الوقت- لعله لا توجد وسيلة في عالمنا الیوم أفضل من «الفن» لنشر صورة الإسلام السمحة، وتعريف المجتمعات البشرية بـ نبي الإسلام محمد (ص)، والذي هو نبي الرحمة وسمته الخلق العظيم كما وصفه بذلك رب العزة والجلالة، في كتابه الحكيم. وانطلاقا من هذا الإعتقاد بان الفن هو خير وسيلة لتعريف العالم بالرسول الكريم والرد علی الشبهات التي تحاول تدنيس شخصيته الكريمة، بادرت مؤسسة «نور تابان» الإيرانية بالتعاون مع المخرج القدير مجيد مجيدي لإنتاج فیلم محمد رسول الله (ص)، حيث قبل عدة ايام، عرض الفيلم في اكثر من 140 دار عرض في إيران بالاضافة الی عرضه في مهرجان مونتريال السينمائي بكندا. لكن الضجة المفتعلة لمواجهة هذا الفيلم كانت بالمرصاد، إذ اطلق العديد من علماء الوهابية الكثير من الفتاوى، التي حرّمت الفیلم، بحجة حرمة تمثيل الانبياء لان ذلك ينتقص من مكانتهم حتی في حال عدم اظهار وجوه هؤلاء الانبياء وفق هذه الفتاوى. إذن لماذا عارضت بعض المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي، فیلم الرسول محمد (ص) قبل أن تشاهد فحوی هذا الفيلم؟ هل أنه حقا ينتقص من قدسية الرسول الاكرم (ص)، ام أن هذه المعارضة تاتي لاسباب سياسية؟
خلال الايام الماضية سمعنا ردود افعال متعددة من بعض الشخصيات الإسلامية، حيث أنها نددت بانتاج فيلم محمد رسول الله (ص)، مما اثارت هذه الردود استغراب الكثير من المسلمين سنة وشيعة، وذلك لسبب ان هذا الفيلم يسلط الاضواء علی جانب من حياة الرسول الاكرم (ص) حيث انه لا توجد فيه اي خلافات بين المسلمين، ويقول مجيد مجيدي حول ذلك: «اننا اغلقنا الطريق امام اية شبهة. من جهة اخرى اننا اخترنا حقبة من تاريخ حياة النبي الاعظم (ص) اي حقبة قبل الولادة حتى طفولة النبي (ص)، لنعالج مبدئيا موضوع ظهور الاسلام». ويقول مجيدي حول مساعيه لتجنب الخلافات في انتاج فيلمه، انه «استفاد في انتاج هذا الفيلم من كتب التاريخ الاسلامي، انطلاقا من تاريخ ابن هشام ومرورا بتاريخ الطبري وكافة النسخ التاريخية الاخرى التي دونت في هذا المجال». وفي جانب آخر يصرح مجيدي، «هذه هي حقبة لا خلاف حولها بين الشيعة والسنة ولذلك انني متأكد ان عرض الفيلم يؤدي الى وحدة العالم الاسلامي». كما اكد مجيدي أنه «عرض الفيلم على رجال دين شيعة وسنة في إيران وتركيا، وقد كان لهم حكم إيجابي علیه»، إذن لماذا هذا السخط من قبل البعض؟
بالرغم من هذا الحرص والإهتمام الشديد الذي بذله مجيدي في انتاج فيلم محمد رسول الله (ص)، لتفادي اي خلافات محتملة، اثار بعض علماء السعودية والازهر الشريف، ضجة اعلامية بعد اعلان عرض الفيلم في إيران، وصلت هذه الضجة الی انه، جن جنون مفتي السعودية، «عبدالعزيز آل الشيخ»، حيث لم يحالفه الحظ في كلامه مما ادی الی استخدام نبرة طائفية وعصبية جاهلية، زعم من خلالها أن الفيلم «مجوسي وعمل عدو للاسلام»، كما اعتبره «تشويه للاسلام»، زاعما أن عرضه «لا يجوز شرعا» حسب قوله. وفي هذه الأثناء كرر وكيل الأزهر الشريف، «عباس شومان»، معارضة هذه المؤسسة الدينية تصوير أي عمل سينمائي يجسد فيه الأنبياء والصحابة، مدعيا أن عرض فيلم "محمد" يخالف ثوابت الإسلام، وعقيدة أهل السنة والجماعة.
وفي هذه الاثناء نشر موقع «الإسلام الیوم» (islamtoday )، مواقف متعددة للعديد من الشخصيات المصرية، دعوا من خلالها الازهر الشريف واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية، الی "اعادة النظر في موقفهما، الذي يرفض عرض الفيلم، محمد رسول الله(ص)". وفي مقال له تحت عنوان «لا تمنعوا فيلم "محمد رسول الله"» قال الإعلامي المصري «ياسر عبد العزيز»، «إن معارضة الأزهر في مصر، أو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية، لعرض الفيلم الإيراني "محمد رسول الله"، للمخرج مجيد مجيدي، يجب أن يعاد النظر فيها». وفي هذا السياق اكد الروائي المصري «إبراهيم عبد المجيد» في بيان له حول تعطش المجتمعات الإسلامية الی مشاهدة فيلم الرسول محمد (ص)، ان «الأزهر (..) والذين يرفضون ذلك سيفاجؤون بالناس على مواقع الفضاء الافتراضي- الإنترنت- تشاهد فيلم الرسول، وسيحقق الیوتيوب وغيره، أكبر نسبة مشاهدة في التاريخ». وفي هذا السياق وجه وزير الثقافة المصري السابق، الدكتور «جابر عصفور»، انتقادات حادة ضد الأزهر والسعودية بسبب معارضتهم عرض فيلم محمد رسول الله (ص)، حيث وصف مواقف هذه الجهات بانه «رجعي ومتشدد».
ومن خلال متابعتنا لم نر معارضة لعرض هذا الفيلم إلاّ من قبل علماء الوهابية في السعودية، ومن هو مضطر الی الرضوخ أمام رغباتهم. وللاسف الشديد فقد اصبحت مكانة الازهر الشريف موضع تشكيك بالنسبة للكثير من الناس بسبب تبعيته الی مؤسسة الافتاء في السعودية، حیث هو الآخر الذي عارض فيلم محمد رسول الله (ص) ايضا. ولهذا ليس من المحتمل أن تواجه دعوات مقاطعة الفيلم، الكثير من التأييد، بل أن هذه الدعوات ستزيد من الحماس الجماهيري لدی الشعوب الإسلامية لمشاهدته. حيث أن المصادر تؤكد أن الكثير من الدول الإسلامية ترغب بعرض فيلم محمد رسول الله (ص) في دور عرضها السينمائية.
واسمحوا لنا هنا أن نطرح بعض الأسئلة علی من عارض فيلم الرسول محمد (ص):
اولا) لماذ لم تنتج الدول الثرية مثل السعودية فيلما وفقا للرواية التي تؤمن بها هذه الدول حول شخصية الرسول الكريم، دفاعا عنه أمام الهجمة الشرسة التي يتعرض لها من قبل الصهيونية العالمية؟
ثانيا) بما أن هذا الفيلم سيكشف الكثير من التزييف حول "عنفية الإسلام" التي تروج لها الدول الغربية، فلماذا تتم معارضته من قبل البعض؟
ثالثا) لماذا تعارض بعض الشخصيات الإسلامية عرض هذا الفيلم، بينما هو يواجه ترحيباً دولياً واسعاً خاصة من قبل الشعوب الإسلامية؟
في هذه الاثناء علينا أن لا ننسی كيف انتقمت الجماعات التكفيرية من المخرج العالمي السوري «مصطفي العقاد» من خلال تفجير فندقي «راديسون ساس» و«حياة عمّان» في التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر عام 2005 والتي اودت بحیاته، للانتقام منه بسبب انتاجه فيلم «الرسالة» الشهير، الذي يحكي قصة الرسالة النبوية التي جاء بها الإسلام بعد أن بعث النبي الاكرم محمّد (ص) نبيا للعالمين. علماً انه اعتنق الإسلام مايزيد علی العشرين ألف شخص، بعد ما تعرفوا علی هذا الدين السماوي من خلال فيلم الرسالة. حيث اعدمت الاردن قبل عدة شهور «ساجدة مبارك عطروس الريشاوي» أحد الذين ارسلهم «أبو مصعب الزرقاوي»، زعيم ما كان یعرف بتنظیم «التوحيد والجهاد» للقيام بهذه التفجيرات، بعد ما نجت هي بسبب عدم انفجار حزامها الناسف في تلك العمليات.
وفي النهاية بقي الكثير من الحديث حول حقيقة معارضة فيلم محمد رسول الله، لكن ينبغي التوقف عند هذا لاختصار الوقت، لنقول إن مئات الملایين سواءً من المسلمين أو من غير المسلمين سيشاهدون هذا الفيلم، في دور السينما أو من خلال الفضائيات أو عبر الفضاء الإفتراضي، وبعد ذلك، ودون أي شك، سنری كیف سيصر اتباع الرسول الكريم (ص)، ان تنتج إيران المزيد من الافلام حول رسولهم العظيم، ليعرفوه ويعرفه العالم علی حقيقته وليس من خلال الإسلاموفوبيا. إذن نحن الیوم من جهة أمام ترحيب مئات الملايين من مسلمي العالم، لعرض فيلم محمد رسول الله (ص)، دفاعا عن نبي الرحمة، ومن جهة ثانية، نواجه إحتجاج مؤسسة الإفتاء الوهابية التي تدار من قبل اسرة ال سعود، والعلماء الذين يرتزقون من المال السعودي، فلمن ستكون الغلبة، الإجابة واضحة.