الوقت- أعلن رئيس وزراء تركيا السابق "أحمد داود أوغلو" يوم الجمعة الماضي عن تأسيس حزب سياسي جديد، موضحا أنه قدم أوراقه إلى وزارة الداخلية التركية يوم الخميس الماضي وفي أول خطاب له باعتباره رئيسا لـ"حزب المستقبل"، قال "أوغلو": "نحن في لحظة تاريخية، وعلى الرغم من كل الضغوط وجو الخوف فقد اجتمعنا لرسم مستقبل مزدهر لبلدنا". وأضاف "نحن هنا في ثلاثة أجيال، نحن من مختلف الأعمار، لكننا سنبقى شبابا، نحن مجتمع ينتمي إلى ديانات مختلفة، نأتي من خلفيات عرقية مختلفة، ولكننا مواطنون متساوون وشرفاء". وتابع "رأينا الكثير من الألم ولكن ليس الكراهية، نحن لا نأتي لحرق الماضي بكثافة، ولكن لبناء مستقبل مشترك وتقديم أشياء جديدة". ولقد أُعلنت خلال الاحتفال أسماء مؤسسي الحزب ويبلغ عددهم 154 شخصا، من بينهم أعضاء استقالوا من حزب العدالة والتنمية الحاكم. وبالنظر إلى الدور والمواقف التي قام بها "داود أوغلو" خلال فترة تأسيس وازدهار حزب العدالة والتنمية التركي، فإنه يمكن القول بأن هذا الانقسام الجديد سيكون له تأثير على النظام السياسي في تركيا وتوازنات الحزب وقوته.
الأصدقاء القدامى لـ"أردوغان"
إن تركيا دولة ذات هويات وطموحات مختلفة عاشت خلال الفترة مابين السبعينيات والتسعينيات بين القيم والتطلعات المختلفة وفي نهاية المطاف، تمكن حزب العدالة والتنمية من توفير طريقاً جديداً لتركيا من خلال إدراك الذوق السياسي للشعب التركي والجمع بينه وبين متطلبات السياسة العالمية. يذكر أن حزب العدالة والتنمية هو حزب سياسي تركي يصنف نفسه بأنه يتبع مسار معتدل، غير معادٍ للغرب، يتبنى رأسمالية السوق ويسعى الي إنضمام تركيا إلى الاتحاد الاوروبي. ويقول البعض أنه ذو جذور إسلامية وتوجه إسلامي علماني لكنه ينفي أن يكون "حزباً إسلامياً" ويحرص على ألا يستخدم الشعارات الدينية في خطاباته السياسية ويقول أنه حزب محافظ ويصنفه البعض على إنه يمثل تيار "الإسلام المعتدل"، وهو الحزب الحاكم حاليًا في البلاد، يرأس الحزب حاليًا الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" منذ 21 مايو 2017 ولقد وصل الحزب إلى الحكم في تركيا عام 2002. لكن مؤخرا بدأت شعبية هذا الحزب تتآكل، وبلغ هذا ذروته العام الحالي حين بدأت الضربات والتصدعات تتوالى عليه .
وحول هذا السياق، كشفت العديد من المصادر الاخبارية بأن المعارضة التركية وجهت ضربة قوية لحزب العدالة بقيادة "أردوغان" باقتناص رئاسة بلدية اسطنبول في إعادة الانتخابات التي جرت في يونيو الماضي، لتكسر هالة الزعيم الذي لا يقهر وتنقل رسالة من الناخبين غير الراضين عن سياساته. وبدا أن الناخبين كانوا يحاولون ايصال رسالة لحزب العدالة والتنمية الحاكم تحمّله مسؤولية الركود الاقتصادي الذي اسفر عن انخفاض قيمة الليرة بنسبة 30 في المئة العام الماضي و10 في المئة اضافية هذا العام وأدت هذه النتائج إلى فتح فصل جديد في السياسة التركية إذ تسيطر المعارضة الان على أكبر ثلاث مدن في البلاد.
تشكّل المعارضة من قلب حزب العدالة والتنمية
كان لـ"داود أوغلو" دورا بارزا في تشكّل وتأسيس حزب العدالة والتنمية، ولهذا فإن اعلانه عن انفصاله عن هذا الحزب وتشكيله حزب مستقل أثار العديد من الانتقادات داخل الاوساط التركية. يذكر أنه خلال فترة توليه منصب رئاسة الوزراء كانت له العديد من الاعتقادات ووجهات النظر المخالفة لسياسية الرئيس "أردوغان" ولهذا فلقد قدم استقالته من منصبه وقبل عدة أيام أعلن عن تشكيله لحزب "المستقبل" وهذا الامر يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن هناك صدع كبير داخل أروقة البيت التركي. وحول هذا السياق، كشفت العديد من المصادر الاخبارية بأن حزب العدالة والتنمية عقب خسارته لرئاسة بلديات المدن الرئيسة أمام المعارضة هذا العام، يواجه اليوم تحديا جديدا يتمثل بانشقاق حلفاء قدامى وتأسيس أحزابهم الخاصة. ويبدو أن الاتحاد المقدس حول الرئيس التركي قد بدأ بالتصدع، كما تظهر الخطوات غير المسبوقة لرئيس الوزراء السابق "أحمد داوود أوغلو" ووزير الاقتصاد السابق "علي باباجان"، فقد انتقد الاثنان في الأسابيع الأخيرة توجهات تركيا تحت إدارة "أردوغان". ولقد أعلن "باباجان" الذي يحظى باحترام شديد في الأوساط الاقتصادية ويعزى إليه الفضل في النجاح الاقتصادي لحزب العدالة والتنمية في العقد الأول من حكمه، استقالته من الحزب في الثامن من يوليو الماضي، مشيرا إلى الحاجة لـ"رؤية جديدة" لتركيا.ولقد تداول الإعلام التركي خلال الفترة الماضية أن "علي باباجان"، الذي تسلم في السابق وزارتي الاقتصاد والخارجية قبل أن يصبح نائبا لرئيس الوزراء حتى عام 2015، يتحضر لتأسيس حزب سياسي جديد في الخريف المقبل مع الرئيس السابق "عبدالله غول". ومع بلوغ التضخم في تركيا نسبة 15 في المئة والانكماش 2.6 في المئة في الربع الأول من عام 2019 والبطالة 13 في المئة، يرى العديد من الأتراك أن "باباجان" هو الرجل القادر على إيجاد الحلول لمشاكل البلاد، ويعتبرونه البديل المناسب لـ"أردوغان" الذي تنتهي ولايته الحالية في 2023.
مستويات مختلفة من التباين
إن المعارضة الجديدة لـ"أردوغان" تتبلور على عدة مستويات: المستوى الأول هو مستوى الشخصية والكاريزما. إن "أردوغان" و"داود أوغلو" و"عبد الله جول" و"باباجان" يعتبرون من الشخصيات الاجتماعية المحبوبة عند الرأي العام التركي وبالتالي لا يمكن لأي أحد كان إنكار الخدمات على المستويات الاقتصادية والسياسية والبنية التحتية التي قدمها اولئك القادة لتركيا. وعلى مستوى المواءمة السياسية والتعامل مع الأفراد الذين انفصلوا عن "أردوغان"، تذكر العديد من المصادر الاخبارية بأن الرئيس السابق للمحكمة الدستورية، "هاشم قليش"، رفض بعد تقاعده من منصبه الدعوة التي قدمها له حزب العدالة والتنمية للتعاون مع الحزب وفضّل الوقوف إلى جانب "عبد الله جول" و"علي بابا جان" بوصفهما المؤسسين للحزب الليبرالي الجديد.
وفي المستوى الثالث من المنافسة هو تولي بعض المعارض لـ"أردوغان" مناصب حساسة عقب إنتهاء الانتخابات البلدية وتقديمهم للكثير من الدعم الضمني للمعارضة، والأهم من ذلك هي طموحاتهم بالفوز بالرئاسة وهنا يعتقد العديد من الخبراء السياسيين بأن "عبد الله جول" هو المنافس الرئيسي لـ"أردوغان". والمستوى الرابع هو المنافسة الخطابية، حيث كان "داود أوغلو" هو صوت المعارضة النابض والقوي. يذكر أنه بذل الكثير من الجهود خلال السنوات الماضية والقاء الكثير من الخطابات التي حسنت صورة حزب العدالة والتنمية عند الرأي العام التركي، وقام أيضا بتفكيك الدلالات المهمة لتوجهات حزب العدالة والتنمية، مثل الليبرالية والتنمية الإسلامية وقام بتعريفها في العديد من خطاباته.
بالنظر إلى جميع القضايا المذكورة أعلاه، فإنه يمكن القول أنه ليس من السهل الاطاحة بـ"أردوغان" ومع ذلك، يتوقع العديد من المحللين مثل رئيس التحرير التركي المستقل "بيبي تشاتشاك"، أن المنافسة الجادة قد بدأت في تركيا ووفقًا للخبراء، فإن النتيجة الأقل ترجيحًا لهذه المنافسات، هي جذب عدد من أعضاء حزب العدالة والتنمية للأحزاب الجديدة واحتمال خسارة حزب العدالة والتنمية للأغلبية في البرلمان التركي.