الوقت- توجّه "إسماعيل هنية" رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، إلى القاهرة يوم الاثنين، وبعد ذلك سيتوجه إلى موسكو.
بالنظر إلى القيود الشديدة على سفر قادة حماس إلى الخارج، فإن هذه الزيارة تحظى بأهمية خاصة، وهي فصل جديد في علاقات حماس مع دول المنطقة.
أهداف حماس
خلال العقد الماضي، تعرضت حماس لضغوط شديدة من قبل دول وجهات فاعلة، مثل أمريكا والاتحاد الأوروبي وكندا وأستراليا والعالم العربي، وقد أدرجت العديد من هذه الدول حماس أو ذراعها العسكرية في قائمة المجموعات الإرهابية.
لقد مورست هذه الضغوط على حماس إلى جانب دفع السلطة الفلسطينية وحركة فتح إلى المواجهة العسكرية مع حماس، ومع ذلك، حاولت حماس من خلال البراعة السياسية تحسين علاقاتها مع فتح وإحباط السياسات العربية والغربية لعزلها وإبعادها عن الساحة السياسية.
في أوائل سبتمبر، رحب إسماعيل هنية بخطة ثماني فصائل فلسطينية للمصالحة الوطنية، وقال في هذا الصدد: "نحن في منعطف تاريخي حرج، وبالنظر إلى العديد من الخبرات ووجهات النظر المشتركة للفصائل الفلسطينية، يمكن أن يكون هذا الاتفاق عاملاً في الوحدة الفلسطينية".
إلى جانب هذه الإجراءات الداخلية، تسعى حماس إلى فتح أبواب جديدة للدعم الدولي، وبدأ هذا الهدف لدی حماس منذ إثارة صفقة القرن.
المعارضة الصريحة لجميع الفصائل الفلسطينية والسلطة للتفاصيل المذكورة في صفقة القرن، بالإضافة إلى تقارب هذه المجموعات، قد دفعت كلاً من السلطة الفلسطينية وحماس إلى تبني سياسة خارجية متقاربة في التعامل مع صفقة القرن وخيانة بعض الدول العربية.
وفي هذا الصدد، أثيرت قضية زيارة زعيم حماس لمصر وروسيا لأول مرة منذ ديسمبر الماضي، ولکن تم إلغاء الزيارة في فبراير 2019 بسبب ضغوط الکيان الإسرائيلي وبعض القضايا الأخرى.
لكن جهود الجانبين للتواصل لم تتوقف، وفي أواخر شهر أكتوبر التقى "موسى أبو مرزوق" نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، بالممثل الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط وبلدان إفريقيا نائب وزير الخارجية "ميخائيل بوغدانوف" في العاصمة القطرية الدوحة.
تحاول حماس تحقيق ثلاثة أهداف مهمة في التواصل مع روسيا:
1- بعد أن انتشرت بعض تفاصيل صفقة القرن، اتضح أن أمريكا لا تدعم خطة الدولة الفلسطينية، لذلك تسعى حماس إلى تعزيز دور روسيا في فلسطين كدولة تدعم خطة إقامة الدولة الفلسطينية. موقف روسيا من هذه القضية هو دعم خطة حل الدولتين، وقد أعلن بوتين خلال اجتماعه مع الرئيس الصيني في يونيو: "نعتزم دعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة إقليمية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية".
2- الهدف الثاني لحماس هو تحسين الظروف الإنسانية وسبل العيش في فلسطين وقطاع غزة. في أواخر يوليو، سافر وفد برئاسة "موسى أبو رزوق" نائب رئيس المكتب السياسي، إلى موسكو لإجراء محادثات حول الوساطة المصرية والوضع الحالي في فلسطين، كذلك، تسعى حماس في المشاورات مع مصر إلى تحسين سبل عيش الفلسطينيين، وهذه العلاقة مع القاهرة هي في إطار التواصل مع موسكو.
3- أما هدف حماس الثالث فهو إحباط الجهود الدولية الأمريكية والإسرائيلية لنزع سلاحها، علی الرغم من أن تحقيق هذا الهدف الأمريكي والإسرائيلي بعيد المنال، ولكن تسعى حماس لإزالة إمكانية مثل هذا الإجماع على المستوى الدولي، من خلال جذب الدعم الروسي بدلاً من الدول العربية التي تقف في الخندق الأمريكي.
السياسة الروسية تجاه حماس وفلسطين
تدرس روسيا جميع الظروف في اتخاذ موقف ثابت تجاه فلسطين وحركة حماس. لذلك، فإن أجزاءً من سياسة موسكو تجاه فلسطين ثابتة، لكن الكثير منها يتأثر بالظروف الإقليمية.
كانت روسيا (الاتحاد السوفيتي) ثاني دولة بعد أمريكا اعترفت بالكيان الإسرائيلي. وبعد صعود بوتين، تغيرت سياسة موسكو الخارجية تجاه فلسطين إلى حد ما مقارنةً بالماضي.
تحاول روسيا تعزيز دورها في الوساطة، بالنظر إلى عدم ثقة الجهات الفاعلة مثل حماس والجهاد الإسلامي بأمريکا من جهة، ومن جهة أخرى تجاهل أمريكا وأوروبا لهذه الفصائل فيما يسمى بمحادثات السلام.
مع وضع هاتين المسألتين في الاعتبار، تقوم موسكو بوضع سياستها تجاه حماس وفلسطين. لقد بدأت روسيا عملية الوساطة باستضافة مؤتمر في عام 2013 في موسكو. وروسيا هي العضو الوحيد في مجلس الأمن الذي لديه علاقات جيدة مع حماس.
سافر أول وفد من قادة حماس إلى موسكو في مارس 2006، بقيادة "خالد مشعل" رئيس المكتب السياسي لحركة حماس آنذاك وعدد من قادتها. وفي عام 2015 أيضاً، التقى خالد مشعل مع وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" في قطر وناقش معه المصالحة بين فتح وحماس.
کما رحبت وزارة الخارجية الروسية بوثيقة حماس السياسية التي صدرت في مايو 2017، وكذلك انتخاب إسماعيل هنية رئيساً للمكتب السياسي للحركة.
ومع ذلك ولمجموعة مختلفة من الأسباب، بما في ذلك العدد الکبير للسكان اليهود في روسيا ولوبيات هذه الجماعات في روسيا وبعض العلاقات السياسية والأمنية مع الکيان الإسرائيلي، غيَّرت موسکو مواقفها في بعض الأحيان، مثل اعتبار انتفاضة 2015 إرهابيةً.
بالنظر إلی تراجع مصداقية أمريكا ومكانتها بشكل حاد بين الفلسطينيين منذ عهد ترامب، ومن ناحية أخرى تراجع ثقة الفصائل الفلسطينية المختلفة بالسعودية ومصر، فإن الظروف قد توافرت لروسيا لتلعب دورها أكثر من أي وقت مضى. والجهود التي بذلها ممثلو كل من روسيا وحماس خلال العام الماضي، ستجعل اللقاء بين إسماعيل هنية وبوتين يخرج بنتائج إيجابية.
ترغب روسيا أيضًا في لعب دور أكثر فعاليةً من السنوات السابقة. لقد سافر بوتين إلى فلسطين في عام 2012، ويعتزم السفر إلى فلسطين في أوائل عام 2020 أيضاً.
لذلك، ينظر بوتين إلى زيارة هنية كمقدمة لنجاح زيارته المستقبلية إلى فلسطين، ما سيزيد من نفوذ روسيا ومصداقيتها بالقياس إلی أمريكا بشأن القضية الفلسطينية، كما يحاول بوتين من الآن لعب دور الوسيط الفاعل في تعامله مع حماس ومصر والسلطة الفلسطينية.