الوقت- يتزايد حجم التوتر والخلافات في العلاقات التركية الأمريكية يوماً بعد يوم وكأن المرحلة الذهبية لهذه العلاقات قد انتهت منذ زمن طويل.
ففي عام 2019 وخلال قمة العشرين في أوساكا اليابانية، أعلن فريق الرئيس رجب طيب اردوغان أن الرئيس دونالد ترامب سيزور أنقرة قبل نهاية عام 2019، ولكن هذا الأمر لم يحدث، وبينما كان فريق الرئيس اردوغان قد استقبل خلال السنوات الماضية الرئيس الجمهوري جورج بوش والرئيس الديمقراطي باراك اوباما لم يجري دونالد ترامب أي زيارة الى تركيا.
هل كل شيء يسير على ما يرام حقاً؟
زار الرئيس التركي ورئيس حزب العدالة والتنمية رجب طيب اردوغان، في عام 2019 أمريكا مرتين، في المرة الأولى زار نيويورك للمشاركة في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة وهنا تمكن من لقاء ترامب وفي المرة الثانية زار واشنطن للقاء ترامب أيضاً.
فبالرغم من أن اردوغان ذهب الى العاصمة الامريكية بدعوة من ترامب إلا أن الاخير قال في تصريحات غريبة، "تربطنا انا والرئيس اردوغان علاقات جيدة وهو اراد المجيء الى هنا لنتحدث".
ذهب اردوغان للقاء ترامب حاملاً الكثير من التوقعات واعتبرت وسائل الاعلام التابعة لهذا الحزب التركي الحاكم لقاءه مع ترامب بالانتصار الدبلوماسي لكن الحقيقة هي أنه لم يحصل اي وعد او تعهد أو موافقة.
رغم ذلك أعلن اردوغان في مقابلة صحفية أن كل شيء يسير على ما يرام و لا توجد اي مشكلة. ففي ذلك اللقاء كان ترامب قد قال لاردوغان ان الكونغرس الأمريكي لديه وجهات نظر مختلفة بشأن مقاتلات اف 35 ومنظومة اس 400 ودعم أو عدم دعم الأكراد شرق الفرات.
كما كان اردوغان قد اعلن استعداده للذهاب الى الكونغرس والتحدث إلى اعضائه. حيث قال بثقة عالية أنه يمكنه اقناع اعضاء الكونغرس. لكن ترامب اختار مساراً آخراً وفضل ان يحضر لقاءه مع اردوغان عدد من أعضاء الكونغرس من بينهم "ليندسي غراهام".
وبعد مدة قصيرة من عودة اردوغان من أمريكا اتضح أنه لا يسير أي شيء على ما يرام في علاقات أنقرة – واشنطن.
في البداية، مجلس النواب الأمريكي ومن ثم مجلس الشيوخ اعترفوا بإبادة الارمن ومن ثم وضع قرار فرض عقوبات على تركيا على جدول الاعمال بشكل جدي ثم استخدم في نص ميزانية واشنطن الدفاعية لعام 2020 عبارة ضد تركيا تماماً وتعارض سياسات أنقرة الدفاعية والدبلوماسية.
وبالأمس اعلنت المتحدثة باسم الخارجية الامريكية ووزير الدفاع الامريكي ان بلادهما لا تنظر الى تركيا كنظرة مجلس الشيوخ! وكان اللافت موقف وزارة الخارجية حول ان ادارة ترامب لم تغير موقفها تجاه إبادة الأرمن ولا تزال تفكر كالسابق.
ولكن هل يجب ان تكون هذه العبارة "واعدة" بالنسبة لتركيا؟ لا. الحقيقة هي أنه رغم ابتسامة ترامب وبومبيو واشادتهما باردوغان وجاويش اوغلو لكن مجلس الشيوخ فعل فعلته ووضع تركيا في موقف حرج.
بعبارة أخرى، رغم اتخاذ ادارة ترامب موقفاً يتعارض مع الكونغرس ومتقارباً إلى حد ما مع حكومة اردوغان لكن قرارات الكونغرس ومجلس الشيوخ ونظرة البنتاغون هي مقلقة بالنسبة لقادة تركيا.
ما هو الخطأ الفادح الذي ارتكبه فريق اردوغان ؟
فريق أردوغان السياسي - الأمني ، الذي يشمل أشخاصاً مثل إبراهيم كالين هاكان فيدان مولود جاويش أوغلو وفخر الدين ألتون وماهر أونال والفريق الدبلوماسي التركي المستقر في واشنطن، أفهموا أردوغان أن السياسة الخارجية لأمريكا ليست بالضرورة هي ذات الشيء الذي يُسمع على لسان مستشار الامن القومي جون بولتون آنذاك وصهر الرئيس الامريكي جاريد كوشنر.
حيث اكد هؤلاء أن ترامب لديه وجهات نظر أخرى وأن لا مصداقية لتصريحات أشخاص مثل جيمس جيفري وآخرين. في الواقع، طلب هذا الفريق من أردوغان وضع كل البيض في سلة العلاقات الشخصية مع ترامب وإقناعه.
ماذا كانت النتيجة؟ على ما يبدو، نجحت هذه التوصية، وتحدث ترامب بودية للغاية عن تركيا، حتى أنه انتقد حكومة بلاده السابقة ومنح تركيا الحق في القضايا الصاروخية والدفاعية.
ولكن هل حدث أي أمر خاص على أرض الواقع؟ لا. لسببين: 1. في الآليات السياسية والقانونية للنظام السياسي الأمريكي ، الرئيس ليس بيده كل شيء وليس المتفرد بالقرارات، ومؤسسات مثل مجلس النواب والكونغرس ومجلس الشيوخ تتمتع بقدرات عالية. 2. ترامب يواجه قضية المساءلة والمشاكل القانونية، ولا يستطيع أن يصرف وقته على ان يقف بمفرده امام الاخرين ويدافع عن أردوغان، وبالأساس لا يملك الحافز الكبير لاحتساء القهوة مع اردوغان نظراً لصداقته الدسمة والمربحة مع السعودية والإمارات، ففي هذه القضية ايضاً ان عدم اهتمام فريق أردوغان بقدرة ونفوذ جماعات الضغط في أمريكا كان خطأً كبيراً جداً.
النوم مع الدب
عصمت إينونو، المعروف بالرجل الثاني في تركيا بعد أتاتورك والذي كان لسنوات عديدة رئيساً للوزراء ورئيساً لتركيا، شبّه اقامة علاقات مع دول مثل أمريكا وروسيا. بـ "النوم مع الدب على فراش واحد". حيث أصبح من الواضح الآن أن هذا التشبيه ينطبق إلى حد كبير على العلاقات بين أنقرة وواشنطن، وأن تركيا متورطة في السلوك غير المتوقّع لفريق ترامب والطبيعة الشمولية للأمريكيين.
ومع ذلك، بالنظر إلى الوضع الحالي لتركيا والأهمية التي يوليها أردوغان وفريقه للحفاظ على وضع الليرة والابتعاد عن صدمة الدولار ، لا يمكن في الوقت الراهن الحديث عن حدوث انقطاع أو توقف، لكن الحقيقة هي أن المشكلات والتوترات الراهنة تشبه الجمود بشكل جدي. حيث إن فريق أردوغان وبينما يحاول لعب أوراق مثل انجرليك وكورجيك، لا يسعى إلى زيادة التوترات ويريد تقليل الخسائر والأضرار إلى الحد الأدنى وإدارة هذا الملف بحذر.