الوقت- لطالما كانت الأردن داعماً أساسياً للشعب الفلسطيني لاعتبارات مختلفة تتعلق بالقرب الجغرافي ووحدة المصير والأعداد الهائلة للفلسطينيين القاطنين في الأردن منذ عقود وغيرها من التفاصيل الأخرى، التي تحول دون انصياع الأردن لرغبات الصهاينة، بل على العكس تماماً تنتفض الأردن بكل ما تملك للدفاع عن القضية الفلسطينية لأن أي خرق في المعاهدات الدولية من قبل الجانب الإسرائيلي سيكون له آثار مدمّرة على الأردن، ناهيك عن أن الشعب الأردني معروف بدفاعه المستميت عن القضية الفلسطينية بغض النظر عن الحكومات المتعاقبة، لذلك لا يمكن لهذه الحكومات إلا أن ترضخ لإرادة الشعب وهذا ما يتم تأكيده عاماً بعد عام.
قبل يومين دعا رئيس مجلس النواب رئيس الاتحاد البرلماني العربي عاطف الطراونة، برلمانات العالم إلى الضغط على حكومات بلادهم لرفض أي توجهات ونوايا لنقل سفاراتهم إلى القدس.
وأضاف خلال كلمته في الاجتماع 141 للاتحاد البرلماني الدولي، أنه على برلمانات العالم الانحياز إلى الحق وأصحاب الأرض، والضغط عبر حكومات بلادهم على حكومة الاحتلال الإسرائيلي كي تكفّ عن طغيانها وممارساتها الوحشية في الأراضي الفلسطينية.
الأردن لا تترك منبراً دولياً إلا وتدافع فيه عن القضية الفلسطينية، وعن حقوق الشعب الفلسطيني، وتحاول دائماً إيصال صوت الفلسطينيين وأوجاعهم إلى العالم أجمع، على عكس البعض من الدول العربية التي تنكرت للقضية الفلسطينية، حتى إنها ساهمت في الضغط على الفلسطينيين وما قامت به هذه الدول فيما يخص صفقة القرن، كان بمثابة طعنة في ظهر هذه القضية، وستعود نتائج ذلك بالسلب على هذه الدول، خاصة وأن العالم بأسره لم يرضخ للإدارة الأمريكية فيما يخص نقل السفارة إلى القدس ولم تخفهم تهديدات واشنطن، حتى إن بريق هذا الموضوع خفت كثيراً ولم يعد ذا أولوية بالنسبة لأغلب دول العالم، خاصة الكبرى منها.
وبالعودة إلى حديث الطراونة في الاجتماع، المنعقد في العاصمة الصربية بلغراد، ركّز الطراونة على موضوع ممارسات الاحتلال الصهيوني المجحفة بحق الشعب الفلسطيني، وقال إن "الاحتلال الإسرائيلي بقي يضرب بعرض الحائط كل مبادئ القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، متوسعاً في الاستيطان، مستهدفاً الأطفال والشيوخ والنساء، زاجّاً بهم في السجون والمعتقلات... كل ما يتحرك في أرض فلسطين بشراً وشجراً، عُرضة للرصاص وفوهات البنادق والدبابات والمجنزرات التي تطوق المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس".
واعتبر الطراونة أن تعزيز الأمن والسلم الدوليين، وتحقيق أهداف القانون الدولي وتدعيم قيمه ومبادئه تصطدم اليوم بعوائق من دولٍ وتنظيمات وكيانات لا تجيد سوى الحديث بلغة القوة والمال والإرهاب ورفض الآخر.
وتحدث الطراونة عن عجز المؤسسات والتنظيمات المنبثقة عن الأمم المتحدة، عن تنفيذ قراراتها، وقال إنها لا تملك الأثر بإلزامية قراراتها على الدول الخارجة عن إطار الشرعية الدولية، وعلى رأسها دولة الاحتلال الإسرائيلي، يساندها في نهجها المستمر بالتمرد والفلتان، انحيازٌ واضحٌ من الإدارة الأمريكية.
وتابع قائلاً: إن الأردن، الذي يرتبط بمعاهدة سلام مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي، يرى اليوم أن هذا السلام معرضٌ للتهديد، في ظل التعدي الصارخ على بنوده، بخاصة في ملف القدس.
وشدد على التزام الأردن بمبادئ القانون الدولي، واستقبال ملايين اللاجئين، ومحاربة الإرهاب، محذّراً من الصمت الدولي عن جرائم وممارسات الاحتلال التي من شأنها تغذية روافد التطرف في المنطقة، مؤكداً أهمية الدفع بحل الدولتين خياراً آمناً لتحقيق الأمن والاستقرار.
محاولات "إسرائيل" الفاشلة
حاول الاحتلال الإسرائيلي جذب دول العالم لفتح سفاراتها في القدس من خلال تقديم عروض سخيّة للدول وتقديم حوافز مالية بقيمة 50 مليون شيكل (قرابة 14 مليون دولار) لتشجيع الدول لنقل سفاراتها في "إسرائيل" من تل أبيب إلى القدس، ومع ذلك عجز كيان الاحتلال عن جذب هذه الدول.
الحراك الدبلوماسي الإسرائيلي باء بالفشل بالنسبة لهذا الموضوع، بالرغم من إغراءات نتنياهو للدول الأجنبية، وتقديمه عروضاً لأول عشر دول تفتح سفاراتها في القدس، حتى إن وزير البناء والإسكان دعا بلدية المدينة لتخصيص قطعة أرض لتحتضن البعثات الأجنبية، على غرار "شارع السفارات" في واشنطن، ولكن دون جدوى.
الدولتان الوحيدتان اللتان نقلتا سفارتيهما هما، أمريكا وغواتيمالا، طبعاً وهناك احتمال بأن تعيد واشنطن سفارتها إلى تل أبيب في حال تغيرت الإدارة الأمريكية، وسبق أن حدث ذلك مع براغواي التي افتتح رئيسها السابق هوراسيو كارتيس سفارة لبلاده في القدس، قبل أن يتراجع خلفه ماريو بنيتيس عن هذه الخطوة ويعيد مقر البعثة إلى تل أبيب.
وتحدثت هندوراس أيضاً عن نقل سفارتها إلى القدس، لكن مقابل فتح بعثة إسرائيلية في عاصمتها تيغوسيغالبا، وأوضحت الخارجية الهندوراسية في مارس الماضي أنها ستنشئ "مكتباً تجارياً" في القدس بعد افتتاح إسرائيل "مكتب تعاون" لها في عاصمتها، وهو ما لم تفعله "إسرائيل" حتى الآن ولا تخطط له حالياً بسبب ضيقة مالية، حسب دبلوماسيين إسرائيليين.
وكان رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون قد أعلن في أكتوبر الماضي أنه منفتح على فكرة نقل سفارته إلى القدس، لكنه خيّب آمال الإسرائيليين بعد أسابيع من اعترافه بالقدس الغربية فقط عاصمة لـ "إسرائيل" وتعهّده بنقل السفارة بعد تحديد ملامح الحل النهائي فقط، واكتفت كانبيرا بفتح مكتب للتجارة والدفاع، مؤكدة أنه لا يحمل أي صفة دبلوماسية.
نفس الشيء حدث مع البرازيل التي وعد رئيسها الحالي جايير بولسونارو خلال حملته الانتخابية بنقل السفارة إلى القدس وأكد نيته هذه حتى بعد انتخابه، لكنه تراجع في نهاية المطاف وأعلن خلال زيارة إلى "إسرائيل" في مارس أن حكومته قرّرت إنشاء "مكتب لتطوير التجارة والاستثمار والتكنولوجيا والابتكارات".
أوروبا الشرقية وموقف الاتحاد الأوروبي
وتراجع بعض أصدقاء "إسرائيل" في أوروبا الشرقية عن وعودهم بشأن نقل السفارات أيضاً، حيث أحبط كلاوس يوهانيس الروماني توجهاً من هذا النوع أعلنت عنه رئيسة الوزراء فيوريكا دانشيلا في مارس الماضي.
وفي التشيك، أعلن الرئيس ميلوش زيمان إطلاق عملية من ثلاث مراحل لنقل بعثات بلاده الدبلوماسية من تل أبيب إلى القدس، لكن لم تتحقق منها إلا مرحلتان شملتا تعيين قنصل فخري في القدس وافتتاح ما يسمى البيت التشيكي في المدينة، والذي تؤكد الحكومة التشيكية أنه لا يتمتع بصفة دبلوماسية، في حين لا يبدي رئيس الحكومة أي استعجال في مسألة نقل السفارة.
الدولة الوحيدة التي يبدو أنها تسير عكس السير في الاتحاد الأوربي هي هنغاريا، فهي فتحت في مارس مكتباً تجارياً في القدس تعتبره "امتداداً" لسفارتها في تل أبيب وتصرّ على أن لهذا المكتب صفة دبلوماسية، لكن الاتحاد الأوروبي نفى ذلك، مشدداً في مذكرة له على أن "ما فتحته هنغاريا ليس سفارة، بل مكتباً تجارياً".