الوقت- اتت اتفاقية سايكس بيكو لتقسيم العالم العربي والإسلامي إلى دويلات ليسهل عليها سلب الكم الهائل من النفط الذي يحتويه، واليوم يعمل المشروع الغربي الإستعماري لنفس الغرض والمشروع وهو تقسيم الدول المقسمة، فالمشروع الغربي اليوم يعمل ضمن مخطط لتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات وسوريا إلى دويلات متعددة واليمن ايضا، ولعل تقسيم الدول الثلاث هذه يعد بداية المشروع، فمجريات الأحداث والمقدمات التي تهيئها السياسة الأمريكية في المنطقة تشير إلى مخطط لتقسيم حتى الدول التي فيها انظمة مجارية للسياسة الامريكية كالسعودية مثلا. هذا المشروع يختلف عن سايكس بيكو بفارق جوهري وهو أن بريطانيا وفرنسا وقتها لجأتا بجيوشهما وبالقوة إلى تقسيم العالم العربي والإسلامي، أما اليوم فأمريكا ومن يدور في فلكها تعمل ومن خلال الجماعات التخريبية التي تغذيها على توليد قناعات شعبية عبر الإنقسام المجتمعي والتي بدورها تولد انقساما سياسيا ينتهي بتقسيم البلاد إلى دويلات متناحرة ومتصارعة فيما بينها أيضا.
لافروف وبايدن... تباين المحاور ومقدمات التقسيم
مخطط أمريكا لتقسيم العراق ليس بالأمر الجديد، فالأمر البيّن الذي لم يعد فيه من لبس ونقاش هو أن الإحتلال الأمريكي الذي جاء عام 2003 ما كان إلا بهدف تقسيم العراق، ولما فشل المشروع وأمام حجم الخسائر التي طالت الجيش الأمريكي المادية والبشرية منها أدى إلى الإنسحاب من دون أن يتخلى عن مشروعه، فجماعات التخريب كانت المحطة الثالثة للمشروع بعد سلسلة من التفجيرات والتي طالت كافة الأراضي العراقية وعلى مدى أعوام ولا زالت أمريكا تعمل عليها. واليوم تستفيد أمريكا من الجماعات التخريبية ضمن محورين، فهي من جهة تدعم جماعات التكفير لمشروعها التخريبي التدميري للعراق وبث روح الشقاق والخلاف، ومن جهة أخرى تعمل من خلال حلفها المزعوم إلى ضرب هذه الجماعات في بعض المناطق التي لا تريد أمريكا لهذه الجماعات أن تتوسع فيها وتسمح لها بالتوسع في مناطق أخرى ضمن مسلسل التقسيم ذاته. ومؤخرا أعلنت أمريكا عزمها دعم الأكراد والعشائر الأنبارية بالسلاح والعتاد خارج نطاق وسلطة الحكومة المركزية ضمن مشروع التقسيم ذاته.
مشروع الدعم العسكري الأخير القاضي بدعم العشائر الانبارية والأكراد بمعزل عن التنسيق مع الحكومة العراقية والذي قدم إلى مجلس النواب بهدف التصويت عليه لم يكن مفاجئاً لكثيرين، فهو جاء ضمن سلسلة المشاريع الهادفة للتقسيم كمشروع نائب الرئيس الامريكي الحالي، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ سابقا جوزيف بايدن ونائب الرئيس الأمريكي حاليا والذي صرح مؤخرا بصراحة أنه يجب تقسيم العراق إلى أجزاء سنية وشيعية وكردية. في مقابل ذلك خرجت المواقف العراقية المنددة بتصريح بايدن بالإضافة إلى مواقف دولية وأقليمية كان آخرها موقف وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف على رفض بلاده القاطع لتقسيم العراق، معتبرا أن روسيا لن تتخذ أبدا الموقف الذي صرح عنه منذ فترة دون أي خجل نائب الرئيس الأمريكى جو بايدن واصفا هذا الموقف بـ”غير المقبول.
سيناريو التقسيم الحالي
1- الإستفادة من الجماعات التخريبية للحد من توسعها في مناطق داخل العراق دون السماح لها في مناطق أخرى، هذه الجماعات والتي بالإضافة إلى تدمير العراق فهي بوجودها تحدث تقسيما جغرافيا عقائديا تدميريا يسهل القضاء عليه فيما بعد من خلال دعم العشائر والتحركات المناهضة لهذه الجماعات لمنحها قوة خارج إطار الدولة.
2- إحداث المزيد من الإختلافات والتناقضات في المشهد السياسي العراقي بهدف اضعاف وتشتيت الموقف المناهض للجماعات التخريبية سياسيا وعسكريا، وبالتالي إطالة فترة الحرب ضد هذه الجماعات مما يتسبب في استنزاف أكبر لموارد البلد، فضلا عن الخسائر البشرية والآثار النفسية، وإبقاء المشاكل والأزمات الداخلية العراقية قائمة، بل وتفاقمها، من خلال تباين أو تقاطع المواقف بين الأكراد والسنة والشيعة كمقدمة للتقسيم.
3- العمل على تحريك وتوظيف أدواتها ووسائلها الإقليمية وان كان بصورة غير مباشرة كإعلام بعض الأنظمة العربية والمتمثل بعدد من القنوات الفضائية المعروفة والصحف ومواقع الانترنت وصفحات التواصل الاجتماعي، هذا الأمر والذي ساهم في التهويل من قضية المظلومية لبعض الفئات العراقية والذي لا واقع له، وخطر الهيمنة لبعض الأقطاب العراقية الأخرى.
4- المنابر السياسية التي من خلال تصريحاتها تحدث الشقاق والخلاف والتحريض لما فيه خدمة المشروع التقسيمي، وكمثال على ذلك الملك الاردني عبد الله الثاني والذي تحدث قبل بضعة ايام لشبكة سي ان ان الامريكية بطريقة تبدو تحريضية الى حد كبير، اذ يقول بأن القضية الأساسية هي كيف يتم دعم الأكراد بشكل صحيح لأن ذلك في غاية الأهمية، وكيف يمكننا التواصل مع جميع المكونات السنية وأن نشعرهم بأن لهم مستقبلا، وأنهم ليسوا وحيدين.
أهداف التقسيم
هنالك الكثير من الأهداف التي تقف خلف مشروع التقسيم الغربي الإستعماري الامريكي، وفي هذا السياق يمكن تسجيل الهدف الأشد خطورة على منطقتنا من جهة والأكثر أهمية لمنافع الغرب الإستعماري من جهة ثانية، فأمريكا والغرب الإستعماري يهدف بالدرجة الأولى إلى ايجاد تيارات متناحرة متصارعة فيما بينها لينتج عنها دويلات صغيرة تكون مقدمة لصراعات تنهك محور المقاومة والممانعة في المنطقة وتقضي عليه لاحقا. فالإستعمار الغربي يرى في محور المقاومة عامل قوة، وأسلوبا جديرا بإحداث حركة علمية تكنولوجية، ومسارا يؤدي إلى استفادة صحيحة من مصادره ومنابعه وخيراته، وهو ما سيضع حدا للإستعمار الغربي يمنعه من نهب خيرات شعوب المنطقة. وهي في طريقها إلى هذا المشروع وإشغالها لشعوب المنطقة حماية للكيان الإسرائيلي وتقوية له ليكون الشرطي المغذي لروح الشقاق والمانع لأي فرصة تطور وتحرك خيّر.