الوقت- لم تترك سلطنة عمان أي وسيلة لكي تحافظ على صمتها وسياستها "الهادئة المحايدة" مع جميع الأفرقاء إن كان في الأزمة الخليجية أم في حرب اليمن أم حتى في جميع التوترات التي تشهدها المنطقة، ومع ذلك فإن السلطنة التي كانت تلقّب بسويسرا الشرق الأوسط نظراً لحيادها، خرجت عن هذا الحياد نظراً لاستفزازات الإمارات التي لا تنتهي، إذ تسارعت موجة الاستفزازات هذه في الآونة الأخيرة ما أجبر السلطنة على الخروج عن صمتها وحماية نفسها وشعبها وأمنها القومي من هذه المضايقات التي بدأت تتحوّل إلى تهديد وتحدٍ لا يمكن لسلطنة عمان غضّ الطرف عنه.
مربط الفرس في اليمن
كشفت حرب اليمن الغطاء عن جميع الأطراف التي تسعى لإبراز نفسها عبر التعدي على غيرها، وظهرت أطماع جميع الدول من خلال هذه الحرب، وظهر اسم "الإمارات" كثيراً خلال هذه الحرب بعد أن كانت أبوظبي تسعى لممارسة سياستها في الخفاء، إلا أن حرب اليمن كشفت الغطاء عنها وأبرزت مطامعها في اليمن وكذلك في سلطنة عمان، حيث بدأت الفضيحة عندما كشفت مسقط في عام 2011 عن شبكة تجسس كبيرة بدعم وتمويل من ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد تضم مدنيين وعسكريين كانت تهدف بالنهاية إلى انقلاب دموي بالسلطنة وتنصيب نظام موالٍ يفتقد إلى الطموحات الوطنية، وحدثت أزمة سياسية كبرى بين مسقط و أبوظبي حينها انتهت ظاهرياً بوساطة قام بها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر دفعت على إثرها أبوظبي تعويضات مالية كبيرة مع التعهد بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للسلطنة.
وفي مطلع الصيف الحالي تمكّنت أجهزة الأمن العُمانية قبل مدّة من الحصول على معلومات عن شبكة تجسّس إماراتية تنشط ضد السلطنة.
وقادت هذه المعلومات إلى انكشاف تفاصيل الشبكة وتحديد أسماء جميع الأفراد والشركات المتعاونة معها وتوقيف أفرادها، وفق مصادر مطلعة.
الحادثة كشفت للأجهزة العمانية أن حاكم دبي، محمد بن راشد، كان يتدخل شخصياً في ملف الشبكة، ما فتح الباب على توتر كبير بين الطرفين، إذ أقدمت سلطات مسقط على مواجهة أبو ظبي بالمعلومات التي باتت بحوزتها، عبر رسالة تهديد تخيّر السلطات الإماراتية بين فضح الملف وإخراجه إلى العلن أو تزويد أبو ظبي السلطنة بأسماء جميع الجواسيس القدامى والجدد.
طموح أبو ظبي لم يتوقف بعد هذه الفضيحة بل استمر المشروع في اليمن، ليتكشف بوضوح ماذا تريد الإمارات، فمع بداية الحرب اليمنية بدأت الإمارات تخطط للسيطرة على المهرة مثلما عملت مع عدن وبعض مدن الجنوب، فقد وصل ممثلون إماراتيون إلى المحافظة في أغسطس 2015، أي بعد 4 أشهر فقط من تدخلهم في اليمن، وكان المعلن أنها مهمة لدعم السلطة المحلية والحفاظ على الأمن في المحافظة التي لم يصل إليها الصراع قط.
تم التوصل إلى اتفاق لإصدار قرار بين الإماراتيين والمحافظ، يقضي بتجنيد وتدريب 2000 من أبناء المحافظة، لكن سرعان ما نشأ صراع على السلطة والسيطرة على تلك القوة الناشئة، واقترحت الإمارات تجنيد المهريين من خلال شيوخ محليين، وتدريب المجندين في معسكر بحضرموت، ورفض المحافظ الأسبق، علي ياسر، هذه الشروط وأصرّ على أن يتم الاستقدام والتدريب تحت إشرافه وبالمحافظة.
شكّل اقتراب الإمارات من الحدود العمانية تحدياً كبيراً للسلطنة التي سارعت للحفاظ على أمن حدودها، لأن العبث بحدود المهرة سيشكل خطراً كبيراً على الأمن القومي للسلطنة، لأن وجود السعودية والإمارات على حدودها يعني أن عُمان أصبحت محاصَرة في عقر دارها، كما لا يبدو أن مسقط ستغامر بخسارة نفوذها في المهرة، لأن ذلك يعني خسائر اقتصادية لها، إذ تدرّ المنافذ مع اليمن أموالاً كبيرة على الخزينة العمانية.
سلطنة عمان لم تستطع السكوت عن هذه الاستفزازات الإماراتية ويبدو أنها بدأت بالدخول على خط الأزمة اليمنية واستضافة أطراف يمنية بعد أن كانت تلتزم الحياد لعدة سنوات.
البداية كانت بعد صدور بيان مشترك في 15 سبتمبر الحالي، دعا فيه مسؤولون يمنيون إلى إنهاء مشاركة دولة الإمارات في التحالف العربي في اليمن، والبدء في مقاضاتها دولياً، وتشكيل جبهة وطنية واسعة للدفاع عن الجمهورية اليمنية ووحدتها وسيادتها.
البيان المشترك صدر عن ثلاثة من أبرز الشخصيات في اليمن، إضافة لكونهم مسؤولين حكوميين، وهم نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية أحمد الميسري، ووزير النقل صالح الجبواني، ونائب رئيس مجلس النواب عبد العزيز جباري.
وبعد أيام من صدور البيان، استقبلت سلطنة عمان المسؤولين الثلاثة المعادين للإمارات والمطالبين بإنهاء تدخلها في التحالف العربي، حيث وصلوا إلى مسقط في الـ21 من الشهر ذاته.
خبر وصول المسؤولين اليمنيين نقله موقع وزارة الداخلية اليمنية، الذي قال إن الزيارة تستغرق ثلاثة أيام بدعوة رسمية من القيادة العمانية، وذلك "للتباحث ومناقشة الأوضاع وبحث السبل الممكنة لتحقيق السلام باليمن، مع مناقشة تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تطويرها".
وأكد موقع الداخلية أن الوفد برئاسة الميسري "سيجري سلسلة لقاءات مهمة مع القيادة العمانية في عدد من الملفات المهمة، وستتم مناقشة آخر مستجدات الأوضاع في الشأن اليمني".
كما كشف أنه وبحسب جدول أعمال الزيارة، فإن الوفد اليمني سيلتقي عدداً من المسؤولين بعمان بناءً على تلك الدعوة الرسمية، وحتى اللحظة لا تزال كواليس هذه اللقاءات مجهولة نوعاً ما وستتكشف حقيقة ما يجري خلال الأيام القليلة المقبلة.
الاستفزازات الإماراتية
كشفت صحيفة "هيندوستان تايمز" الهندية عن خطة إماراتية لضرب اقتصاد سلطنة عمان الناهض من خلال إفشال مشروع ميناء "الدقم" العماني على بحر العرب والذي يعدّ من أكبر موانئ المنطقة.
وتراهن سلطنة عمان على ميناء "الدقم" ومنطقة "الدقم" الاقتصادية الحرة كأحد المشروعات الاستراتيجية للبلاد والتي تهدف إلى زيادة الدخل القومي، ويضم المشروع من بين عناصر أخرى صهاريج ضخمة لتخزين النفط وإعادة تصديره اعتماداً على بترول دول الخليج الفارسي .
وفي هذا الصدد كشفت صحف هندية عن أن ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ركّز خلال زيارته الأخيرة لنيودلهي على إقناع المسؤولين الهنود بإنشاء نشاط مشابه لتخزين نفط الإمارات به وذلك لضرب مشروع "الدقم" وأنه تم بالفعل توقيع اتفاقية في هذا الشأن.
وقالت الصحف الهندية إن "الإمارات تفاوض الهند على تخزين النفط في صهاريجها الساحلية مقابل أن تعطي ثلثي قدرة التخزين مجاناً للهند" وهو ما يعدّ خطوة أخرى لضرب مخطط منطقة "الدقم" لتخزين النفط والذي مقدر أن يكون الأكبر في الشرق الأوسط.
وكشفت صحيفة "هيندوستان تايمز" الهندية بالتفصيل الخطة الإماراتية حيث أوضحت أن شركة النفط الوطنية الإماراتية "أدنوك" وافقت في أول صفقة من نوعها، على تخزين النفط الخام في منشآت تخزين النفط الهندية، مقابل منح الهند ما يعادل ثلثي الكمية المخزنة مجاناً.
وتـأتي تلك الأنباء بعد خبر إعلان الإمارات استئجار جزيرة “سقطري” اليمنية في مياه بحر العرب لإنشاء نشاطات لضرب ميناء "الدقم".
وتوجد خلافات غير معلنة بين الإمارات – التي تعدّ جزءاً تاريخياّ من ساحل عمان – ومسقط لكنها تطفو على السطح أحياناً وسبق أن دبرت أبو ظبي محاولة للانقلاب على السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان لكن الأجهزة الأمنية العمانية أحبطتها.
وفي يناير 2018 عرضت الإمارات في متحف اللوفر في أبو ظبي "خريطة مشبوهة" تُظهر محافظة "مسندام" العُمانية ضمن حدود الإمارات، ما أثار غضب السلطنة التي اتهمت الإمارات بسرقة تاريخ عُمان وشخصيات عُمانية تاريخية ونسبها إليها.
ولم يكن ذلك الخلاف الأول خلال العام الحاليّ؛ ففي مارس 2018، تسبّب الفيلم الوثائقي الذي بثّته وسائل الإعلام الإماراتية بعنوان: "زايد الأول.. ذاكرة ومسيرة"، في موجة غضب عارمة على إثر تلفيقه لوقائع تاريخية مشوهة وغير حقيقية.
وفي وقت سابق أدرجت حضارة "مجان" العُمانية في مناهجها الدراسية تحت اسم "حضارة مجان في دولة الإمارات"، ما أثار حالة من الغضب العارم امتدت من عُمان إلى جارتها اليمن، كما شكا القائمون من اجتزاء حديث المؤرخ العُماني محمد المقدم، بما يناسب الفكرة العامة التي يرغبون بالترويج لها.