق الأوسط".
وبشأن إجتماع مجلس الجامعة العربية، شدد سفير فلسطين على "ضرورة أن يصدر عن الاجتماع موقف عربي يتضمن آليات تنفيذية ضاغطة لتتراجع البرازيل عن قرارها، خاصة أن هذه الخطوة تعتبر إنتهاكا للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصِّلة، واستهتارا بقرارات جامعة الدول العربية على مستوى القمة والوزاري والمندوبين الدائمين، التي حذرت البرازيل في أكثر من مناسبة من الإخلال بالمكانة القانونية لمدينة القدس".
محاولات "اسرائيل" الفاشلة
حاول الاحتلال الاسرائيلي جذب دول العالم لفتح سفاراتها في القدس من خلال تقديم عروض سخية للدول وتقديم حوافز مالية بقيمة 50 مليون شيكل (قرابة 14 مليون دولار) لتشجيع الدول لنقل سفاراتها في إسرائيل من تل أبيب الى القدس، ومع ذلك عجز كيان الاحتلال عن جذب هذه الدول.
الحراك الدبلوماسي الاسرائيلي باء بالفشل بالنسبة لهذا الموضوع، بالرغم من اغراءات نتنياهو للدول الأجنبية، وتقديمه عروض لأول عشر دول تفتح سفاراتها في القدس، حتى ان وزير البناء والإسكان دعا بلدية المدينة لتخصيص قطعة أرض لتحتضن البعثات الأجنبية، على غرار "شارع السفارات" في واشنطن، ولكن دون جدوى.
الدولتان الوحيدتان اللتان نقلتا سفارتيهما هما، الولايات المتحدة وغواتيمالا، طبعا وهناك احتمال بأن تعيد واشنطن سفارتها الى تل ابيب في حال تغيرت الادارة الامريكية، وسبق أن حدث ذلك مع براغواي التي افتتح رئيسها السابق هوراسيو كارتيس سفارة لبلاده في القدس، قبل أن يتراجع خلفه ماريو بنيتيس عن هذه الخطوة ويعيد مقر البعثة إلى تل أبيب.
وتحدثت هندوراس أيضا عن نقل سفارتها إلى القدس، لكن مقابل فتح بعثة إسرائيلية في عاصمتها تيغوسيغالبا، وأوضحت الخارجية الهندوراسية في مارس الماضي أنها ستنشئ "مكتبا تجاريا" في القدس بعد افتتاح إسرائيل "مكتب تعاون" لها في عاصمتها، وهو ما لم تفعله إسرائيل حتى الآن ولا تخطط له حاليا بسبب ضيقة مالية، حسب دبلوماسيين إسرائيليين.
وكان رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون قد أعلن في أكتوبر الماضي أنه منفتح على فكرة نقل سفارته إلى القدس، لكنه خيب آمال الإسرلائيلين بعد أسابع باعترافه بالقدس الغربية فقط عاصمة لإسرائيل وتعهده بنقل السفارة بعد تحديد ملامح الحل النهائي فقط. واكتفت كانبيرا بفتح مكتب للتجارة والدفاع، مؤكدة أنه لا يحمل أي صفة دبلوماسية.
نفس الشيء حدث مع البرازيل التي وعد رئيسها الحالي جايير بولسونارو خلال حملته الانتخابية بنقل السفارة إلى القدس وأكد نيته هذه حتى بعد انتخابه، لكنه تراجع في نهاية المطاف وأعلن خلال زيارة إلى إسرائيل في مارس أن حكومته قررت إنشاء "مكتب لتطوير التجارة والاستثمار والتكنولوجيا والابتكارات".
أوروبا الشرقية وموقف الاتحاد الأوروبي
وتراجع بعض أصدقاء إسرائيل في أوروبا الشرقية عن وعودهم بشأن نقل السفارات أيضا، حيث أحبط كلاوس يوهانيس الروماني توجها من هذا النوع أعلنت عنه رئيسة الوزراء فيوريكا دانشيلا في مارس الماضي.
وفي التشيك، أعلن الرئيس ميلوش زيمان إطلاق عملية من ثلاث مراحل لنقل بعثات بلاده الدبلوماسية من تل أبيب إلى القدس، لكن لم تتحقق منها إلا مرحلتان شملتا تعيين قنصل فخري في القدس وافتتاح ما يسمى البيت التشيكي في المدينة، والذي تؤكد الحكومة التشيكية أنه لا يتمتع بصفة دبلوماسية، في حين لا يبدي رئيس الحكومة أي استعجال في مسألة نقل السفارة.
الدولة الوحيدة التي يبدو أنها تسير عكس السير في الاتحاد الأوربي هي هنغاريا، فهي فتحت في مارس مكتبا تجاريا في القدس تعتبره "امتدادا" لسفارتها في تل أبيب وتصر على أن لهذا المكتب صفة دبلوماسية. لكن الاتحاد الأوروبي نفى ذلك، مشددا في مذكرة له على أن "ما فتحته هنغاريا ليس سفارة، بل مكتب تجاري".