الوقت- العلاقات التركية السورية منذ العام 1998 إلى ما قبل أزمة الجماعات التخريبية في سوريا كانت تمتاز بمنهجية الحوار والتفاهم، وتوافق في الجانب الأمني وعلاقات اقتصادية وسياسية، وقد كان خلال هذه الفترة عدة اتفاقيات في جميع المجالات والتي ساهمت في تمتين الإرتباطات بين البلدين، ومع بدء الأزمة السورية تحولت سياسة النظام التركي إلى عدو لدود لسوريا من خلال ما تبيّن وكُشِفَ عنه من دعم وإدارة مباشرة للجماعات التخريبية وتدريب لهم وتأمين المعسكرات، هذه السياسات أرخت بثقلها وظلها على المشهد السياسي الداخلى لتركيا وعلى موقعها في السياسات الدولية، فما هي الأسباب الحقيقية التي تقف خلف تبدل التكتيك السياسي التركي؟ وما هي آثار هذا التكتيك السياسي الجديد لتركيا على واقعها الداخلي والخارجي؟
التكتيك الجديد في السياسة التركية، تأمين المصالح الحزبية
تتمثل الأزمة التركية من منظور الفكر الأردوغاني وما يمثله من منهجية حزبه المعتمدة بمسألتين أساسيتين، الأولى تلك المتعلقة بالملف الكردي سواء اكراد سوريا والعراق أو اكراد تركيا أنفسهم، والثانية تلك المتعلقة بسبل الإمساك بزمام الأمور ومقاليد الحكم والقضاء على أي منافس سياسي. سابقا كانت المنهجية المتبعة من قبل الحزب الأردوغاني قائمة على السيطرة المؤسساتية سواء الإعلامية أو الإقتصادية والعسكرية والرقابية وغيرها، أما في الملف الكردي فلم يمض على الهدنة بين حزب العمال الكردستاني والحزب الأردوغاني أكثر من سنتين بعد أن كان الحزب الأردوغاني ولعقود يعمل على توجيه ضربات متتالية لمعاقل الحزب في الجنوب التركي. اليوم السياسة لا زالت هي كما السابق ولكن بتكتيك جديد، فالحزب الأردوغاني لجأ هذه المرة إلى حجة التهديد الذي تمثله جماعات التخريب على اراضيها ليكون المنطلق منها في ضرب عصفورين بحجر واحد، الأول هو الملف الكردي والثاني المتعلق بالهيمنة السياسية والمؤسساتية على البلاد.
الرؤية الأردوغانية، أسباب حقيقية
يرى الحزب الأردوغاني أن مجريات الأحداث في المنطقة جرّت الأمور إلى ضرب العمدة الأساس التي عمل عليها الحزب خلال الأعوام السابقة وبالتالي تهديد لحزبه وسلطته، فأردوغان يرى في التطورات التي تشهدها الساحة السورية والإضطرابات التي خلفتها الجماعات التخريبية والسياسة الأمريكية الداعمة لجماعات التخريب لتحقيق مصالحها فرصة لزعزعة المنطقة الكردية، ومقدمات تهيئ الأرضية للإستفادة من الملف الكردي لهدف تحقيق مصالح الغرب الإستعماري كما استُفيد منه في السابق وإعمال ضغوطات على بعض الأنظمة المجاورة للمنطقة الكردية، هذه الأرضية والتي يحاربها حزب أردوغان ويرى فيها تهديدا لسلطته هي ما دفعت حزبه لإنتهاج منهج معادٍ اتجاه الحكومة السورية من جهة بهدف ضرب المنطقة الكردية السورية، وهي التي تفسر الضربات الجوية التي تستهدف حزب العمال الكردستاني في كل من العراق وداخل الأراضي التركية من جهة ثانية، وبالتالي الحديث عن منطقة عازلة داخل الأراضي السورية بهدف رفع خطر داعش غير واقعي، والقرار الأمريكي بعدم التمديد لمنظومة صواريخ باتريوت في تركيا، أو سماح تركيا لأمريكا باستخدام قاعدة انجرليك والضوء الاخضر للضربات التركية من دون المنطقة العازلة وإلى ما هنالك كلها مواضيع يمكن وضعها ضمن اللعبة الأمريكية في الملف الكردي من جهة والتكتيك التركي من جهة أخرى.
الجانب الاخر للرؤية الأردوغانية والذي يفسر المنهجية والتكتيك الأخير هو ما حققته نتائج الإنتخابات الأخيرة منذ شهرين والتي أظهرت تراجعاً ملموساً لحزب أردوغان أفقدته السيطرة على مقررات الأمور، إلى تقدم حزب الشعوب الديمقراطي بـ80 مقعداً فضلا عن غيره من الأحزاب الأخرى، يأتي هذا التقدم في مقابل تراجع حزب أردوغان إلى دعم الأكراد الذين يمثلون 20 مليون نسمة للأحزاب الأخرى من دون أردوغان. هذه العوامل دفعت بحزب أردوغان إلى شن حملة على الأكراد والأحزاب المعارضة بهدف قلب الأوراق الإنتخابية عسى أن يعاد ترجيح الكفة لصالحه، فهل ستسفر الرؤية الأردوغانية عن نتائج ملبية لمطامح حزبه؟
صراع الداخل وأزمة الخارج
الرؤية الأردوغانية الحزبية الضيقة أدخلت تركيا في نفق التفجير، تفجير الوضع السياسي مع الأحزاب المعارضة والتي لن يسلم منها الشعب التركي، وتفجير الوضع الميداني، فالحدود التركية وصلت إلى قمة الإضطراب بعد أن كانت تتمتع بهدوء، والتفجيرات المفتعلة زلزلة الإستقرار في الجنوب التركي، وبوادر نمو الفكر التخريبي في تركيا بدأ يظهر شيئا فشيئا، هذه الإضطرابات ستوجه الطبقة الشعبية إلى الواقع الذي تكون فيه بعيدة وعلى فاصل من الطبقة السياسية. إن الرؤية الأردوغانية الحزبية الضيقة فتحت عليها أبواب المشكلة الكردية والصراع معهم بعد أن كان مغلقاً، وبعد أن كان محصوراً من جانب أكراد تركيا، فإن الضربات التي تشنها ترکيا على أكراد العراق وسوريا جعلت من الأطماع الأمريكية منفذاً لها للدخول من هذه القضية لتحقيق مآربها.