الوقت- على وقع التغيّرات التي تشهدها الساحة السوريّة، وفي حين أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب قواته من سوريا، قال وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، إنه من المتوقع نقل ألف جندي سحبوا من شمال سوريا إلى غرب العراق.
ويأتي إعلان إسبر بعد أيام على المباحثات التي أجراها رئيس الحكومة العراقية، عادل عبد المهدي، الأربعاء الماضي مع مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شنكر، حول آخر التطورات في سوريا، فضلاً عن الاحتجاجات الشعبية الأخيرة بالعراق، هل هنا تنسيق حول هذا الأمر؟
بدا لافتاً أيضاً تمديد وزارة الخارجية الأمريكية إجراءً اتخذ سابقاً بإعفاء من العقوبات يسمح للعراق بأن يستمر في استيراد الغاز والكهرباء من إيران وذلك لمدة 120 يوماً.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، في بيان يوم الخميس، أي بعد أقل من 24 ساعة على لقاء عبد المهدي مع شنكر: "إنها مددت إعفاء من العقوبات بما يسمح للعراق بأن يستمر في استيراد الغاز والكهرباء من إيران لمدة 120 يوماً".
إذن تشير الوقائع إلى أن واشنطن تحاول الضغط على العراق لجلب المزيد من الجنود، ملوّحةً بالورقة الاقتصاديّة، ولكن ماذا قال وزير الدفاع الأمريكي عن هذه القوات؟ أشار إسبر إلى أن القوات في غرب العراق ستركّز على المساعدة في الدفاع عن العراق، وقتال تنظيم "داعش" الإرهابي.
يبدو واضحةً أن الحديث عن محاربة داعش، كما الحديث عن أسلحة الدمار الشامل عام 2003 هي أكاذيب إعلاميّة لغايات سياسيّة، وهنا تجدر الإشارة إلى التالي:
أوّلاً: إن الوجود الأمريكي في العراق مشبوه من اليوم الأول، فواشنطن هي التي وقفت وراء ظهور تنظيم داعش الإرهابي في العراق، وهي التي دعمت انفصال الإقليم وحرّكت العصبيات الطائفية والمذهبية والعرقية، لذلك تدرك جيداً محاولات العراق للتحرّر من القطب الأمريكي، لاسيّما مع بروز الحشد الشعبي على الساحة العراقية، ونجاح هذه القوة حتى الساعة في إسقاط الوكيل الأمريكي سواء تنظيم "داعش" الإرهابي أو استفتاء كردستان، وكذلك تقويض التحركات الأمريكية في العراق، ومنع حصول الجنود الأمريكيين على أيّ حصانة.
ثانياً: لذلك، تخشى أمريكا من تحرّكات رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، لاسيّما لناحية التوجه شرقاً وإضعاف السلطة الأمريكية المكرّسة في العراق، فعلى سبيل المثال نشرت مؤسسة مونيتر تفاصيل زيارة عبد المهدي للصين من أجل التوقيع على اتفاقية اقتصادية عملاقة لعشرين سنة تبلغ قيمتها الأولية حوالي 43 مليار دولار، وكذلك مشروع النفط مقابل الإعمار، ما يعني إدارة حكومة عبد المهدي ظهرها للشركات الأمريكية بعد اتفاقها في مجال الكهرباء مع شركة "سيمنس" الألمانية بقيمة 15 مليار دولار بدلاً من شركة "جنرال الكتريك" الأمريكية، كذلك فشل التوصل إلى اتفاق مع شركة أكسون موبيل الأمريكي بقيمة 53 مليار دولار. ذلك، تعمد أمريكا إلى تعزيز قواتها العسكرية في العراق، وربّما لبناء تيارات انفصالية جديدة.
ثالثاً: أمريكا سترفض هذه الخسارة، وكما دخلت للعراق عبر نافذة "داعش" بعد خروجها عام 2011 من بوابة الانسحاب، ستحاول اليوم الالتفاف ولكن بطريقة أخرى.
اليوم، لن تجدي الجماعات التكفيرية بسبب قدرات الحشد، لذلك تعمل واشنطن على خطّين الأول يرتبط بتأجيج السخط الشعبي، والثاني دعم التحركات الانفصالية والصحوات وغيرها.
لا نستبعد أن تعمد القوات الأمريكية بشكل غير مباشر، وعبر أدواتها في عرقلة أي مشاريع كبرى غير أمريكية، وكذلك الدفع بعملائها في الداخل لاستهداف أي مشاريع على الأرض، فضلاً عن المواجهة السياسية لها من النواب المدعومين أمريكيا.
في الختام.. إن القوة العسكرية في العراق اليوم كفيلة بمواجهة وإسقاط أي تحرّكات أمريكية مشبوهة، وبالتالي لا خوف من المواجهة العسكرية، لكن لا بدّ من توعية الشعب العراقي إلى ضرورة مواجهة الاحتلال الأمريكي الجديد، فمحاربة الفساد ترتبط شكل رئيس، وليس كلّه، بالحضور الأمريكي في العراق، فواشنطن تدعم الكثير من الفاسدين لتمرير مشاريعها في الداخل العراقي، وعليه فإن المعركة في العراق اليوم هي معركة الوعي قبل أيّ شيء آخر.
باختصار، تعزيز الحضور الأمريكي في العراق يرتبط بأمرين رئيسيين الأول هو الفشل في الساحة السورية وسحب أذيال الخيبة نحو الساحة الأقرب أي العراق، والثاني البدء بدعم تحركات انفصالية جديدة لاستعادة الساحة العراقية من جهة، وتعويض الساحة العراقية من جهة أخرى، فهل سنرى الأمريكي يسحب أذيال خيبته من جديد نحو السعوديّة باعتبارها الساحة الأقرب؟ الإجابة بيد العراقيين أنفسهم في معركة الوعي التي تنتظرهم.