الوقت- أدّى تفكك حكومة نتنياهو في ديسمبر 2018 إلى إجبار النظام السياسي الصهيوني على الذهاب إلى انتخابات جديدة في أبريل 2019.
انتخابات أبريل أيضاً وعلى الرغم من معرفة الفائز فيها، ولكن مع فشل نتنياهو في تشكيل حكومة جديدة، لم تصل إلى نتيجة تذكر، فاضطر الصهاينة إلى إجراء انتخابات جديدة بعد خمسة أشهر.
انتخابات سبتمبر 2019 هي الأخرى لا تحظى بأفق واضح أيضاً، وإن لم تؤدِ إلى انتخابات ثالثة، فلا يمكن أن نتوقّع عمراً طويلاً للحكومة الناتجة عنها، وعلينا أن ننتظر انتخابات غير متوقعة بفواصل قصيرة، وهذه علامة على الجمود في السياسة الداخلية الصهيونية.
النظام السياسي للكيان الإسرائيلي
النظام السياسي للكيان الإسرائيلي هو نظام حزبي يعتمد على رئاسة الوزراء، وفقاً لذلك، فإن رئيس الوزراء هو المسؤول عن تشكيل الحكومة ويتولى رئاستها، كذلك هو المسؤول عن جميع الشؤون التنفيذية واتخاذ القرارات.
السلطة التشريعية في هذا الكيان هي الكنيست الذي ينتخب المجتمع الصهيوني أعضاءه من خلال الانتخابات، وهناك رئيس على غرار منصب رئاسة الجمهورية لسائر الأنظمة القائمة على رئاسة الوزراء، وهو منصب شرفي بسلطات محدودة.
في الواقع، إن رئيس الوزراء هو الذي سيكون بحوزته كل عناصر السلطة واتخاذ القرار خلال فترة ولايته.
النظام الانتخابي للكيان الإسرائيلي
تجرى الانتخابات في الكيان الإسرائيلي على صعيدين: انتخابات المجالس البلدية والمحلية وانتخابات البرلمان أو الكنيست.
تتعلق انتخابات المجالس البلدية والمحلية بالشؤون الداخلية، حيث ينتخب سكان كل منطقة في الأراضي المحتلة أشخاصاً لإدارة الشؤون المحلية.
الانتخابات العامة الوحيدة في الكيان الإسرائيلي هي الانتخابات البرلمانية أو انتخابات الكنيست، ووفقاً للنظام السياسي في الكيان - وهو نظام حزبي - فإن الانتخابات البرلمانية لهذا الكيان، كما الكيان نفسه، تقوم على نظام قائمة الأحزاب.
بمعنى أن الأحزاب السياسية المختلفة وقبل أي انتخابات، تسجل اسمها للحضور في البرلمان أو الكنيست، ويقدّم كل حزب قائمةً تتضمن أعضاءه، وفي يوم الانتخابات، يصوّت من يحق لهم التصويت في المجتمع الإسرائيلي، لمصلحة قائمة من قوائم الأحزاب الموجودة في الانتخابات.
وبعد انتهاء الانتخابات، ومحاسبة العدد الإجمالي للأصوات وتقسيمها إلى 120 مقعداً، يتم الحصول على عدد الأصوات المطلوبة لكل مقعد في البرلمان.
على سبيل المثال، إذا شارك في الانتخابات 3 ملايين و 600 ألف شخص، سيكون عدد الأصوات المطلوبة لكل مقعد في الكنيست 300 ألف.
وبهذه الطريقة، يُقسم عدد الأصوات لكل حزب على هذا العدد، ويتم الحصول على عدد المقاعد التي فاز بها في البرلمان، وبنفس عدد المقاعد، سوف يدخل الكنيست أعضاء من قائمة الحزب.
تعدد الأحزاب وتوزيع الأصوات
في الانتخابات الأولى التي أجراها الكيان الإسرائيلي منذ احتلاله لفلسطين، لم تكن الأحزاب السياسية متعددةً كما هو اليوم، وكان يمكن للأحزاب الكبيرة تشكيل ائتلاف حكومي من خلال التحالف مع حزب واحد أو حزبين في النهاية.
ولكن مع مرور الوقت وتعدد الأحزاب السياسية، زاد عدد الأحزاب التي يمكن أن تدخل الكنيست، وبهذه الطريقة تم توزيع الأصوات بمرور الوقت على مختلف الأحزاب، وقد أدّى ذلك إلى أن يصبح تشكيل ائتلاف حكومي بحاجة إلى المزيد من الائتلاف بين الأحزاب.
مزيد من المسافة بين الأحزاب
في السنة الأولى من احتلال فلسطين، كان الصهاينة قد تجمّعوا في الغالب حول واحد أو اثنين من التيارات السياسية.
وكان الشيوعيون والرأسماليون هما التياران الرئيسان في الكيان الإسرائيلي اللذان كانا على تنافس سياسي مع بعضهما البعض، لكن نفس هذين التيارين أيضاً كانا علمانيين من الناحية الأيديولوجية.
ومع مرور الوقت، وبروز التيارات غير العلمانية والدينية وتعدد هذه التيارات، اشتدت الخلافات وأصبحت مختلف الأحزاب تواجه خلافات أكثر خطورةً، بحيث تقدّم الأحزاب الدينية ذات النهج المختلفة على تأسيس أحزاب جديدة.
تقلُّص الأحزاب
مع ظهور أحزاب متعددة وتكثيف الانقسامات الأيديولوجية بينها، لم يعد هناك أي توافق سياسي بين الأحزاب، والنتيجة المنطقية لهذه الخلافات هي عدم وجود أرضية مشتركة للأحزاب للتجمع في مختلف المجالات السياسية.
ولذلك، أصبحت الأحزاب الجديدة للكيان الصهيوني اليوم أحزاباً صغيرةً وانطوائيةً ليس لها توافق في الآراء مع أحزاب مماثلة.
المأزق السياسي نتيجة الأحزاب الصغيرة
الأحزاب الصغيرة ليس لها أصوات كثيرة في المجتمع الصهيوني. إذ يميل المجتمع الصهيوني إلى التوجه نحو اليمين المتطرف، ولكن في هذه النزعة اليمينية، يسلك المسار الفرعي ولا يختار طريقاً مشتركاً، وبالتالي فإن كل حزب من الأحزاب الصغيرة في كل انتخابات يفوز فقط بمقاعد قليلة في الكنيست، وهناك العديد من الأحزاب التي لا يمكنها الفوز حتى بمقعد واحد.
على سبيل المثال، في انتخابات سبتمبر 2019، من بين 31 قائمة موجودة في انتخابات الكنيست، فاز تسعة أحزاب فقط بالنصاب القانوني أي 3.25٪ من المقاعد لدخول البرلمان.
وفاز حزبان هما "عوتصما" و"تصومت" بـ 1.88 ٪ و 0.33 ٪ من المقاعد على التوالي، في حين أن أصوات الأحزاب الأخرى كانت أقل من 0.15 ٪، أي أقل من 6 آلاف صوت.
هذه الإحصاءات كانت أسوأ من الانتخابات قبل خمسة أشهر أي في أبريل 2019، حيث فازت 11 قائمة بالمقاعد، وفاز حزبان بمقعدين، لكنهم فشلوا في دخول الكنيست.
زيادة عدد أحزاب الائتلاف الحكومي
تشكيل الحكومة في الكيان الإسرائيلي، ولأنها يجب أن تضم نصف مقاعد الكنيست زائد واحد، كان ممكناً دائماً بتشكيل ائتلاف متعدد الأحزاب.
حتى الآن، لم ينجح أي حزب في تشكيل الحكومة بامتلاك مثل هذا العدد الكبير من المقاعد، ولكن مع مرور الوقت، وعن طريق توزيع الأصوات على أحزاب متعددة، زاد عدد الأحزاب لتشكيل ائتلاف حكومي.
في حكومته الأخيرة، شكّل نتنياهو الحكومة في عام 2015 مع خمسة أحزاب ائتلافية، وفي منتصف الطريق، مع انضمام ليبرمان إلى حكومة نتنياهو، وصل العدد إلى ستة.
لكن أدّى خروج ليبرمان من ائتلاف نتنياهو إلى انهيار حكومته.
وفي انتخابات أبريل 2019، فشل نتنياهو في تشكيل حكومة من أربعة أحزاب، وفي انتخابات سبتمبر أيضاً، ليس من الممكن تشكيل ائتلاف يضم أربعة أحزاب.
كما أنه مع وجود خمسة أحزاب، يوجد حدّ أدنى من الائتلاف يضم 64 مقعداً مثلاً، بحيث أن خروج كل حزب سيجرّ الكيان الإسرائيلي إلى انتخابات أخرى.
ما سبق يوضّح أن النظام السياسي للكيان الإسرائيلي قد وصل إلى طريق مسدود، فمن ناحية، أصبحت إمكانية تشكيل الحكومة مستحيلةً، ومن ناحية أخرى، ستواجه الحكومات التي تتشكل بصعوبة أزمة الانهيار وقصر عمر الحكومة، وهاتان المسألتان قادتا الصهاينة إلى عدم الاستقرار.
سبل الخروج المستحيلة
للخروج من هذه المشكلة، قدَّم الصهاينة حتى الآن مقترحين، يستحيل تنفيذهما.
اختيار رئيس الوزراء بشكل مستقل
لقد جرّب الصهاينة مرتين انتخابات رئاسة الوزراء بشكل مستقل في عامي 1999 و 2001، بحيث في تلك الفترة وعن طريق إجراء انتخابات مستقلة، تم انتخاب رئيس الوزراء من قبل المجتمع الصهيوني، ولكنهم بعد ذلك عادوا إلى المسار الحالي مرةً أخرى، لأن تغيير اختيار رئيس الوزراء لم يؤد إلى تغيير في تشكيل الحكومة واستحالة تشكيل الائتلاف، وكان عليهم التفكير في إيجاد حل للنظام الحزبي.
نظام ثنائي الحزب
بعد انتخابات الكنيست في عام 2015، اقترح بنيامين نتنياهو بأن يصبح النظام السياسي في الكيان الإسرائيلي نظاماً ثنائي الحزب، بحيث لا ينشط في هذا الكيان سوى حزبين فقط، حتى لا يواجه تشكيل الحكومة مثل هذه الأزمات.
هذا الاقتراح، رغم أنه كان قادراً على إخراجهم من المأزق الحالي، ولكنه كان في تناقض حاد مع ادعاء الصهاينة بكونهم ديمقراطيين، كما واجه معارضةً شديدةً من قبل العلمانيين.
الاستنتاج
النظام السياسي الحالي للكيان الإسرائيلي، والذي هو نظام حزبي يعتمد على رئاسة الوزراء، وصل إلى طريق مسدود ولم يعد قادراً على مواصلة الحياة السياسية، ولا يمكن لهذا النظام رؤية حكومة قوية لأربع سنوات كاملة.
كما أن الحكومات الإسرائيلية تتألف بصعوبة وتتفكك بسهولة، وابتزازات الأحزاب المتعددة التي تقوم على النهج المتطرفة، لم تعرقل النظام السياسي فحسب، بل عرَّضت النظام الاجتماعي الصهيوني لأزمات هوائية واختلافات خطيرة وعميقة.
وكل هذا هو نتيجة لنظام سياسي ذي خطاب ضعيف، ظل مستمراً باحتلاله لعقود من الزمن، مدعوماً بأموال وثروة المستعمرين، ولم يبق سوى وقت قليل لانهياره.