الوقت- تأبى الضفة الغربية إلا أن تشارك رفيقة الدرب "غزّة" في حربها وسلمها، حيث تحذو الضفة الغربية حذو القطاع الصامد أمام غطرسة الاحتلال، وتشير كل الوقائع إلى أن عمليات الضفة لن تخمد مع مرور الزمن، بل ستزداد زخماً وتأثيراً.
فرغم التشديد الأمني الذي تفرضه سلطات العدو الإسرائيلي، تصاعدت وتيرت العمليات البطولية في مناطق الضفة الغربية والقدس ليس آخرها عملية مستوطنة دوليب شمال رام الله والتي أدّت إلى مقتل مجنّدة وإصابة اثنين.
تعدّ العملية هي الرابعة خلال شهر قتل فيها جنود ومستوطنون بين دهس وطعن وإطلاق نار، وحالياً عبر عبوة ناسفة.
في الشكل كانت العملية مباغتة ونوعية، وفي التوقيت جاءت في وقت انتخابي حسّاس، وقبل أيام من التصويت، وأما في المضمون فرسائلها كانت على أكثر من صعيد تجتمع تحت عنوان " تهشم نظرية الأمن الإسرائيلي في الضفة الغربية.
لا شكّ أن العملية باغتت الجيش بنوعيتها، وكذلك المستوى السياسي الذي يتخبّط الآن عبر تصريحات مجنونة، لاسيّما أن دخول العبوات الناسفة إلى المواجهة من جديد يعني قلب الطاولة على الكيان الإسرائيلي، باعتبارها السلاح الأكثر فعالية، وما يدريك لعلّ الآتي أعظم.
كما أشرنا سابقاً على هذه الزاوية، إن العمليات في الضفة الغربية ستشهد ارتفاعاً مع الإعلان عن صفقة القرن، وقد نكون أمام انتفاضة كبرى لم يشهد لها التاريخ الفلسطيني مثيلاً، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى التالي:
أوّلاً: تعكس عودة العمليات في الضفة حالة الوعي الوطني الفلسطيني في الضفة الغربية، في ظل ما تقوم به "إسرائيل" من استيطان وتهويد وتعذيب واعتقال للمواطنين.
وبما أن هذه العمليات نابعة من داخل المنفّذ نفسه، وقد يكون لا يعلم بالعملية أو آليات تنفيذها سوى الفرد نفسه، فإن تأثير هذه العمليات على الاحتلال كبير جداً، حيث لا يمكنه توقّع هذه العمليات أو وقفها.
ثانياً: هناك من يراهن على وعي شباب وشابات الضفة الغربية، لكن الوقائع تشي بالعكس تماماً، لاسيّما في ظل يأسهم من الواقع الذي تفرضه السلطة الفلسطينية هناك، فقد أشار استطلاع للرأي أجراه "مركز عكا للدراسات الإسرائيلية" إلى استمرار العمليات البطولية الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة من بينها عمليات الدهس والطعن وإطلاق النار.
وقال الاستطلاع إن "ما نسبته 73% من المشاركين قالوا إن العمليات في الضفة الغربية ستتواصل وتزداد في الفترة المقبلة”، وتابع “27% اعتبروا أن العمليات الحالية في الضفة ما هي إلا فترة مؤقتة وتنتهي.."
ثالثاً: أحيت العملية الأخيرة من جديد الأمل في نفوس الفلسطينيين، وزرعت الرعب في نفوس المستوطنين، لتؤكد هشاشة منظومة الأمن الإسرائيلية التي يتغنّى بها طوال الوقت، فقد وصف موقع "يديعوت أحرونوت" العملية التي وقعت قرب مستوطنة دوليب وأدّت لمقتل مستوطنة وإصابة آخرين بأنها "مقلقة للغاية".
كما أفاد المراسل العسكري للقناة 13 العبرية ألون بن ديفيد، أن المؤشرات تظهر أن من نفّذ العملية خلية منظّمة حتى لو لم تكن خلية تابعة لتنظيم ما، فهي لديها مختبر متفجرات، ودرسوا إجراءات الأمن في المكان، والعبوة على الطريقة اللبنانية تزن ما بين 3-4 كغم، ومليئة بكرات حديدية/ شظايا.
رابعاً: تلعب الأوضاع الميدانية التي تفرضها سلطات الاحتلال بدءاً من ثقل ممارسات الاحتلال ومستوطنيه، مروراً بكثرة الحواجز التي تقطع الضفة الغربية، ووصولاً إلى الانتهاكات التي يمارسها بحق المواطنين، تلعب دوراً في ازدياد العمليات في الضفة الغربية، وبالتالي كلّما اشتد الضغط الإسرائيلي لتنفيذ مخططاته الواضحة والمكشوفة، فمن المؤكد أنه سيكون هناك ردود فعل أوسع لا تقف عند حدود ما تفعله الفصائل، وإنما سيكون الصراع شاملاً، وسيجعل الأبواب مفتوحة على كل الاحتمالات"، وفق المحلل السياسي طلال عوكل.
من هنا، نرى أن هذه العمليات ستتضاعف كثيراً مع الإعلان عن صفقة القرن، لاسيما إعلان نتنياهو عن ضمّ الضفة الغربية إلى الكيان الإسرائيلي حال فوزه في الانتخابات.
خامساً: رغم أن الممارسات الإسرائيلية العدوانية تمثّل بيئة خصبة لتنفيذ المزيد من العمليات، لكن التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال يلعب دوراً بارزاً في الحد من تنفيذ مثل هذه العمليات، إضافة إلى الحسابات السياسية المختلفة بين الضفة وغزة.
هناك الكثير من الفلسطينيين نجحوا في كسر هذا الحاجز، مؤسسين لرؤية وطنية جديدة عنوانها المقاومة الشاملة للاحتلال.
سادساً: تجدر الإشارة إلى أن الأسلوب الأنجع لمواجهة سياسات الاحتلال وكذل التنسيق الأممي هي العمليات المسلحة "الفردية"، غير المنظمة في غزة والضفة الغربية، لأن أي خلل لدى الجهات المنظمة سيؤدي إلى تطويقها سريعاً في الضفة الغربية، لذلك إن أفضل استراتيجية لمواجهة الوضع الحالي في الضفة الغربية يتمثل في مسارين عسكريين.
المسار الأول عبارة عن العمليات الفردية، وأم المسار الآخر يتمثل في العمليات الجماعية، هنا نتحدث عن مجموعات لا تتعدى الـ5 أشخاص بغية توجيه ضربات موجعة للاحتلال من جهة، والحدّ من قدرة الاحتلال على كشف هذه المجموعات من جهة أخرى.
عوداً على بدء، تظهر هذه العمليات وعي شباب الضفة للتحديات التي تنتظرها القضية الفلسطينية، وفي حين تظهر العمليات في الضفة عقم الإجراءات الأمنية، حيث إن الأوضاع تتجه لعمليات تصعيدية غير مسبوقة.