الوقت- تُعد المملكة العربية السعودية واحدة من أهم اللاعبين في الصراع اليمني، وهي تعلم جيداً أن حدوث تغيير في أي دولة عربية سوف يؤثر على مصالحها الوطنية، لذلك، فإن حدوث أي تغيير في اليمن سوف يُحِدث تغيير سريع في المملكة العربية السعودية. ولهذا فإن الرياض في وقتنا الحالي تواجه العديد من المخاوف بسبب دخولها في مغامرة متهورة في اليمن، ولا سيما نشوب الكثير من المشاكل الداخلية داخل المملكة وعودة قضية أزمة شرعية "بن سلمان" في البلاد، وزيادة حدة المنافسة بين الامراء السعوديين والتي أدت إلى خلق الكثير من الخلافات خطيرة بين النخب السعودية القديمة والجديدة وهذه الاحداث هي التي دفعت الرياض للاستنجاد بالولايات المتحدة وطلب الحماية والمساعدة منها، وعلى الرغم من أن هذه الامريكية قد جعلت المملكة العربية السعودية دولة قوية في المنطقة، إلا أن نقطة ضعف المملكة العربية السعودية يكمن في أمنها الداخلي وذلك لأنها تعتمد اعتماد شبة كلي على قوة غربية لحماية مصالحها الداخلية والاقليمية.
ومع ذلك، فإن المكانة الجيوسياسية لليمن وهيمنتها على مضيق "باب المندب" الاستراتيجي والبحر الأحمر، وانعدام الأمن على الحدود وفقدان الاستقرار على الحدود بين اليمن والمملكة العربية السعودية، وكذلك قضية وجود روابط عرقية وقبلية وثقافية ودينية بين الشيعة القاطنين في المناطق الجنوبية للمملكة مع معظم القبائل اليمنية الشمالية والقلق من انتشار الأفكار الشيعية والثورية بين شريحة كبيرة من السكان الشيعة السعوديين المقيمين في المناطق الإستراتيجية الغنية بالنفط، تعتبر من أبرز اهتمامات الرياض، ولكن تجدر الاشارة هنا إلى أن أحد أهم مخاوف السعودية المتعلقة باليمن، يتمثل في العوامل التي تؤثر على عقلية النخبة السياسية في اليمن وكيفية اقناعهم بنوع النظام السياسي الذي تسعى السعودية إلى خلقه في اليمن.
وعلى الرغم من أن الازمة التي تعاني منها وحدة الشمال والجنوب اليمني وتحالف الرئيس السابق "علي عبد الله صالح" مع الحكومة السعودية قد انتهت، إلا أن التطورات الاخيرة التي وقعت في الانتفاضة الإسلامية والتي تم طرد فيها الرئيس السابق "علي عبد الله صالح"، جعلت الرياض تشعر بالكثير من الخوف وذلك لأنهم كانوا يقلقون كثيرا من احتمال دخول موجات من هذه الانتفاضات إلى داخل المملكة العربية السعودية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الخوف من أن يصبح اليمن نموذجًا مناسبًا لتصدير الثورة إلى منقطة الخليج الفارسي وتشكيل حكومة ثورية في اليمن متحالفة مع إيران، سوف يؤثر تأثير مباشر على التوترات بين إيران والولايات المتحدة في الوضع الحالي.
وفي حين كان من المفترض أن تكون حرب اليمن جزءًا من سيناريو أمريكي أكبر للضغط على إيران من أجل إضعاف محور المقاومة في المنطقة، تمكنت الكوادر اليمنية الفذة من تطوير وصناعة العديد من الصورايخ البالستية والطائرات بدون طيار واستطاعت من تنفيذ الكثير من الضربات الموجعة على داخل العمق السعودي والاماراتي ولا سيما الهجوم على مطار أبها وقاعدة الملك خالد العسكرية وأخيراً الهجوم على حقل الشيبة الاستراتيجي ومصفاة أرامكو السعودية، الامر الذي غير موازين المعادلة على الساحة الاقليمية والذي كان له أيضا نتائج عكسية وسلبية على الرياض وواشنطن.
فمن ناحية، كان لتلك الهجمات الموجعة تأثير بالغ، حيث أحدثت انقسام بين أعضاء التحالف (السعودية والامارات) الذي تقوده السعودية في الحرب اليمنية، حيث قررت الامارات مؤخرا الانسحاب من اليمن، ومن ناحية أخرى كان للضغوط الاقتصادية والسياسية التي فرضتها واشنطن على طهران تأثير عكسي، وذلك لأنها تسببت في زيادة اللحمة والروابط بين دول غرب آسيا.
وبالطبع، لا يمكن القول بأن هذا تحالفًا إقليميًا ضد قوى دولية، بل إنه يعني فشل جميع التحالفات التي صنعها الغرب ضد إيران مثل حلف الناتو العربي والإقليمي وقمة وارسو. وهنا تجدر الاشارة بأن تغيير بعض الدول لبوصلتهم مع إيران مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، يأتي بسبب ارتفاع حجم التكلفة الواقعية للبقاء في تحالف مع الولايات المتحدة في منطقة الخليج الفارسي ضد إيران وإعلان الحرب اليمنية. وفي سياق متصل شعرت الرياض بالحاجة للتفاوض مع طهران بشأن القضايا الجيوسياسية والأمنية والاقتصادية، عقب معرفتها بعدم فعالية الدعم الذي تقدمه لتشكيل حكومة في عدن بالتوازي مع صنعاء. وحول هذا السياق، كشفت العديد من المصادر الاخبارية، بأن مندوب السعودية الدائم لدى الأمم المتحدة "عبدالله المعلمي"، صرح بأن الوقت حان لانتهاء أزمة اليمن، مؤكدا أن المملكة لا تريد حربا مع إيران لا في اليمن ولا خارجه وأن بلاده على استعداد للدبلوماسية في التعامل مع إيران، مستدركا بالقول: "لكن ذلك يحتاج إلى أرضية مشتركة". وكشف "المعلمي" أن "هناك اتصالات جرت مع طهران من خلال مؤتمر القمة الإسلامية الذي عقد في مكة المكرمة"، مطلع يونيو الماضي.
لقد أدت القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية الإيرانية المتنامية التي واجهت معظم القيود الدولية التي جاءت في شكل عقوبات واسعة النطاق ضد إيران وسيطرة إيران على مضيق هرمز، وزيادة قوة التفاوض الإيرانية في المعادلات الإقليمية، إلى تراجع المملكة العربية السعودية عن الدخول في منازعات مع طهران، ولهذا فلقد طالب قبل عدة أسابيع الجلوس على طاولة المفاوضات مع إيران ووضع نهاية للحرب اليمنية.
في الواقع، لقد قامت دول الخليج الفارسي ببذل الكثير من الجهود خلال الفترة الماضية وخاصتاً عقب تصاعد التوترات بين إيران والولايات المتحدة، للعب دور في التطورات التي تشهدها المنطقة بما يتماشى مع مصالحها الوطنية، وعلى الرغم من أن المحاولات التي تبذلها هذه الدول الخليجية للتقرب إلى ايران ما هي إلا مجرد مناورة تكتيكية مؤقتة للخروج بماء الوجه من الحرب اليمنية، وليست خطة استراتيجية طويلة الأجل، إلا أنها في نهاية المطاف سوف تصب في صالح إنهاء الحرب في اليمن وإرساء الامن والاستقرار في هذا البلد الذي عانى ولا يزال يعاني من ويلات هذه الحرب العبثية.