الوقت- عندما تحارب الجماعات المتطرفة تصبح في دائرة قانونية واحدة وأصابع الاتهام تلف وتلف من جديد لتشهر بوصلتها الى متهم واحد لا يمكن لايٍّ كان تبرئته. الموت في العراق واليمن وسوريا لم يعد شيئا جديدا والعنف ليس بحالة استثنائية أيضا لكن أن تكون دولة عربية شقيقة هي المتهمة الاولى بقتل أبنائها يصبح حينها للأمر حكاية تطول وتطول. فحكام الرياض استبقوا الزمن والحكايا وحاولوا ابعاد تهمة دعم الارهاب والجماعات المتطرفة عنهم في خطوةٍ لتجميل الوجه القبيح باصدار أمرٍ ملكي يمنع عودة المقاتلين السعوديين الذين يقاتلون في العراق وسوريا وباعلان الحرب على داعش بدخول التحالف الامريكي، ولكن جاءت هذه القرارات بعد فوات الاوان اذ أنّ كافة الاجندة الاستخباراتية والاستراتيجية فاضت مياهها من تكدس الاتهامات بدعم وتمويل الارهاب السعودي في العراق وسوريا. فما هو مشروع السعودية في المنطقة؟ وما هي العوائق التي أدت الى تراجعه؟ وهل هو يخدم مشروع الكيان الاسرائيلي؟
السعودية صاحبة مشروع في المنطقة وهو نشر وبث التيار الوهابي الذي نهش في اسلامنا وفي عقيدتنا بشكل كبير وأصبح يشكل خطراً على الدين الاساس في منطقتنا وفي العالم العربي والاسلامي. وتريد السعودية أيضاً أن تستحوذ على الكثير من الدول العربية والاسلامية باي حال من الاحوال. يضاف الى ذلك الدور الوظيفي الذي تؤدّيه السعودية اتجاه الغرب الاستعماري في مقابل حماية نظام الحكم وقمع أي حراك شعبي من الممكن أن يواجههم، كما أنّ السعودية التي تأتي في المرتبة الثانية عالمياً من حيث استيراد الأسلحة تعدّ مصرفا مهماً للغرب الاستعماري في تصريف منتجاتها العسكرية. لكن يمكننا القول إن المشروع السعودي في المنطقة اصطدم بكثير من العوائق أهمها:
أولا: إن المرجعيات الدينية الكبرى بدأت تشن هجوماً مضاداً وعنيفاً على العقيدة الوهابية بشكل اساسي وهذا ما اتضح من بيانات الازهر الشريف من جهة، وبيانات المرجعية في النجف الاشرف وايران من جهة اخرى وبيانات من علماء بلاد الشام من جهة ثالثة.
ثانيا: فضح السعودية من قبل حلفائها وتشويه صورتها في العالم الغربي، اذ أن تقارير استخباراتية أمريكية تحدثت عن تمادي آل سعود في سفك دماء الابرياء من خلال دعمهم اللامحدود للجماعات المتطرفة منها تقرير كشف أن التمويل لهذه الجماعات الارهابية يأتي من السعودية وأبرز عددا من الشخصيات المسؤولة عن تدريبهم وتمويلهم من بينهم بندر بن سلطان وبعض الدعاة الى الانضمام اليهم كالعريفي الذي هو أبرز الدعاة الى الوهابية في السعودية. هذه الاتهامات على أهميتها لم تكن وحيدة لفضح السعودية بعدما تحولت من كونها أخباراً الى تأكيدات مدعومة بالادلة فصحيفة "إندبندنت" البريطانية قالت إن السعوديين يمولون القتل الجماعي في العراق وسوريا وإنهم أنشأوا الجماعات المتطرفة وحافظوا عليها لاكثر من 30 عاما ويأتي هذا الكلام مدعوما بما نشرته وثاثق ويكيلكس عن اتهام وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون للمانحين السعوديين بتشكيل أكثر من مصدر وهمي لتمويل الجماعات الارهابية المتطرفة لتضاف الى اتهامات رئيس الاستخبارات الفرنسية السابق برنار سكاوارسيني للسعودية في اثارة الفوضى في العراق وسوريا، وأيضا السفير الأمريكي الأسبق في العراق بدأ حكاية فضح السعودية وتمويلها للارهاب في المنطقة العربية وتوزيعها رشاوى لنشر التطرف، وأكمل هيل أن الرياض ترسل ما قيمته 4 ملايين من الريالات السعودية يوميا لدعم المجهود التخريبي في العراق وسوريا. الحكاية تشارف على النهاية عبر تأكيد صحيفة Us news and world report أن السعودية حليفة واشنطن أصبحت منذ زمن بعيد مركزا لتمويل الارهاب في العراق وسوريا وتؤكد مجلة New York Times الامريكية أن وكالة الاستخبارات الامريكية تدير برنامجا سريا لدعم وتدريب الارهابيين في سوريا بأموال سعودية.
ثالثا: الحقد العرقي الذي أعمى قلب السعودية، فايران المصنفة لدى النظام في الرياض منبع الخطر تتقدم وتحرز الانجاز تلو الانجاز من الانفتاح الغربي والدولي عليها الى الاتفاق النووي الذي سيرفع الحظر النفطي والمالي الى سياسة الابواب المفتوحة التي تمارسها الدول الخليجية معها ما عدا السعودية الى الدور الايراني المرتقب في الحلول لبعض مشاكل المنطقة، والفشل فيما يسميه السعوديون "المد الايراني" واكبه فشل آخر في القضاء على الثورة اليمنية واسقاط الرئيس بشار الاسد في سوريا وفي الحاق دمشق والعراق بركب بعيد عن طهران ومحور المقاومة.
كل هذا الفشل دفع بآل سعود الى نشر الفتن الطائفية والعرقية وهذا ظهر جليا في الكثير من المواقف والادوار التي لعبتها في كثير من البلدان العربية بعد ما سمي بالربيع العربي. فالسعودية حاقدة على كل من هو مختلف معها في هذه العقيدة إن كان سنيا أو شيعيا أو مسيحيا... وغيرها من الطوائف الدينية، ولأن السلطات السعودية مسكونة بهاجس "الإيران فوبيا"، دفعها ذلك الى التخلي عن عروبيتها والتعامل مع الكيان الاسرائيلي العدو الحقيقي للامة العربية، ولأول مرة منذ تأسيس السعودية نرى نوعاً من هذا التنسيق، الذي تجسد عبر اللقاء الاخير بين ضابط الاستخبارات السعودي السابق أنور ماجد عشقي ودوري غولد أحد كبار مساعدي رئيس وزراء الكيان الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في ندوةٍ مغلقةٍ استضافها مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن والذي تمحور حول إيران ومحور المقاومة باعتبارهم عدواً مشتركاً للطرفين بحيث لم يعد الكيان الاسرائيلي عدو العرب في نظر السعودية كما كان في مرحلة الملك فيصل، بل اصبحت السعودية تتعاون مع هذا الكيان لضرب جيرانها من العرب والمسلمين.
خلاصة القول ان المشروع السعودي المتمثل بالحركة الوهابية والاسرائيلية توأمان سياميان لا ينفصلان، وإنّ الرعاية السعودية للإرهاب التكفيري هي حقيقة واقعة لاسيما في العراق وسوريا، وتسميتها هجوم الـ"دواعش" على الموصل بـ"ثورة العشائر السنية"، ومسلّحي "جبهة النصرة" في سوريا بـ"الثوار" و"الأحرار"، جعلت منها كمن تألف ذئباً لحراسته وتنفيذ مخططاتها الارهابية بدعم استخباراتي أمريكي واسرائيلي والذي لابدّ في يوم من الايام أن ينقلب على حاضنيه.