الوقت- تتصدر المظاهرات اللبنانية والعراقية المشهد السياسي في العالم العربي في الوقت الحالي بالإضافة إلى عمليات الاغتيال التي تقوم بها "إسرائيل" في الوقت الراهن ضد شخصيات قيادية فلسطينية، كان آخرها اغتيال قائد سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، الشهيد أبو العطاء، الأمر الذي يقود الصراع بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي نحو المجهول وقد يتطوّر الأمر إلى تصعيد خطير على الحدود، ولكن ما علاقة هذا الأمر بما يجري في لبنان والعراق؟.
هناك حالة ارتياح واضحة لدى قادة الاحتلال الإسرائيلي لما يجري في لبنان والعراق، مع العلم أن هناك مطالب محقّة لدى شعب البلدين إلا أن هناك جهات خارجية تركب موجة المظاهرات هذه وتعمل على حرفها عن مسارها، بهدف زعزعة الاستقرار في هذين البلدين والتأثير على محور المقاومة وإضعافه قدر المستطاع، الأمر الذي يصبّ في مصلحة الصهاينة بالدرجة الأولى لأن استمرار حالة الفوضى في هذين البلدين ستكون لمصلحة الأمن القومي الإسرائيلي وقد حذّر الكثير من الزعماء الوطنيين من مغبة ما يحدث ومن مستقبل هذا الحراك الشعبي، ويجب ألّا ننسى أن جميع الجهات باركت هذا الحراك لكنها في الوقت نفسه تنظر بعين القلق عن حرف هذه المطالب عن مسارها وأن تتحول لتحقيق مصالح جهات خارجية دخلت على خط الحراك وبدأت تحرفه عن مساره.
الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصرالله أطل على اللبنانيين مرتين وأوضح تفاصيل خفية عمّا يجري في كواليس الاحتجاجات الشعبية، وكشف في إطلالته الثانية ما عُرِف بأنّه كان مَخفياً خلف الاحتجاجات، واللافت أنّها جاءت في توقيتٍ مُثيرٍ للغاية، في أعقاب تقارير إعلاميّةٍ عن زيارةٍ سرّيةٍ قادت رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو على عجل إلى السعوديّة للقاء وليّ عهدها، محمد بن سلمان، الذي كان يلتقي وزير الدفاع الأمريكيّ مارك اسبر، وكان لافِتاً للغاية أنّه وبسرعةٍ كبيرةٍ صوّبت وسائل إعلامٍ عبريّةٍ على الرّحلة السرّية تلك، ومسار الطائرة إلى الرّياض، وماهيّة الشخصيّة التي كانت على متنها، قبل أنْ تؤكِّد صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيليّة على أنّ الشخصيّة هي نتنياهو نفسه، موضحةً في الوقت عينه أنّ الطائرة الخاصّة المسجّلة في أمريكا من طراز” challenger 604″ التي أقلّت الأخير، حطّت لنحو دقيقتين في العاصمة الأردنيّة عمّان، قبل أنْ تُواصِل رحلتها إلى الرّياض، على حدّ تعبير الصحيفة الإسرائيليّة، التي اعتمدت واستندت إلى مصادر عليمةٍ جداً في كيان الاحتلال الإسرائيليّ.
الصحيفة الإسرائيليّة عادت وأكّدت على أنّ محور الاجتماع الثلاثي تمّ تخصيصه للبنان دون الخوض في أيّ تفاصيل، لتتكفّل بعدها مواقع إخباريّة عالميّة بالكشف عن أنّ هدف الاجتماع تمحور حول الاحتجاجات اللبنانيّة الدائرة، وأنّ السفارة السعودية في بيروت، عمّمت على شخصيّات محسوبة عليها، أمر إدارتها نحو الهدف المطلوب، على أنْ يُواكِبها دخول إسرائيليّ على الخطّ تمّ التجهيز له منذ عدّة شهورٍ.
ومن الأهميّة بمكانٍ في هذه العُجالة الإشارة إلى أنّ هذا حدث قبل أنْ تتكشّف وثيقة إسرائيليّة-أمريكيّة سرّية كانت وصلت إلى الرئيس اللبناني ميشال عون في شهر نيسان (أبريل) المنصرم، علماً أنّ الوثيقة التي كشف عنها موقع (geopolitics Alert) تضمّنت تهديداً بذهاب لبنان إلى فوضى وحرب أهليّة، إذا لم يتمّ "تحجيم" حزب الله، من خلال "عمليّات خفيّة" يدخل على خطها "غزو إسرائيلي محتمل".
مُضافاً إلى ما ذُكر أعلاه، فإنّ معهد البحوث العالميّة (غلوبال ريسيرتش)، وفي تقرير نشره في الثامن من شهر نيسان (أبريل) المنصرم، أكّد تلقّي الرئيس اللبناني وثيقةً إسرائيليّةً-أمريكيّةً تتضمّن تحضّرياً لعدوانٍ إسرائيليٍّ على لبنان، يُواكِب فوضى عارمة في هذا البلد، كما أنّه وبحسب الموقع المذكور، فإنّ وزير الخارجية الأمريكيّ مايك بومبيو، وخلال زيارته لبنان في شهر آذار (مارس) الماضي، أنذر الرئيس عون خلال لقائهما بوجوب احتواء حزب الله، أوْ توقّع عواقب غير مسبوقة.
من المؤكد أن واشنطن امتعضت من "إدارة ظهر" الرئيس اللبناني لتحذيرات وزير خارجيتها.. بعد 22 يوماً على انطلاق الاحتجاجات الشعبية، بدأت الصّورة تتّضح اكثر فأكثر.. التحضير لتفجير الشارع بدأ العمل عليه منذ شهور عدّة.. لنعد إلى زيارة مساعد وزير الخزانة الأمريكية لشؤون الإرهاب مارشال بيليغنسلي إلى بيروت، حيث تركّزت لقاءاته حينها على حاكم المصرف المركزي، ومن أرادوا من الخلف تقطيع أوصال البلد ونصب حواجز ذكّرت سريعاً بمشهد الحرب الأهلية الغابرة.. "وبقدرة قادر" فُقد الدولار من الأسواق اللبنانية، ليلحق بها أزمة بنزين خانقة، وبعدها موجة حرائق مهولة اجتاحت لبنان ورُسمت حولها ألف علامة استفهام إزاء توقيتها.. قبل حوالي 72ساعة على انطلاق شرارة الاحتجاجات!
اللافت وسط كل ذلك، يكمن بإعادة عدد كبير من العملاء لـ "إسرائيل" الذين فرّوا إلى فلسطين المحتلة منذ العام 2000، في أيلول الفائت، أي قبل شهر واحد من بدء الاحتجاجات، بدا وكأنّ الأمر يرتبط بـ " دور ما" أُنيط بهم، ليتبيّن لاحقاً وفق معلومات مؤكدة، أنهم أداروا من الخلف احتجاجات البلدات الجنوبية والبقاعية المحسوبة على البيئة الحاضنة للمقاومة.. وثمّة معلومات أخرى ألمحت إلى فرز عدد من هؤلاء للتنسيق مع عملاء سوريين انخرطوا في سيناريو "الثورة السورية" ولهم ارتباطات أيضاً بجهاز الموساد الإسرائيلي، موجودون في الشمال اللبناني.
وكان الجنرال الإسرائيليّ في الاحتياط، غيورا آيلاند، أكّد أنّ معضلة الكيان مع حزب الله تكمن في حجم الأضرار الماديّة والبشريّة التي سيُلحِقها في عمق الدولة العبريّة، في حال اندلعت حرب الشمال الأولى، لذا، أضاف رئيس مجلس الأمن القوميّ السابِق، يتعيَّن على الكيان استثمار الحراك اللبنانيّ من أجل العمل على نزع سلاح حزب الله، كما أكّد في مقالٍ نشره بصحيفة (يديعوت أحرونوت) العبريّة، مُضيفاً إنّ الخطر الماثِل من حزب الله يُشابِه إلى حدٍّ كبيرٍ ما حدث لمنشآت النفط السعوديّة بعد الهجوم عليها في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي.
وشدّد على أنّ الحديث يدور عن فرصةٍ تاريخيّةٍ ماثِلةٍ أمام الكيان لتحقيق أهدافه التكتيكيّة والاستراتيجيّة والتأثير على مجريات الأحداث، دون أنْ يضطر للجوء إلى الخيار العسكريّ، وبرأيه، فإنّ لبنان يئّن تحت ديونٍ طائلةٍ، وبالتالي ستقوم حكومةً جديدةً مفتوحةً للغرب والسعوديّة، ولمنظمّاتٍ عالميّةٍ مثل صندوق النقد الدوليّ من أجل الحصول على قروضٍ لتغطية العجز الذي تُعاني منه ميزانية بلاد الأرز، كما قال.
وهذه التطورّات -خلُص آيلاند- تفتح الأبواب أمام "إسرائيل" وتمنحها فرصةً يتحتّم عليها استغلالها، بحيثُ يعمل كيان الاحتلال للتأثير على الدول والمنظمات المانِحة باشتراط تقديم الأموال لبنان شريطة أنْ يقوم حزب الله بنزع سلاحه، الذي يُشكِّل خطراً استراتيجياً على الكيان، على حدّ تعبيره.
ليبقى السؤال" هل تجاوز لبنان "القطوع" بأقلّ الخسائر الممكنة"؟ وهل فعلاً عبّرت رسالة ناريّة من بيروت إلى "من يعنيهم الأمر" فرملت خطّة معادية كانت ستُترجم ضدّ البلد في ذروة الفوضى التي اجتاحته منذ 17 تشرين الأول الفائت؟-بحسب ما سُرّب عن دبلوماسي غربي في سلطنة عُمان؟ الدبلوماسي الذي أكّد أنّ مبادرة رجال حزب الله إلى استهداف طائرة استطلاع "إسرائيلية" فوق مدينة النبطية الجنوبية في أوج الاحتجاجات الشعبية، لم تكن رسالة تحذيرية "يتيمة"، "والأرجح انّ قيادتهم رصدت "خطة ما" مزمعة كانت وشيكة"، فثمّة رسالة أخرى حملت تحذيراً غير مسبوق عبرت إلى دوائر القرار في الرياض وواشنطن وتل ابيب، مرجّحاً قرب تفجير مفاجأة مدوّية جهّزها حزبُ الله تتصدّر سريعاً المشهدَين اللبناني والإقليمي بالمرحلة المقبلة.