الوقت- عُقدت قبل أسبوعين "قمة المحادثات العسكرية التركية الأذربيجانية" الثانية عشر في العاصمة الاذربيجانية "باكو"، بحضور الجنرال "متين غوراك"، نائب رئيس الأركان المشتركة للجيش التركي ونائب وزير الدفاع الاذربيجاني الجنرال "كريم فالييف".
يذكر أن هذه القمة تعقد كل عامين في عاصمة إحدى الدولتين وذلك لتناول ومناقشة مجموعة متنوعة من القضايا، بما في ذلك علاقات البلدين بأرمينيا وتحالفهم مع أمريكا وحلف شمال الأطلسي "الناتو"، وبعض القضايا العسكرية التي تهم البلدين.
الاجتماع الثاني عشر
مع مجيء "إلهام علييف" إلى السلطة في عام 2003، قام ببذل الكثير من الجهود لبناء علاقات طيبة مع تركيا وذلك لعدة أسباب، أهمها الدعم الذي قدّمته تركيا لـ"باكو" في حرب مرتفعات "قرة باغ".
ومن ناحية أخرى، زادت تركيا من اهتمامها بتعزيز تعاون عسكري وأمني مع "باكو" بسبب سياستها المتمثلة في زيادة عمقها ونفوذها الاستراتيجي في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز.
يذكر أن أول اجتماع من هذا النوع عُقد في عام 2007 لتعزيز التعاون العسكري بين البلدين وفي الاجتماع الثاني عشر ناقش الجانبان الأوضاع الحالية وفتح مجالات جديدة للتعاون بين أذربيجان وتركيا في مجالات الأمن والتقنيات العسكرية والطبية والتدريب العسكري والصناعات العسكرية، كما اتفق الجانبان في هذا الاجتماع على وضع خطة عمل لعام 2020.
أبرز الأهداف ومستويات التعاون بين باكو وأنقرة
كشفت العديد من المصادر الإخبارية التركية بأن تركيا هي أول بلد يعترف باستقلال أذربيجان في عام 1991 ولفتت تلك المصادر إلى أن أنقرة قدّمت كل ما في وسعها من أنواع الدعم لأذربيجان الشقيقة منذ استقلالها وحتى هذه الأيام، ولا تعتبر تركيا اليوم أهم شريك لها في المجالين السياسي والعسكري فقط بل في المجالات التجارية والاقتصادية والثقافية وكل المجالات الأخرى.
يذكر أن الاذربيجانيين ينتمون إلى القومية التركية، فأذربيجان دولة ذات أغلبية عرقية تركية، وتتجاور مع تركيا في الشمال الشرقي، وعضو مهم في المجلس التركي الذي أنشئ في 2009 ويبلغ عدد أعضائه 7 دولة، كما أن تركيا تعتبر أكبر دولة داعمة لأذربيجان في قضية إقليم "قره باغ" المحتل من أرمينيا.
وفي سياق متصل، ذكر العديد من الخبراء السياسيين بأن العلاقات بين البلدين ليست محصورة في اللغة والثقافة فقط، بل هناك حروب تاريخية وقف بها الجندي التركي والأذري كتفاً لكتف، فدُفنوا جنباً إلى جنب في حرب تحرير "باكوا" التي خاضها جيش القوقاز الإسلامي الذي أرسلته الدولة العثمانية، بقيادة العثماني "أنور باشا" عام 1918، من أجل تحرير بلاد القوقاز من الاحتلال البلشفي، بناءً على طلب تقدّم به مسلمو أذربيجان وداغستان، ولتركيا أيضاً مواقف حاسمة في أزمة "قره باغ" بين أذربيجان وأرمينيا، التي تعود إلى عام 1992 إبان سقوط الاتحاد السوفيتي، عندما سيطر الانفصاليون المدعومون من أرمينيا على الإقليم، وتمكّنوا من احتلاله وأخذه من أذربيجان في حرب دامية راح ضحيتها ما يقارب 30 ألف شخص، حيث أغلقت تركيا حدودها مع أرمينيا إثر الأزمة بينها وبين أذربيجان عام 1993، واشترطت تركيا لتطبيع العلاقات بينها وبين أرمينيا تحرير إقليم "قره باغ" الأذربيجاني المحتل من أرمينيا.
وفي الجانب الاقتصادي يرى العديد من الخبراء الاقتصاديين بأن تركيا تُعدّ من أكثر الدول تعاوناً مع أذربيجان في المجال الاقتصادي، حيث بلغ حجم الصادرات التركية إلى أذربيجان عام 2011 مليارين و65 مليون دولار وارتفعت إلى 2.960 مليار دولار عام 2013، فيما بلغ حجم الواردات 2.290 مليار دولار عام 2014، وتعتبر المواد الصناعية الأكثر تصديراً إلى أذربيجان، حيث بلغت نسبة الصادرات الصناعية 86% من حجم الصادرات. وإلى جانب التجارة، فإن عدد الشركات التركية التي تستثمر في أذربيجان يبلغ أكثر من 2600 شركة، بينما يبلغ عدد الشركات الأذربيجانية في تركيا نحو 1600 شركة، وتم توظيف استثمارات أذربيجانية بمبلغ 5 مليارات دولار أمريكي في تركيا، أما تركيا فاستثمرت 6.3 مليارات دولار في أذربيجان.
وفي سياق متصل، ذكر أولئك الخبراء الاقتصاديون بأنه في عام 2017 تم افتتاح خط حديدي دولي يربط بين أذربيجان وتركيا مروراً بجورجيا "باكو ـ تبليسي ـ قارص"، يهدف إلى نقل مليون مسافر سنوياً، بالإضافة إلى 6.5 ملايين طن بضائع بين البلدان الثلاث، كما يسهم الخط من خلال ربطه بين تركيا وآسيا ومنطقة القوقاز والدول الأوروبية، في نقل 50 مليون طن من البضائع كل عام، ويمتد المشروع على طول 838.6 كيلومتراً، ولا تقتصر أهميته على تركيا فقط، بل سيعود بالنفع على جميع بلدان العالم التي ترغب في التجارة من خلال تركيا، حيث ستمرّ البضائع المُراد شحنها من الصين وكازاخستان وتركمانستان وأذربيجان، إلى أوروبا عبر تركيا.
وفي الجانب العسكري فلقد ذكرت العديد من المصادر الإخبارية، بأنه انطلقت في جمهورية "نخجوان" ذاتية الحكم التابعة لأذربيجان، يونيو الماضي، مناورات عسكرية مشتركة بين قوات مسلحة تركية وأذرية، تحمل اسم "الأخوة الراسخة 2019"، وأشارت تلك المصادر الإخبارية إلى مشاركة 5 آلاف جندي ونحو 200 دبابة ومدرعة و21 طائرة ومروحية من الجانبين في المناورات، وأوضحت تلك المصادر أن الهدف من المناورات تطوير التنسيق بين الجيشين والقدرة على تنفيذ عمليات مشتركة، من خلال تبادل القوات المسلحة الخبرات، وأضافت إن التدريبات تتضمن سيناريوهات عديدة، منها استهداف أهداف رمزية للأعداء وعمليات الإنقاذ.
وفي الختام يمكن القول هنا إن ما تقوم به كل من تركيا وأذربيجان هو أفضل نموذج لتحالف البلدان ذات القومية والعرقية والدم الواحد ولكن لا ينبغي أن ننسى أن هناك العديد من العوامل التي أدّت إلى نشوب منافسة بين باكو وأنقرة ومن تلك العوامل يمكن ذكر علاقة "باكو" بالكيان الصهيوني وجهودها لتعزيز جيشها من مختلف المجالات الأمر الذي خلق معضلة أمنية لتركيا، ومع ذلك، يحاول البلدان إخفاء هذه المنافسة من خلال تدابير الهوية الرمزية والعرقية والحفاظ على التعاون العسكري الذي بدأ في عام 2010 وكان هذا هو محور تركيز المحادثات الأمنية بين البلدين على مدار السنوات الثلاث الماضية.