الوقت- وصل الرئيس الامريكي باراك اوباما الى سدة الرئاسة الامريكية حاملا شعار "التغيير" (Change ) وبالفعل كان واضحا ومنذ اليوم الاول لبداية حكمه أن نهجه سيكون مغايرا لاسلافه من الرؤساء الامريكيين السابقين إن كان على صعيد السياسة الداخلية أو الخارجية. فداخليا سعى الى تطبيق قوانين تحمي فئات اجتماعية كبيرة وتطالب بها شرائح واسعة من الشعب الامريكي، قوانين كان قد وعد بها خلال حملاته الانتخابية، ولكن سعيه في معظم الاحيان لم يصل الى خواتيمه السعيدة، وسبب الفشل اما المواجهة الخاسرة مع الكونغرس واما الضغوطات الاقتصادية التي لا تسمح بالسير قدما في هذه القوانين. اما لجهة السياسات الخارجية فكان شعار "التغيير" (الفضفاض) ايضا سيد الموقف، حيث وعد اوباما ناخبيه بتغيير السياسات التهاجمية لاسلافه وان يسعى لتثبيت السلام في العالم وحل المشاكل الامنية في كافة الدول، بالاضافة الى منع الصراعات وعدم خوض الحروب وما الى ذلك من وعود كبيرة.
ومن الملفات التي كان واضحا نية التغيير فيها، ملف اسلحة الدمار الشامل والاسلحة النووية، ففي هذا السياق وفي اطار برنامج اوباما الانتخابي وعد "بالسيطرة على المواد النووية السائبة في العالم". وبالفعل وتطبيقا لوعده فقد بدأ منذ العام 2010 وبناءا على اقتراح اوباما نفسه مؤتمر الامن النووي بمشاركة دولية واسعة. فكان المؤتمر الاول في واشنطن ليتبعه مؤتمران آخران عامي 2012 و2014 في كل من سيول ولاهاي. وفي نفس السياق اصدر مؤخرا البيت الابيض بيانا يعلن فيه أن مؤتمر الامن النووي الرابع سيعقد العام المقبل في العاصمة الامريكية واشنطن، وذلك في يومي 31 مارس اذار و1 نيسان ابريل 2016. وأتى الاعلان تأكيدا على ما صرح به اوباما من قبل حول نيته استضافة المؤتمر مجددا في امريكا. واما الاهداف المعلنة للمؤتمر فهي مكافحة السوق السوداء والتهريب فيما يخص المواد النووية واسلحة الدمار الشامل منعا لوصولها الى ايادي الارهاب واللاعبين غير القانونيين في الساحة الدولية، كما يسعى المؤتمر لاقرار معايير دولية للتأكد من مستوى الأمان في حفظ هذه المواد. وقد أدت هذه المؤتمرات الى تحسن ملحوظ في أمن المواد النووية المهددة بالضرر، كما قويت المنظمات الدولية التي ترعى هذه الامور (وكل ذلك وفقا لما نقلته تقارير لمؤسسات تدور في فلك الادارة الامريكية).
وتعليقا على هذه التقارير من الجيد الاشارة الى الانفجارات التي حصلت مؤخرا في كاليفورنيا وفي الصين والتي تؤكد أن مسألة أمن المواد المهددة مجرد كلام اعلامي فارغ المضمون، ورغم أن امريكا هي الدولة الاولى في العالم نوويا الا انها لا زالت تعاني من ضعف لا يمكن اخفاؤه في ادارة وحفظ هذه المواد الخطرة والتي لطالما شكلت خطرا على الانسانية جمعاء.
وللوقوف على حقيقة السياسات الامريكية النووية واسلحة الدمار الشامل، لا بد من الاشارة الى الامور التالية:
تعتبر امريكا الدولة الاولى في العالم التي بدأت تجارب على قنابل ذرية خلال القرن الماضي لتتبعها الدول الاخرى، بالاضافة الى أن امريكا الدولة الوحيدة في العالم التي اجرت تجربتين حيتين على القنابل الذرية في مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين، حيث يؤكد المتابعون والمؤرخون لمجريات الحرب العالمية الثانية (بمن فيهم امريكيون) أنه لم يكن من الضروري ضرب المدينتين لتستسلم اليابان. بل ان الامريكيين كانوا يسابقون الزمن لاجراء التجربتين قبل اعلان اليابان استسلامها في دليل دامغ على السياسة الامريكية التي لا تعرف الرحمة ازاء مصالحها في العالم.
كما أن امريكا تمتلك الترسانة الاكبر في العالم من الرؤوس النووية والتي يقدر عددها بما يزيد عن عشرة الاف رأس، تكفي حسب خبراء لتدمير الكرة الارضية عدة مرات. وكل ذلك في سبيل استمرار الهيمنة الكاملة على الكوكب مما يناقض بشكل صارخ ما يقال ويعلن في مؤتمر الامن النووي.
بالاضافة الى أن امريكا كانت ولا زالت وراء افشال مؤتمرات لاعادة صياغة معاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية "NPT ". وذلك خدمة للکيان الاسرائيلي ومنعا لتمرير قوانين قد تدينها في المستقبل.
الکيان الاسرائيلي النووي والمظلة الامريكية!
الکيان الاسرائيلي دولة نووية هذا ما تؤكده تصريحات لقياديين اسرائيليين، بالاضافة الى تقارير عالمية وحتى امريكية عن امتلاك هذا الکيان ما يزيد عن 300 رأس نووي بالاضافة الى قدرته على انتاج 35 قنبلة هيدروجينية نيوترونية. هذا ناهيك عن الترسانة الاسرائيلية من الاسلحة الكيماوية والجرثومية، وسط صمت امريكي ودفاع مستميت عن الکيان في كافة المحافل الدولية. حتى أن هذا الکيان يمتنع عن توقيع معاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية "NPT " مستفيداً من الغطاء الامريكي. وبرغم هذا الخطر المحدق بالمنطقة لا تسمح امريكا بادانة الکيان الاسرائيلي كما تعارض اقامة اي مؤتمر يهدف الى جعل منطقة الشرق الاوسط منطقة خالية من اسلحة الدمار الشامل. وحتى المؤتمر المزعوم عن الامن النووي فامريكا هي تحدد اهدافه بموضوع واحد وهو خطر استحواذ جماعات ارهابية على سلاح نووي دون ذكر الدول التي لا تحترم اياً من اتفاقات حظر السلاح النووي.
في النهاية وفي خلاصة ما ورد، وبالعودة الى الوعود الكبيرة التي صرح بها اوباما لناخبيه، يتبين أن التغيير الذي قصده اوباما انما تغيير في الادبيات الشكلية والبروتوكولات التي لا تغير في المضمون من شيء. وليس هذا الكلام سوى شعارات استهلاكية لجذب الناخب الامريكي، فلازالت امريكا هي هي، سيدة العالم بنظر نفسها. العالم الذي يجب عليه أن يطيع القوانين الدولية التي تصيغها امريكا نفسها حسب مقاسات مختلفة وحسبما تدعو الحاجة. وأما موضوع مؤتمر الامن النووي فليس سوى خطوة فارغة من المضمون العملي تهدف الى تلميع صورة امريكا لدى شعوب العالم، وسط تنامي الحركات والاصوات المعادية لامريكا ولهيمنتها على القرار الدولي، ووعي شعبي كبير لحقيقة ان النظام الامريكي هو المستفيد الاساسي من الحروب المنتشرة في اصقاع الارض إن لجهة تجارة السلاح او لجهة إحكام قبضته على ميادين الصراع.