الوقت- لا يوجد حدود لأساليب القمع في السعودية، والتي تحوّلت إلى سلوك طبيعي يمارسه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بحق كل من يقف في وجهه دون حسيب أو رقيب مستغلاً دعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب له وتغاضي الغرب عن الانتهاكات التي يمارسها بحق المواطنين السعوديين داخل السعودية وخارجها، وجريمة خاشقجي ليست الأخيرة في هذا الإطار، حيث لا يزال مسلسل اعتقال الناشطين والناشطات وأصحاب الرأي والفكر مستمراً، ويتم توجيه تهم سطحية لهؤلاء قد تؤدي إلى إعدامهم دون أن يرفّ جفن للعالم تجاه ما يحصل خلف أسوار السعودية.
يوم أمس الاثنين اعتبرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن صعود ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان إلى السلطة تزامن مع "تصاعد القمع والممارسات المسيئة"، رغم الإصلاحات التاريخية التي يقودها.
وندد تقرير للمنظمة "بالثمن الفادح" لهذه الإصلاحات، مثل قيادة المرأة السيارة، مشيراً إلى عشرات من المعارضين الذين تعرّض بعضهم للتعذيب واحتجزوا منذ أن أصبح الأمير محمد ولياً للعهد في حزيران 2017.
كما استنكر "العدد الهائل والطيف الواسع للمستهدفين خلال فترة زمنية قصيرة، ما جعل موجات اعتقال ما بعد 2017 ملحوظة ومختلفة، فضلاً عن إطلاق ممارسات قمعية جديدة لم تشهدها السعودية في العهود السابقة".
وأعربت المنظمة عن الأسف إزاء عدم معاقبة المسؤولين عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018.
وأكدت "هيومن رايتس ووتش" القبض على أكثر من ثلاثين معارضاً، مشيرة إلى أن "الحملة بدأت في أيلول 2017 باعتقال عشرات المعارضين، وبينهم مثقفون ورجال دين".
تقويض سيادة القانون
وفي تشرين الثاني 2017، اعتقلت السلطات المئات من الأمراء ورجال الأعمال، بعضهم لعدة أسابيع، في فندق ريتز كارلتون في الرياض، فيما وصف بأنه حملة ضد الفساد.
واعتبرت المنظمة الحقوقية أن "سيادة القانون بالسعودية لا تزال ضعيفة، ويمكن أن تتقوّض متى شاءت القيادة السياسية" ذلك.
وأشارت إلى أنه "على الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده أن يقدما إصلاحات جديدة لضمان تمتع المواطنين بحقوقهم الأساسية، بما فيها حريات التعبير وتكوين الجمعيات وضمان استقلالية القضاء".
كما تشير "هيومن رايتس ووتش" إلى قضية الخبير الاقتصادي عصام الزامل -المتهم بالانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين- بعد أن عبّر عن شكوكه إزاء الاكتتاب العام في شركة النفط العملاقة أرامكو.
وتوجّهت المنظمة الحقوقية إلى حلفاء السعودية، مطالبة إياهم "بتقييد تصدير تراخيص تكنولوجيا المراقبة إلى السعودية"، مشيرة إلى تقارير حول استخدام تقنية المراقبة لاختراق الحسابات الإلكترونية للمعارضين، وتثبيت برامج التجسس على هواتفهم.
حتى هذه اللحظة لم يأتِ أي ردّ من السلطات السعودية على تقرير المنظمة الدولية، ولا نعتقد بأنها ستردّ على محتوى هذا التقرير لأن المجتمع الدولي لا سيما الدول الكبرى أعطت ضوءاً أخضر ضمنياً لولي العهد السعودي ليمارس ما يريد خارج حدود بلادهم، ولو لم يكن الأمر كذلك لكانت توقفت حرب اليمن التي تشهد أكبر جرائم إنسانية بحق البشرية في العصر الحديث، فماذا فعل الغرب حيالها؟.
ولو كان ابن سلمان رجل إصلاحي بالفعل لكان تقبّل آراءً أخرى وطنية داخل البلاد، إلا أن هذا الأمير خوّن هؤلاء واعتقلهم وكذلك يفعل الرجل المقرّب منه تركي آل الشيخ مع كل من يعترض على "هيئة الترفيه" التي يقودها، لا نعلم ما هي هذه الحرية المشروطة أو الترفيه الإجباري إن صح التعبير.
ولو كان ابن سلمان رجل إصلاحي لما حدثت جريمة خاشقجي، ولو أنها حدثت من دون علمه فهذه مصيبة أكبر، وبالمناسبة بعد عملية الاغتيال هذه أصدرت أغنيس كالامارد مقرّرة الأمم المتحدة الخاصة تقريراً حول الإعدام خارج نطاق القضاء، فيما يخص قضية خاشقجي، ويعدّ هذا التقرير من أبرز التقارير التي سلّطت الضوء على واقع الحريات وحقوق الإنسان في السعودية، وطالب بإجراء تحقيق مستقلّ حول وضع المعتقلين وحالات التعذيب التي تحدث في سجون البلاد.
ولم تتمكن أيّ جهة حتى الآن من الضغط على السعودية من أجل احترام حقوق الإنسان فيها، فقد أظهر تقرير لمنظمة العفو الدولية، "تقصير الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه، عن التزامهم بدعم وحماية المدافعين عن حقوق الإنسان الذين يواجهون تهديدات وهجمات مميتة على نحو متصاعد في بلدان مختلفة من ضمنها السعودية".
كما لم تسهم الضجة التي أثارتها حادثة مقتل الصحفي جمال خاشقجي في تحسين وضع الحريات وحقوق الإنسان في السعودية.
على الرغم من بدء السعودية برامج إصلاحية تعطي المرأة بعضاً من حقوقها، إلا أن هناك جانباً مظلماً في الزنازين تقبع خلفه معتقلات رأي يتعرضّن للتعذيب والتحرش والاغتصاب من قبل أفراد الأمن السعودي.
وأوضحت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن حملة قمع نشطاء حقوق المرأة بدأت قبل أسابيع من رفع الحظر عن قيادة السيارات، الذي طال انتظاره في 24 حزيران، مبينة وجود علامات جسدية دلّت على تعذيب الناشطات، بينها صعوبة في المشي، وارتعاش غير إرادي في اليدين، وعلامات حمراء وخدوش على الوجه والرقبة، وأضافت أنّ واحدة من النساء على الأقل حاولت الانتحار عدة مرات.
وذكرت المنظمة من بين المعتقلات لجين الهذلول، عزيزة اليوسف، إيمان النفجان، نوف عبد العزيز، مياء الزهراني، سمر بدوي، نسيمة السادة وهتون الفاسي. جميعهن من نشطاء حقوق المرأة، بالإضافة إلى مناصرين ذكور للحملة، بمن فيهم المحامي إبراهيم المديميغ، رجل الأعمال الخيرية، عبد العزيز المشعل والناشط محمد الربيعة.
وخرجت في الآونة الأخيرة فضائح الأمن السعودي في تعذيب المعتقلات، حيث كشفت صحيفة "لوموند" الفرنسية أن سبع معتقلات سعوديات، ناشطات في مجال حقوق الإنسان، تعرّضن لتعذيب بشكل شنيع.
هذا أيضاً ما فضحته علياء الهذلول شقيقة المعتقلة لجين الهذلول، التي تُعدّ واحدة من ضمن نحو عشرة مدافعين بارزين عن حقوق المرأة في السعودية، فقد كتبت مقالاً في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية قالت فيه إن "سعود القحطاني كان يراقب ضاحكاً خلال تعذيب لجين، القحطاني عذبها مع 6 رجال طول الليل في رمضان، وبعد شروق الشمس كانوا يجبرونها على الأكل معهم، وعندما سألت، رد أحد رجاله "نحن فوق الجميع، حتى الله".
لم تكتفِ السعودية بحملة الاعتقالات التي طالت رموز التيار الإسلامي بفرعيه السني والشيعي، والتيار الليبرالي، بل منعتهم من الحصول على أبسط حقوقهم المتمثلة في اختيار محامي دفاع، أو على أقل تقدير حقهم في محاكمات علنية وشفافة.
وبرزت تسريبات عن عزم الحكومة السعودية تطبيق عقوبة الإعدام في عدد منهم تعزيراً، بعد أن ساق الادعاء العام السعودي تهماً سياسية بحقهم، من بينها التحريض على الخروج على ولي الأمر وولي عهده، والتشكيك في الذمم، والتقصير في الدعاء للحاكم.
وتُطبق عقوبة الإعدام في السعودية بما يخالف أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان ومعاييره، وغالباً ما تُعقد محاكمات القضايا التي تصل عقوبتها إلى الإعدام سراً ونادراً ما يُسمح للمتهمين الاتصال بالمحامي، وقد يُدان الشخص دون أدلة وبالاعتماد حصرياً على اعترافات انتُزعت منه تحت التعذيب.
وفي عام 2019 قامت السعودية بإعدام 37 شخصاً أدينوا بتهم "الإرهاب" من بينهم شاب أدين بجريمة وقعت وكان عمره دون 18عاماً.